شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 17 سبتمبر 2025م11:36 بتوقيت القدس

طلبة جنين وطولكرم يشتكون تردي "التعليم الإلكتروني"..

خطة "الطوارئ" بالضفة.. "التعليم العالي" والجهوزية لـ"السيناريو الأسوأ"!

الوزارة تعمل على إنشاء منصة لتوثيق واعتماد شهادات المواطنين والخريجين
19 مايو 2025 - 12:05

الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"أخشى أن يتأجل مشروع التخرج"، قالتها مها عبيد، الطالبة في جامعة فلسطين التقنية- خضوري/ طولكرم، بعد معاناةٍ كبيرة أحاطت بتجربة "التعليم عن بُعد"، وما رافقها من تعطل مفاجئ للإنترنت، بالتزامن مع تقديم الامتحانات.

مها، وغيرها المئات من طلبة الجامعات في جنين وطولكرم، يعانون نفس المعضلة، بعد تحويل جامعاتهم دوامها الوجاهي إلى إلكتروني، نظرًا لاستمرار العدوان الإسرائيلي على مناطق شمالي الضفة الغربية، لليوم الـ 119 على التوالي.

"التعطل المفاجئ للإنترنت، صعّب حضور المحاضرات ومتابعة المواد الدراسية.. نُفاجأ بانقطاع الإنترنت أثناء تقديم امتحان، ونضطر لتقديمه في وقتٍ لاحق".

عبيد، الطالبة في السنة الرابعة، هي من بلدة كفر راعي بمحافظة جنين، قالت لـ"نوى": "التعطل المفاجئ للإنترنت، صعّب حضور المحاضرات ومتابعة المواد الدراسية.. كنا نُفاجأ بانقطاع الإنترنت أثناء تقديم امتحان، ونضطر لتقديمه في وقتٍ لاحق".

ومع امتداد أمد العدوان زمنيًا شمالي الضفة، وبرغم اقتصار "التعليم الإلكتروني" -حتى اللحظة- على طلبة جامعات جنين وطولكرم، إلا أن مساحة الخوف صارت ممتدة إزاء اتساع رقعة العملية العسكرية الإسرائيلية، أو احتمالية أن يشمل العدوان مدن الضفة كافة، وسط تساؤلات عن مدى جهوزية وزارة التربية والتعليم العالي للسيناريو الأسوأ؟ والخطط التي أعدتها لضمان استمرار العملية التعليمية، بالاستفادة مما يحدث في قطاع غزة؟ وما إذا كانت أخضعتها لآلية موحدة شاركت فيها الجامعات والمعاهد ومراكز التعليم العالي في فلسطين بشكل كامل، أم تركتها لكل مؤسسة ورؤيتها الخاصة؟

بشأن السؤال الأخير، فإن الجامعات، ووفق شهادات العديد من الطلبة، تتعامل في ظل الواقع الأمني المتردي على الأرض بشكل "منفرد". على سبيل المثال، طلبت جامعة "بيرزيت" من طلبة طولكرم وجنين، التواصل مع الجامعة بشكل رقمي، في حين اعتمدت جامعة فلسطين التقنية (خضوري- فرع العروب)، على التعليم الإلكتروني "للمساقات النظرية"، المدمج مع الوجاهي "للمساقات العملية".

وفي الحالتين، واجه الطلبة صعوبات كبيرة في الاتصال بالإنترنت، داخل المناطق التي نزحوا إليها قسرًا بسبب استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في مناطق سكناهم.

وتعبر الطالبة آية علي، من طولكرم، عن قلقها من تأخر تخرجها بسبب تأجيل إنجاز المساقات العملية، والتدريبات الميدانية، وغالبية الامتحانات، نتيجة تحول الدوام إلى إلكتروني. في حين تأخر نقاش مشروع التخرج الخاص بزيد حيدرية، طالب السنة الرابعة، في الجامعة العربية الأمريكية، بسبب الأحداث في مدينته جنين، وعدم انتظام الدراسة الوجاهية فيها منذ نحو أربعة أشهر.

يقول حيدرية: "هذا دفع لتأجيل تخرجي إلى الفصل الدراسي الثاني، الذي يمكن ألا ينتظم أيضًا في حال استمرار اجتياح المدينة".

"الجائحة".. درسٌ للتاريخ

ويبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 54 مؤسسة تعليمية، بحسب إحصائيات الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة والنوعية لمؤسسات التعليم العالي، فيما يبلغ عدد الطلبة الملحقين في هذه المؤسسات أكثر من 225 ألف طالب وطالبة.

ويعد التعليم الإلكتروني أحد ثلاثة أنظمة تعليمية تعتمدها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بحسب  ما جاء في القرار بقانون رقم (6) لسنة 2018 وتعديلاته، إضافة إلى نظام التعليم بالانتظام والتعليم المفتوح. وهذا النظام جديد نسبيًا فرضته جائحة "كورونا" بعد أن أعلنت فلسطين حالة الطوارئ عام 2020م، وهو ما يطرح التساؤلات حول الاستفادة من هذه التجربة في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها الجامعات أيضًا.

ويؤكد مدير مركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث، في جامعة النجاح، الدكتور المهندس جلال الدبيك، أن الظروف التي نشأت إثر الحرب على قطاع غزة، دفعت جامعته لاعتماد "التعليم عن بُعد" في بعض الأوقات، "وهذا كان بمثابة اختبار لقدرة الجامعة على مغادرة الجغرافيا والتوجه للتعليم الافتراضي وقت الحاجة" يقول.

في حين، يرى عضو مجلس أمناء جامعة "بيرزيت" الدكتور غسان الخطيب، أن الطريقة التي تبنتها الجامعات في الضفة الغربية بعد الحرب على قطاع غزة، كانت أنجح من التجربة في فترة جائحة "كورونا"، "حيث كان الانتقال للعملية التعليمية عبر الإنترنت بشكل أكثر سلاسة".

ويضيف: "تجربة الجامعات مع جائحة كورونا كانت غير موفقة وصعبة، فالعاملين في التعليم العالي لم يكونوا مهيئين لترتيبات التعليم عن بعد أو غيره من الوسائل التي من الممكن من خلالها التغلب على صعوبات التنقل والوصول للجامعات"، مستدركًا بقوله: "لكنها بكل الأحوال كانت تجربة مفيدة؛ لأنها دفعت باتجاه تطوير أساليب التعليم عن بعد إلى حد ما، والاستعداد للسيناريوهات الأسوأ".

ويوافقه الرأي في ذلك الخبير في مجال التطوير وإدارة الجودة بدائرة التعليم التقني، في وزارة التربية والتعليم العالي، المهندس ربيع أبو شملة، الذي تابع: "جائحة كورونا كانت نقطة تحول لدى مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، حيث باتت أي تحديات أو عوائق تواجه العملية الأكاديمية، تُقابَل باستجابة سريعة من قبل الوزارة".

نموذج "غزة"

وعما لو كانت الوزارة استفادت من نموذج "قطاع غزة" القابع تحت نيران الإبادة منذ قرابة عام ونصف، في ظل سير العملية التعليمية فيه بالحد الأدنى، يضيف أبو شملة: "من أكبر المهام التي أدّتها وزارة التربية والتعليم العالي، هو حفظ بيانات مؤسسات التعليم العالي وحمايتها، وكذلك السجلات الأكاديمية للطلبة مثل شهاداتهم وما شابه، خاصة وأن دولة الاحتلال دمرت 80% من مؤسسات التعليم العالي بغزة تدميرًا كاملًا أو جزئيًا".

ووفقًا لأبو شملة، فإن الوزارة وفرت خدمة الحفظ السحابي Clouding للبيانات، بالإضافة إلى الحفظ في سيرفرات الوزارة، وسهّلت تصديق نسخ طبق الأصل للطلبة من قطاع غزة بالتعاون مع السفارات الفلسطينية، متابعًا: "أجرينا إسعافًا للتعليم العالي في قطاع غزة بالشراكة مع مؤسسات التعليم العالي في الضفة الغربية، حيث استضافت جامعات وكليات طلبة القطاع كزائرين، وفق نظام الطالب الزائر، المعتمد رسميًا من قبل الوزارة، وتم تسجيل ما يقارب 20 ألف طالب/ـة من أصل 88 ألفًا من قطاع غزة".

ولكن هل هذه الإجراءات كافية في حال تكرر سيناريو "غزة" في الضفة الغربية؟ يجيب: "عملية التحسين والتطوير مستمرة، ولدى الوزارة الخبرة الكافية والجاهزية، خاصة مع قيامها بالعديد من الخطوات الوقائية، ومن بينها تحديث أنظمة التعليم العالي، وتطوير نظم إدارة التعليم، والبنية التحتية لجميع جامعات وكليات التعليم العالي في الضفة الغربية، بما في ذلك تدريب العاملين وتأهيل الطواقم".

إجراءات احترازية

وبالعودة إلى الدبيك، مدير مركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث في جامعة النجاح، فإن الجامعة "أصبحت تتبع الإجراءات التي تتلاءم مع الأوضاع على الأرض بطريقة سريعة ومرنة لتعديل أي خطط موجودة، سواء في التعليم عن بعد، أو التعليم الوجاهي، أو التعليم الهجين، بالإضافة إلى المحاضرات المصورة بشكل غير متزامن، وتوظيف الذكاء الصناعي"، مؤكدًا أن هذه الوسائل تأتي ضمن خطط الجامعة المعتمدة، القابلة للتطبيق، في حال تحققت السيناريوهات الأسوأ، وشمل العدوان مناطق أوسع من الضفة الغربية.

الدبيك: "نتبع ترتيبات داخلية بشكل موازٍ، بحيث يتم إنجاز المساقات التي يمكن تعليمها عن بعد، وتأجيل الأخرى التي تعتمد على الحضور الوجاهي والتنفيذ العملي".

وتحدث عضو مجلس أمناء جامعة "بيرزيت"، عن اتباع الجامعة في إطار عملية التعليم عن بعد، ترتيبات داخلية بشكل موازٍ، "بحيث يتم إنجاز المساقات التي يمكن تعليمها عن بعد، وتأجيل الأخرى التي تعتمد على الحضور الوجاهي والتنفيذ العملي، إلى حين التمكن من الحضور، كما في حالة المختبرات والمشاغل".

وبرغم هذه الإجراءات، إلا أن الخطيب يرى عدم إمكانية الحديث عن "جهوزية كاملة"، "فمعظم الخطط تتمحور في سياق التعليم عن بعد، وهو ما يتطلب، المزيد من التطوير والاستثمار في البنى التحتية الرقمية لأنظمة الجامعات".   

وفي ظل تفاوت خطط الجامعات واختلافها، يُطرح التساؤل حول دور الوزارة في رسم وتحديد خطط التعامل مع المخاطر والكوارث المحتملة؟

أبو شملة: "دور الوزارة سياساتي بالإضافة للإشراف والمتابعة والتوجيه والشراكة. بالتالي يقع على عاتقها وعلى عاتق كل مؤسسات التعليم العالي، توفير الأدوات والخطط الاستراتيجية؛ لمواجهة أي كوارث".

رجوعًا إلى أبو شملة، الخبير في مجال التطوير وإدارة الجودة بدائرة التعليم التقني، في وزارة التربية والتعليم العالي، فقد وصف دور الوزارة بـ"السياساتي" بالدرجة الأولى، "ويضاف إليه الإشراف والمتابعة والتوجيه والشراكة مع جميع الأطراف ذات العلاقة بالتعليم العالي، أو التدخل المباشر للتوجيه والإشراف على العملية الأكاديمية" يقول.

وبالتالي -والحديث لأبو شملة- يقع على عاتقها وعلى عاتق كل مؤسسات التعليم العالي، توفير جميع الأدوات والخطط الاستراتيجية الطارئة؛ لمواجهة أي كوارث في حال حدوثها.

من المسؤول؟

وبتقييم بسيط للإجراءات الاحترازية التي تحدثت عنها "التعليم العالي"، وبعض جامعات الضفة الغربية، فيمكن القول إنها قد تكون مفيدة في حالات الطوارئ المؤقتة، لكن هل يمكن اعتمادها في حال حدوث سيناريو ممتد زمانًا ومكانًا يشبه الذي ينفذ في قطاع غزة حاليًا؟

يجيب الخطيب: "في هذه الحالة يصبح التعليم الافتراضي غير مُجدٍ، فإذا قطعت شبكات الاتصالات تصبح هذه الوسيلة بلا فائدة"، مقرًا أنه بالمقابل، لم يتم تطوير أي خطط أو بدائل للتعامل مع مثل هذه الحالة.

وحول من تقع عليه المسؤولية عن ذلك، تابع: "هذا السؤال المهم يجب أن يُطرح، ونبدأ بمناقشته في الجامعات مع وزارة التربية والتعليم العالي (..) لا أتوقع أن الجامعات قادرة وحدها على مواجهة هذه المعضلة، دون استعداد وتوجه حكومي وخطط ومنهجية واضحة، وإسناد من القطاع الخاص أيضًا".

وهنا يؤكد أبو شملة، أن الوزارة تعمل على تطوير بعض الإجراءات المساعدة، مثل إنشاء منصة وطنية لتوثيق واعتماد الشهادات لجميع المواطنين والخريجين، "بحيث يتم تحميلها بعد التحقق منها وتوثيقها لدى الوزارة"، بالإضافة إلى العمل مع مؤسسات التعليم العالي على تبادل البيانات وحفظها بشكل مركزي وآمن، وتطوير البنية التحتية التكنولوجية بشكل منهجي ومدروس، بما يتلاءم مع أي حدثٍ طارئ، إلى جانب التعليم الإلكتروني عن بعد.

"التعليم المدمج ما بين الوجاهي وعن بعد قائم، إضافة لخيار التعليم عن بعد وفق الظروف والمعطيات بشكل يحفظ سلامة الطلبة والعاملين".

ولسد الفجوات في الجانب العملي لدى الطلبة في الجامعات والكليات (وخصوصا تخصصات الهندسة والمهن الصحية)، أوضح أن هناك توجه لتطوير مختبرات افتراضية.

وعن فرضية "انقطاع الإنترنت"، أشار إلى أن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات ووزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي، طورت خدمة الإنترنت في فلسطين، بالتالي فإن التعليم المدمج ما بين الوجاهي وعن بعد قائم، إضافة لخيار التعليم عن بعد وفق الظروف والمعطيات بشكل يحفظ سلامة الطلبة والعاملين"، متحدثًا عن "خطط" تتعلق بشركاء على مستوى التعليم العالي خارج فلسطين، "سواء بالنسبة للجامعات أو الكليات في الدول المجاورة -تحديدًا الأردن".

وأكد أن الوزارة، وقعت اتفاقية مع اتحاد الجامعات العربية، حول دعم التعليم في ظل الأزمات، ودعم المشروعات التطويرية الخاصة بهذا الموضوع من حيث البنية التحتية والاستعدادات، والبنية التكنولوجية، وتوفير الأجهزة والمعدات والبرمجيات، بما يضمن مواصلة العملية التعليمة في أسوأ الظروف وأمام أصعب السيناريوهات".

كاريكاتـــــير