شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 06 اكتوبر 2025م11:38 بتوقيت القدس

خُدّج يعانون نقص الحليب..

أنامل صغيرة تتشبّث بالحياة في "حضّانات" غزة!

02 اكتوبر 2025 - 09:28

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في غرفةٍ صغيرةٍ داخل مستشفى الحلو الدولي بمدينة غزة، ينساب صوت الأجهزة كأنفاسٍ معلّقة بين الحياة والموت. على السرير الزجاجي ترقد طفلةٌ خديجة، وُلدت في شهرها السابع بوزنٍ لا يتجاوز كيلوغرامين، جسدها الشفاف يفضح قسوة الحصار قبل أن تنطق.

تقف والدتها إيناس ساق الله قربها، تحدّق في ملامحها الصغيرة التي تتشبث بالحياة كما لو كانت تقاوم العالم بأكمله. تقول الأم وهي تمسح دموعها بيدٍ ترتجف: "لم أتناول اللحوم ولا الدواجن ولا الألبان ولا الفواكه طوال فترة حملي. لم يكن في الأسواق ما نأكله، فالمعابر مغلقة، والاحتلال يمنع دخول المساعدات. كنت أتناول ما يتوفر، حتى لو كان غير صحي، فقط لأبقى على قيد الحياة".

طفلٌ من بين كل خمسة أطفال يولد قبل موعده أو بوزنٍ أقل مما ينبغي، كما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف".

في غزة اليوم، يولد طفلٌ من بين كل خمسة أطفال قبل موعده أو بوزنٍ أقل مما ينبغي، كما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف". أجسادٌ هشةٌ تولد في ظروفٍ أقسى من قدرتها على الاحتمال، بين نقصٍ حادٍ في التغذية، وشحٍ في الرعاية الصحية، وانعدامٍ شبه كامل لحليب الأطفال والمستلزمات الأساسية. تروي الأم تجربتها فتقول: "لم أحصل على الرعاية الصحية المناسبة في المراكز الطبية خلال فترة الحمل، فالأدوية والمستلزمات الطبية شحيحة والمدعمات نادرة، وكل ذلك يؤثر على الأم والجنين، ويترك آثاره الجسدية والنفسية بعد الولادة".

وزارة الصحة في غزة تؤكد على لسان مدير مركز المعلومات فيها، زاهر الوحيدي، أن الحصار الإسرائيلي وتقييد إدخال المساعدات أديا إلى تفشي المجاعة ووفاة 154 طفلاً نتيجة سوء التغذية الحاد، في وقتٍ يشهد فيه القطاع أعلى مستويات سوء التغذية منذ اندلاع الحرب.

 يضيف الوحيدي: "إغلاق المعابر ومنع السلع الغذائية المدعّمة بالبروتينات والكالسيوم أجبر الناس على الاعتماد على أغذية غير صحية فاقمت الكارثة"، مطالبًا بضرورة إنهاء الحصار وفتح المعابر وإدخال المساعدات دون قيد.

التقارير الأممية تعزز ما يقوله الأطباء. فبحسب بيانات "اليونيسف" و"برنامج الأغذية العالمي" و"منظمة الأغذية والزراعة"، ارتفعت معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون خمس سنوات في غزة إلى نحو 16.5%  خلال النصف الأول من عام 2025، أي أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل عام.

منظمة الصحة العالمية فتؤكد أن نحو 12  ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد شهريًا، في ظل انهيار المنظومة الصحية.

 وفي مايو وحده، استُقبل أكثر من 5100  طفل للعلاج من سوء التغذية الحاد، بينهم 636  حالة حرجة تهدد الحياة. أما منظمة الصحة العالمية فتؤكد أن نحو 12  ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد شهريًا، في ظل انهيار المنظومة الصحية واستمرار انقطاع الكهرباء ونقص الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات.

من بين تلك الأرقام الباردة تختبئ وجوهٌ صغيرة تحاول النجاة. أطفالٌ يولدون في مستشفياتٍ تئنّ تحت وطأة العجز، وأمهاتٌ يلدن وهنّ نصف أحياء، محاصرات بالجوع والخوف.

في إحدى تلك الحاضنات، يرقد طفلٌ آخر ولد قبل أوانه بأسبوعين، يروي طبيب المناوبة أن جسده لم يحتمل سوى يومين من التنفس الصناعي قبل أن يستسلم.

"كل يوم نفقد أطفالاً يمكن إنقاذهم لو وصلتنا التغذية الطبية أو حليب الأطفال الخاص بالخدج".

يقول الطبيب بصوتٍ متعب: "كل يوم نفقد أطفالاً يمكن إنقاذهم لو وصلتنا التغذية الطبية أو حليب الأطفال الخاص بالخدج".

المنظمات الأممية تجدد مطالبها بإدخال مساعدات عاجلة للأطفال الرضّع والنساء الحوامل، وتوفير الرعاية الصحية المتخصصة خلال الحمل، وضمان وصول الأدوية والمكملات الغذائية الأساسية، وتؤكد أن الأطفال الفلسطينيين في غزة يحتاجون إلى خدمات تغذية وصحة عاجلة "منقذة للحياة"، إذ لا يمكن تركهم يواجهون الموت البطيء بالجوع والمرض.

ورغم كل هذا، تظل مشاهد الحاضنات في مستشفيات غزة تختصر الحقيقة الأشد وجعًا: أرواحٌ صغيرة تُقاتل كي لا تُمحى قبل أن تُولد بالكامل.

في زاويةٍ من المستشفى، تهمس إيناس لطفلتها عبر الزجاج: "اصمدي، حبيبتي الحليب سيأتي، والنهار سيأتي". لكن النهار في غزة يتأخر كثيرًا، وأحيانًا لا يأتي أبدًا، فتظل الحياة هنا محض محاولة للبقاء وسط موتٍ يطارد حتى أصغر الكائنات.

كاريكاتـــــير