شبكة نوى، فلسطينيات:
"قُصِفَ بيتُنا منذ اليوم الأول للحرب. كان جنتي وأماني، وهدية الله بعد شقاء سنوات. ثلاث غرف وصالة، ومطبخٌ واسعٌ وزاوية جهّزتُها مؤخرًا لاستقبال المهنئين بعد أن ألدَ طفلتي" هنا بدأت تسردُ الحكاية وتبكي.
اسمُها عائشة علي، ربةُ منزلٍ وأمٌ لثلاثة أولاد. كانت تنتظر مولودتها التي أسمتها قبل أن تراها "أمل"، ليكتب الله على وجهها نورًا وفرجًا ونجاة، لكنها اليوم تقول "ليتها تبقى مخبأةً في أحشائي العمر كله، بعيدًا عن هذا الموت".
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفي تمام الواحدة ظهرًا، قصف الاحتلال الإسرائيلي منزل الجيران في منطقة القرارة شرقي مدينة خانيونس، وكعادته الصاروخ في غزة لا يأخذ هدفه وحده، بل يأخذ معه كل ما حوله من مبانٍ وبشرٍ وذكريات. أخذ معه بيت عائشة وبيوت جيرانٍ آخرين وترك لهم الحسرة.
تخبرنا: "في الضربة الأولى كنت بغرفة قريبة من الباب أنا وأطفالي وزوجي، ركضنا بسرعة جنونية. اختبأنا تحت السلم، ثم صارت تنهال علينا الحجارة فركضنا إلى الشارع حتى وصلنا المدرسة".
وتتحدث عن وضعها: "لم أستطع أخذ أدويتي، لم أفحص جنيني حتى! لا أرتاح بنومي فأنا أفترش الأرض بشرشفٍ بسيط، ولا أستطيع مدًّ رجلَي لتكدّس النازحين في الصف".
وأمّا لدخول الحمام قصّة أخرى، طابورٌ طويلٌ يستغرق أكثر من ساعة، وحين يصل دورها، يجب عليها أن لا تتأخر! فالباقون ينتظرون، والجميع في الخارج يصرخون على أي شخصٍ يتجاوز وجوده في الداخل الـ5 دقائق.
لا تقف عائشة في طابور الحمام وحسب، بل وفي طوابير الخبز والماء، كذلك زوجها ليتمكنا من الحصول على كمية جيّدة تكفي أطفالهما خلال النهار في ظل سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال مع الناس هنا.
سهير محمد قاسم أيضًا (27 عامًا). امرأةٌ حامل في شهرها الثامن. نزحَت من بلدة بيت حانون شمالي القطاع حتى وصلت إلى خيام النازحين بمنطقة الصناعة غربي خانيونس.
تقول: "شربتُ مياهً ملوثة، وتناولت طعامًا غير نظيف. أشرب لمرة واحدة، وكذلك الأمر بالنسبة لتناول الطعام كي لا أضطر لدخول الحمام أكثر".
وتضيف: "أعاني من نزلةٍ معوية، والتهاباتٍ مستمرة وتزداد. أشعرُ أنني سأفقد طفلي، وربما حياتي! فكل دقيقة تمر علينا حاسمة مع استمرار القصف وسط هذه الظروف المأساوية".
تتساءل سهير: "أين سيأتي صغيري؟ ربّما في المدرسة. ربّما في رحلة تهجير جديدة. ربما ينتهي عمره قبل أن يبدأ لو قصفتنا الطائرات في إحدى طرق النزوح".
وتصف الرعب الذي تشعر به فيما يتعلق بمسألة ميلادها، حتى لو حدثت في مستشفى! "فالمستشفيات هنا مستهدفة على مرأى العالم دون أدنى حراك يوقف هذا الجحيم".
امرأة ثالثة حامل، اسمها أسماء الداية، تقول: "يا ليت للكلام جدوى، لا أعلم ماذا على العالم أن يرى أكثر من ما يحدث ليتدخل ويوقف هذا الموت؟!".
سألناها عن رسالةٍ لو قيل لها يومًا أنها ستصل لأحد رؤوساء العالم الفاعلين، فردّت: "مجرم.. أنت مجرم وكل الرؤوساء مجرمين".
سارت في طريقٍ بين الخيام بوجه شاحب ودموعها تسيل، ثم صرخت: "يلعن العالم الذي أباح قتلنا بهذه الصورة".