شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 19 مارس 2024م04:07 بتوقيت القدس

"كلّن يعني كلّن"!

#خطفوا_غزة.. "كلّن يعني كلّن"!

01 فبراير 2022 - 08:42
وفاء عبد الرحمن

شبكة نوى، فلسطينيات:  

أفضل الكتابة عن الانتهاكات في الضفة؛ لأنني أعيش فيها، والشجاعة أن لا أختبئ داخل "كانتون" (معزل) لأنتقد معزلًا آخرًا. لكن حين تحولَت الكتابة لتمرينٍ ثقافيٍ هدفه التفريغ، توقفْت!

أختار -بوعيٍ- الكتابة عن ما يحدث في الضفة لأن خلاصاتي تقول: إن المسؤولية الأولى لما يحدث داخل "الكنتونات" تقع على عاتق منظمة التحرير –الممثل الشرعي والوحيد- التي تقزّمت إلى درجة "سُلطة" لا تملك إلا فرض الضرائب، واستخدام القوة "المقونَنَة" لتدجين وإسكات كل من لا يسير في رَكبِها!

ثم جاء هاشتاغ (#خطفوا_غزة)، ليقابل هاشتاغ (#خطفوا_المنظمة). في الثاني الفاعل معروف، وبغض النظر عن خلفية من أطلقه وسياق إطلاقه، فإنه يعبّر عن شريحةٍ واسعةٍ من أبناء الشعب الفلسطيني في معازلهم كافة، أولئك الذين يصرخون ليل نهار لإعادة الاعتبار لـ (م.ت.ف) واستعادتها. يعني الفكرة ليست حمساوية إن تم تجييرها لخدمة فكرة فصائلية، في معركة التصيد التي يمارسها الفصيلان ليل نهار.

قد يكون هاشتاغ (#خطفوا_غزة) رد فعلٍ عفويٍ على الهاشتاغ "الحمساوي"، وقد يكون نتاج تفكير -لا أُحاكم النّوايا- يحمل صبغةً "إشكالية"، فمن جهةٍ أغفَل أن أشهر –وليس بالضرورة أول- من شبّه غزة بطائرةٍ مخطوفة، أهلها رهائن لدى "حماس"، هو الفتحاوي عزام الأحمد. وعليه تصبح محاولات الدفاع عن أن "الحراك" مطلَبي وليس فصائلي غير مقنعة؛ لأن إعادة إنتاج مقولة الأحمد، ينسف ما يصر عليه الحراكيون من تحميل المسؤولية الأولى للاحتلال، وعدم إعفاء السلطة في رام الله من مسؤوليتها عن ما آلت إليه أوضاع القطاع، وهذا يعني أن الهاشتاغ "سياسي صرف"!

أنا أصدق نوايا أغلب الشباب القائمين على الهاشتاغ/ الحراك، فطالما أنه تصدّر، يصبح من الصعب تغييره وإعادة التفكير فيه، ولكن الأصعب هو محو ذاكرة الفلسطينيين، لمحو ارتباط اسم الأحمد بهذا الوصف، وبالتالي لوم من تصدوا له -من غير المنتمين لحركة حماس- أو مهاجمتهم!

لكن، بعيدًا عن تحليل النوايا وصناعة الهاشتاغ، من المهم قراءة تغريدات الغزيين/ات، والاستماع لآلامهم المنسيّة في ظل صورةٍ نمطيّة حوّلت اهل القطاع لـ"سوبرمانات" يتلقّون الضربات ولا يصرخون. الحق أنهم أبطال ولكنهم في البدء والخاتمة بشر، وحالهم يردد مقولة درويش: "ونحن لم نحلم بأكثر من حياةٍ كالحياة"، فلتكن حياةً رماديةً، لا يهم، ما يهمُّ الضحية أن نسمعها جميعًا دون تنظير كيف تصرخ، ومتى تتألم. أن نسمعها دون إسقاط توقعاتنا، أو إطلاق الأحكام –جُزافًا- صوب أصواتٍ قد لا يجيد أصحابها استعمال الكلمات تحت سوط التعب، وغياب الأفق، ومجرد الحلم بغدٍ "عاديٍ" في حياةٍ عادية.

نحن غير قادرين على تحمّل كلمات الغضب، فما بالنا بهم يحتملون هذه الحياة؟ وفي لحظة الموت نعاتبهم: لماذا لم تصرخوا؟ لماذا لم تتألموا؟ تمامًا كما نعاتب النساء المعنّفات اللواتي إذا صرَخنَ علّقنا لهنَّ المشانق!

لم أكن بحاجةٍ للاستماع لقصصهم/ــن على "تويتر"، فأنا أعايشها منذُ خرجت من غزة، ولم تخرج مني. يصعُبُ عليَّ التنظير من هنا فأخبرهم بأن التوقيت غير مناسب، الحقيفة أن لا وقت مناسب في ظل احتلالٍ لا يتركُنا نتنفس. يصعُبُ عليَّ أن أقول –ولو همسًا: إن غضبكم يجب أن يوجه للاحتلال فقط، فهم محقون تمامًا عندما يتساءلون: "ما علاقة الاحتلال بالفساد، والمحسوبيات، والضرائب، وقمع الحريات؟".
في الضفة، حين نوجه سهامنا في اتجاه السلطة، لا نقبل أن يسألنا أحد عن التوقيت، أو عن الأولويات، أو حتى أن يلمح بأن المعركة الكبرى (مع الاحتلال) أهم من معارك الشباب من أجل الحرية، والعمل، والعيش بكرامة، وهنا وجه المقاربة.

يا حركة "حماس"، لولا الحاضنة الشعبية بكافة ألوانها وخلفياتها، التي تتحول في لحظة عدوانٍ لصدرٍ يتصدى، لما تمكنتِ من التغنّي بـ"انتصار". من حق هذه الحاضنة، تحديدًا -غير المنضوية تحت لوائك- أن تتلقى الإجابة: لماذا يزداد الفقراء فقرًا والأغنياء غنىً؟ أين ما وعدَت به قيادتكم بعد كل "انتصار"؟ لماذا يتحول المواطن إلى حطب للعدوانات والمناكفات، وفي لحظةٍ يصيرُ مصدر تمويل الخزينة حين يشحُّ المال، تتقاذفه ضرائبٌ أكثر، وأسعارٌ أعلى، وكهرباءٌ أقل، وحرياتٌ بقيود؟

تحدثوا للنّاس المختلفين عنكم، ارفعوا أيديكم (أيدي الأمن الداخلي، والمتعصّبين) عنهم/ــن، فالسلطة التي تخاف من كلمة، لن تحميها صواريخ، ولا أنظمة، ولا أجهزة أمنية.

شباب الحراك "الهاشتاغ" ليسوا أعداءً، ومطالبهم حياتية عادية، يوجهها كل الشباب لأي سلطةٍ، أو حكومةٍ مسؤولة عمن تحكم، سواءً كانت في غزة، أو في رام الله، أو في أي بلدٍ عربي. المطالب ليست كفرًا لا بالدين، ولا بالوطن!

يا حركة "حماس"، تقديم النموذج المختلف عن المحيط الموبوء، يكون بتصدير نموذج حكمٍ تتسع فيه المساحات ليس للتعبير وحسب، بل للشكوى والتظلّم أيضًا. الاحتلال يقتنص أصوات المعاناة فيحولها إلى فرصةٍ لضرب المقاومة –المقاومة بمعناها الواسع- وتحميلها المسؤولية، ويستعمل ذات السياسة تجاه المرابطين في الأقصى، وحراس الجبل في بيتا وجبل أبو صبيح، والأغوار، وجنين. الرد على خبث سياسات الاحتلال، لا يكون إلا بمزيدٍ من الاحتضان، والمشاركة، وبسعة الصدر، وحل الأزمات -ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا- بدلًا من التخوين، والتشكيك، والهجوم، وكأن سلطتكم تستند على قشّة!

لا رسائل أوجِّهُها للسلطة هنا، فهي تدرك مسؤوليتها تجاه قطاع غزة، وتدرك –هكذا يعتقد الغزّيون- أن إنهاء الانقسام أولوية. لو كانت "أم الولد"، فستُقدم على خطواتٍ حقيقيةٍ لإنهائِه، حين تدرك أن أي تنازلٍ ستقدمه سيكون من أجل القطاع وأهله، لا من أجل حماس.

غزة مخطوفة، ومعزولة، ويتيمة، والخاطفين كُثُر! نحن نعرفهم جميعًا، كما نعرف ونُقرُّ بأن المسؤولية تجاه أهلها، وكرامتهم، وحياتهم "العادية" مسؤوليتنا جميعًا. حقٌ لغزّة وأهلها أن يرفعوا أصواتهم، وحقهم علينا أن نسمع بلا تقزيمٍ للوجع.

لماذا أكتب؟ ومن سيقرأ؟ أكتب فقط لأجل غزة وحقها في أن تتنفس!

خلص الكلام

                                                                                مديرة مؤسسة فلسطينيات

                                                                        رئيسة تحرير شبكه نوى النسوية 

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير