شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 06 اكتوبر 2025م11:38 بتوقيت القدس

لا أدوية ولا منظفات ولا مياه صالحة..

غزة.. طفح جلدي ينهش جلود أطفال الخيام!

05 اكتوبر 2025 - 09:59

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في خيمةٍ مهترئةٍ قرب مدرسةٍ مهدّمة في حي الشجاعية، جلست ريهام دلول تُحاول تهدئة صغيرها "آدم" ذي العامين، الذي تحوّل جسده الصغير إلى خريطةٍ من البثور والجروح. كانت تضع على جلده كمادات ماءٍ باردة التقطتها من دلوٍ صدئ، تحاول عبثًا خفض حرارته التي تجاوزت تسعًا وثلاثين درجة. منذ أسبوعٍ كاملٍ لم يذق الطفل النوم، يصرخ طوال الليل من الحكة والألم، بينما والدته تبكي بصمتٍ وهي تعدّ أنفاسه الخافتة.

تقول وهي تمسح العرق عن جبينه: "لا أدوية، لا مراهم، لا منظفات.. حتى المسكنات نفدت. أستخدم الماء فقط، والماء نفسه ملوث".

في غزة التي تخنقها الخيام والحرمان، أصبحت الأمراض الجلدية وجهًا جديدًا من وجوه الكارثة. الجرب، الطفح الجلدي، الجدري المائي... أسماءٌ صارت مألوفة في أحاديث الأمهات، تمامًا مثل القصف والجوع.

الأطفال الذين أضعفهم سوء التغذية صاروا فريسةً سهلةً لأي عدوى تنتقل عبر الهواء أو الماء، ومع انقطاع المياه النظيفة وغياب المرافق الصحية، لا يجد الأهالي سوى أيديهم لتضميد الجروح.

سارة شحادة، أمٌ نازحة من حي الزيتون، تحكي قصّة ابنتها "مليكة" البالغة أربع سنوات، التي غطّى جسدها الطفح الجلدي بعد أيامٍ من العيش في خيمةٍ مكتظةٍ بالقرب من مستشفى ميداني.

تقول سارة: "البثور انتشرت بسرعة. لا ماء نظيف، والحرّ خانق، والخيمة مليئة بالحشرات. ذهبتُ إلى المستوصف بعد انتظار أربع ساعات، أعطوني مسكنًا بسيطًا فقط. الطبيب قال لي: لا يوجد كريمات مضادة للحكة ولا مضادات حيوية".

"بدأت ببقعٍ صغيرة على ذراعيه، ثم امتدت إلى جسده كله. حاولتُ تنظيفه بماءٍ مغلي، لكن العدوى انتقلت إليّ وإلى أخيه".

تُمضي السيدة الليالي وهي تراقب حرارة ابنتها ترتفع بلا حول ولا قوة، بينما يلتصق جسدها الصغير برمالٍ ملوثةٍ تتسلل إلى الجروح وتزيدها التهابًا.

أما محمد ناصر، ابن الثلاث سنوات، فقد أصيب بالجرب المعدي بعد أن تشارك مع أطفاله جيرانه الأغطية والمياه الملوثة. تقول والدته: "بدأت ببقعٍ صغيرة على ذراعيه، ثم امتدت إلى جسده كله. حاولتُ تنظيفه بماءٍ مغلي، لكن العدوى انتقلت إليّ وإلى أخيه (..) لا شيء متاح سوى المراهم المنزلية التي لا تجدي نفعًا، ولا أحد يجرؤ على لمس الطفل الذي صار جلده جرحًا مفتوحًا".

وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن هذه القصص ليست استثناءات، بل جزء من أزمةٍ تتسع كل يوم.

حتى يوليو 2024، سُجلت 96,417  حالة من الجرب والقمل، و9,274  حالة من الجدري المائي، و60,130  حالة من الطفح الجلدي، إلى جانب 10,000  إصابة أخرى بأمراضٍ جلدية مختلفة. ومع انتصاف عام 2025م، تضاعفت هذه الأرقام بفعل تدمير شبكات المياه والصرف الصحي، وتحوّلت الخيام إلى بؤرٍ للعدوى.

حذّرت اليونيسف من أنّ غياب المياه النظيفة يزيد خطر الأمراض المعدية، داعيةً إلى إدخال إمدادات عاجلة قبل "انفجارٍ صحيّ لا يمكن السيطرة عليه".

في تقاريرها الأخيرة، حذّرت اليونيسف من أنّ غياب المياه النظيفة يزيد خطر الأمراض المعدية، داعيةً إلى إدخال إمدادات عاجلة قبل "انفجارٍ صحيّ لا يمكن السيطرة عليه".

أما منظمة أطباء بلا حدود، فقد وصفت الوضع بأنه "أزمة صحية معقّدة يعيشها أطفال غزة، حيث الجلد ينهار قبل الروح".

في تلك الخيام التي تغمرها الرطوبة والغبار، لا يتطلّب الموت أكثر من جرحٍ صغيرٍ على جسدٍ جائع. وبينما يُحكم الحصار قبضته، تتكاثر البثور والدموع معًا، ويستمر أطفال غزة في معركةٍ غير متكافئة، ضدّ قسوةٍ تبدأ من جلدهم ولا تنتهي عند حدود أجسادهم الصغيرة.

كاريكاتـــــير