شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 06 اكتوبر 2025م10:30 بتوقيت القدس

امتحانات "توجيهي"..

"دموع الأمهات" على أبواب المدارس: "إنها ليست معركة"!

07 يونيو 2023 - 13:49

قطاع غزة:

بمجرد دخولها البيت بعد تقديمها امتحان اللغة العربية الخاص بمرحلة الثانوية العامة (التوجيهي)، عبَست "ريما" في وجه والدتها. بدت وكأنها تريد أن تقول شيئًا، لكنها صمتت.

تبعتها أمها إلى الغرفة، وسألتها عن امتحانها، فأجابت بـ"جيد"، لكنها فاجأتها بعتابٍ قاسٍ لم تتوقعه، ونظرات لومٍ صعبة: "كنت بتمنى لو استنيتيني على باب المدرسة، ودعيتي الي مثل أمهات صاحباتي".

"ماذا؟" سألت السيدة نفسها بدهشة. "كل ما أفعله، وفعلته لأجل راحتها، وحتى تتمكن من الدراسة، والتفوق في الامتحانات لا شيء الآن! ثم ما قصة هذه الافتكاسة؟ ما قصة وجود الأمهات والآباء أمام أبواب المدارس، ينتظرون أبناءهم ويقرأون القرآن، ويتضرعون بالدعاء، وكأن هذا كله لا يصل إلا عند باب المدرسة؟".

تعلق: "لا أعرف متى ظهر هذا السلوك، الذي يوترني شخصيًا عندما أرى صورًا تعبر عنه في مواقع التواصل الاجتماعي"، مردفةً: "أقدر حرص الأهالي لكن ليس إلى هذا الحد، كنتُ طوال الوقت أحاول إقناع ابنتي بأه امتحان التوجيهي مثله مثل أي امتحان في أية مرحلة، ثم يأتي بعض الأمهات والآباء، يخرّبون هذا كله بتوترهم أمام أبواب المدارس. هم لا يدعمون أبناءهم على العكس، يوترونهم، ويشعرون طلبة آخرين بتقصير أهاليهم الذين لم يحضروا ليؤازروهم قرب الباب".

وربّما تبدأ مرحلة التوجيهي برهبةٍ داخلية يخلقها بعض المعلمين والمعلمات تجاه المرحلة، يدوي صداها في المنازل التي تشهد "معارك" كبيرة أحيانًا بين الطلبة وعائلاتهم لكون النتائج تُعلن على الملأ، فتصبح "المقارنات" همّ الآباء والأمهات، وبالطبع أثرها يضرب قلوب أبنائهم وبناتهم.

لا تكمن المشكلة هنا فحسب، بل فرضت بعض العائلات مؤخرًا سلوكًا باصطحاب الطلبة إلى المدارس، والجلوس على أبوابها للانتظار، يفتحون خلال ذلك مصاحفهم، ويقرأون القرآن، وبعضهم يجهش بالبكاء قلقًا، لتنتشر مقاطع فيديو وصور لتلك اللحظات انتشار النار بالهشيم، وتتسبب بحالة جدلٍ كبيرة بين المواطنين، القابلين والرافضين للفكرة وتبعاتها.

في السياق، يرافق يحيى جحا ابنه إلى المدرسة منذ اليوم الأول للامتحانات، يظل ينتظره ويظن أن هذا دفعةً قوية لدعمه وإسناده بفترة الامتحانات، فهو الخامس بين إخوته الذي يدخل الثانوية العامة، وقد فعل الأمر ذاته معهم جميعًا.

ويقول: "أنا عامل ميكانيكا، وزوجتي دكتورة صيدلانية. التعليم هو سلاحنا الوحيد الذي نحارب فيه كل معيقات الحياة وننجو من خلاله، وما أفعله يدعم أبنائي ويزيدهم ثقة بأنني أقف خلفهم مهما كانت النتيجة، برغم أنهم كلهم متفوقين".

بخلاف ذلك، تتحدث الطالبة غيداء الأسطل، وتقول: "في سنوات سابقة استلطفتُ الأمر، وحينما كنت أشاهد الصور أشعر بفرحةٍ لوجود آباءٍ يهتمون ويدعمون، لكنني اليوم وأنا طالبة توجيهي، أجد الأمر عكس ذلك تمامًا".

تشير إلى أنها وبمجرد وصولها باب المدرسة ومشاهدتها للأهالي متراصين على قارعة الطريق، تشعر بأنها تدخل إلى "معركة" لا إلى امتحان! هنا طالبةٌ تبكي، وهناك أم تحتضن ابنها وتسير معه وهي تحمل المصحف، وتضيف: "كنتُ أنظر إلى المرحلة على أنها مثلها مثل أي مرحلة مضت، لكن ما يحدث اليوم يشعرني بالتوتر، ويجعلني أتخيل أنها نهاية الحياة لمن لا يحالفه الحظ".

تتدخل أمها لتكمل: "ابنتي هي الثالثة بين أشقائها التي تدخل الثانوية العامة، ولم أذهب يومًا مع أي منهم سوى لإيصالهم في بعض الأيام إلى المدرسة، ثم العودة بعد دخولهم (..) لا أذكر أنني انتظرت أحدًا منهم على الباب مرة، وطوال الوقت أدعو لهم بالتوفيق وتنوير البصيرة، وهذا يصل إلى الله ولو كنتُ في كهف، فما الذي يحدث اليوم؟". 

وتزيد: "ابنتي لن تخبرنا بمشاعرها الأولى خاصة لو كان الامتحان صعبًا، ستكتم مشاعرها، أو تنفجر في وجوهنا، وهذا ما قد سيتسبب لنا شخصيًا بالأذى النفسي، وقد يضرها في امتحانها المقبل".

وتزيد صفاء الأسطل: "بصراحة. إن النظام التعليمي هو الذي تسبب بخلق هذه الحالة، ولعل ما لا يدركه البعض أن الشعور ربما يكون أصعب على الأهالي أكثر من الطلبة نفسهم، خاصة مع تربّص البعض لغيرهم بسبب "المقارنات" والتعقيدات التي ترمى على الأهالي".

من ناحيةٍ نفسية، تعلق الأخصائية ليلى أبو عيشة بالقول: "الأمر أصبح أقرب إلى "الظاهرة السلبية" إذ يُفترض بالأم أو الأب الذين يودون دعم أبنائهم بالتواجد، الاكتفاء بإيصالهم إلى أبواب مدارسهم من باب الدفع والتشجيع، ثم تركهم  ليخوضوا الامتحان وحدهم، ويفضل فعل ذلك في اليوم الأول فقط".

وتصف أبو عيشة هذا السلوك بـ"السلبي"، عندما توصل للطالب الذي يفترض أنه بهذه الامتحانات يتهيأ لدخول المرحلة الجامعية، أنه ما زال طفلًا يجب أن يرافقه أحد إلى المدرسة، "كما أن الاهتمام المبالغ فيه بطالب التوجيهي، سيجعله يشعر وكأنه يذهب للمجهول، أو لـ"معركة" ثقيلة، ولن يشعر بالطمأنينة بعدها، بل إنه سيظل يتساءل: إلى أين أنا ذاهب؟ وماذا لو لم أستطع حل جميع الأسئلة؟ ماذا لو رسبت؟ ماذا لو أخطأت في حل سؤال؟ وغير ذلك الكثير من الأسئلة".

وترى أبو عيشة، أنه من الأولى العودة إلى المنزل، وتهيئة الجو العام للامتحان المقبل، ثم مراقبة الطالب بانضباط، ودعمه لمواجهة ما هو قادم، موصيةً بعدم الضغط عليه بالأسئلة والاستفسارات التي ترهقه وتجعل تركيزه أضعف فيما بعد. 

وتعد الأخصائية النفسية "التوجيهي" تهيئةً لمرحلةٍ أكبر، من تحديد اختيارات الدراسة الجامعية لاحقًا وفق رغبة الطالب أولًا وليس بحسب المعدل، دون إرباك وتعقيد، "ولهذا فإن خلق الفوضى في نفسيته بما يتعلق بالتوجيهي، ستجعله تائهًا حتى بعد ظهور النتيجة، مترددًا في الاختيار ما لم يحصل على المعدل الذي يريده".

كاريكاتـــــير