شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 03 اكتوبر 2025م06:50 بتوقيت القدس

بكاءٌ بيولوجي.. الحصار يُربك دورة الحياة لنساء غزة!

01 اكتوبر 2025 - 14:12

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

خلف الخيام الممزقة في غزة، لا يكتفي الاحتلال بسرقة البيوت والأحلام، بل يمد يده الثقيلة إلى الجسد الأنثوي ذاته. هنا، تتعطل دورة الحياة الطبيعية، وتصمت دماء الحيض في أرحام الفتيات والنساء، كأنها ترفض أن تسيل وسط هذا الخراب، لتتحول الأجساد إلى ساحة طوارئ صامتة تئن تحت وطأة الجوع، والإنهاك، والخوف.

الفتاة (م.أ)، سبعة عشر عامًا، تحكي: "منذ ثلاثة شهور وأنا أترقب دم الحيض دون جدوى، لم أعانِ ذلك قبل الحرب. نزحنا عشر مرات، وانتهى بنا الحال في خيمة بخان يونس، أقف يوميًا ثلاث ساعات في طابور المياه، أحمل الغالونات الثقيلة، وأتزاحم عند تكية الطعام وسط رجال كثر، أشعر بالإنهاك والتشنج والدوار. كنتُ طفلة أستعد للثانوية العامة، والآن أرفع الأثقال بدل الكتب".

الطبيب قال بوضوح: ""إنها الحرب.. الإنهاك النفسي والجسدي يوقف الجسد عن أداء وظائفه الطبيعية".

حين تأخرت دورتها شهرًا كاملًا، ظنت أنه خلل عابر، لكنها صمتت خوفًا من البوح لوالدتها وسط ازدحام الخيمة وفوضى النجاة اليومية. وحين طال الأمر، تحدثت أخيرًا، فاصطحبتها أمها إلى نقطة طبية ميدانية. الطبيب قال بوضوح: ""إنها الحرب.. الإنهاك النفسي والجسدي يوقف الجسد عن أداء وظائفه الطبيعية".

على الضفة الأخرى من الحكاية، تجلس (س.ع)، البالغة من العمر خمسة وعشرون عامًا، بصوت يتهدج بالقلق: "دورتي انقطعت أكثر من شهر. حاولت إخفاء خوفي عن والدتي وخطيبي، لكنني كنت أتخيل أسوأ السيناريوهات. قبل العدوان كانت صحتي جيدة، أما اليوم فقد انهار وزني واختفى انتظام دورتي. الفحوص أثبتت أن جسدي يعاني نقصًا حادًا في الحديد والفيتامينات الأساسية. لم يعد خوفي على صحتي فقط، بل على خصوبتي ومستقبلي كزوجة وأم".

في خيمة أخرى، تتحدث السيدة (ش.ف)، وعمرها ثلاثة وثلاثون عامًا لـ"نوى"، وتقول: ""النزوح المتكرر، أزيز الكوادكابتر فوق رؤوسنا، والطعام المعلب الذي لا يكفي طفلًا.. كل ذلك جعل جسدي يذبل. حتى الفوط الصحية لم تعد متاحة. كنت أدعو أحيانًا ألا تأتي دورتي لهذا السبب، لكنها توقفت تمامًا. خفت أن أفقد قدرتي على الإنجاب، لكنني لم أستطع مراجعة طبيب، فالمراكز بعيدة والمال مفقود".

"الجسد حين يواجه الخوف الشديد يفرز كميات من الكورتيزول، فيربك الدماغ ويوقف الهرمونات الأنثوية. إنه وضع دفاعي: الأولوية للبقاء لا للتكاثر".

الطبيبة لبنى العزايزة تشرح أن الدورة الشهرية تتأثر مباشرة بالصدمة والتوتر، وتخبرنا: "الجسد حين يواجه الخوف الشديد يفرز كميات من الكورتيزول، فيربك الدماغ ويوقف الهرمونات الأنثوية. إنه وضع دفاعي: الأولوية للبقاء لا للتكاثر. لذلك تنقطع الدورة أو تتأخر. ومع سوء التغذية، ونقص الحديد والزنك، ورفع الغالونات الثقيلة، يزداد الخلل. لقد رصدنا خلال الحرب الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق في حالات اضطراب الحيض".

أما الأخصائية النفسية عروب جملة، فترى أن ما يحدث "بكاء بيولوجي". تقول: ""التوتر الشديد يجعل الجسد يطفئ وظائفه الثانوية، والدورة الشهرية أولها. الفتيات في الخيام يعشن بلا خصوصية، محاصرات بالخجل والخوف، فلا يملكن حتى حق البوح بمعاناتهن. كثيرات يقللن من الطعام والماء خوفًا من دخول المرحاض، فيضعف الجسد أكثر".

"تأخر الحيض اليوم يعني خوفًا وقلقًا، لكنه غدًا قد يعني هشاشة عظام أو فقدان خصوبة. هذا ليس أمرًا ثانويًا، بل حق أساسي في الحياة والكرامة".

وتضيف: ""الحرب لم تسرق طعام النساء ونومهن فقط، بل سرقت حتى متعة أنوثتهن، وأدخلتهن في عزلة قاسية. تأخر الحيض اليوم يعني خوفًا وقلقًا، لكنه غدًا قد يعني هشاشة عظام أو فقدان خصوبة. هذا ليس أمرًا ثانويًا، بل حق أساسي في الحياة والكرامة".

في النهاية، خلف الإحصائيات الصماء عن القصف والنزوح، ثمة أجساد نسائية تصرخ بصمت. دماء حُجزت، أرحام تبكي بلا دماء، وفتيات ينتظرن عودة دورة الحياة الطبيعية، تمامًا كما ينتظرن عودة وطن يليق بأجسادهن وأحلامهن.

كاريكاتـــــير