شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م11:04 بتوقيت القدس

زيارة القدس بمريضٍ مثلًا..

غزة.. "المصائب" كمساحةٍ رحبة لتحقيق الأمنيات!

05 فبراير 2023 - 22:24
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

قطاع غزة:

تصير "المصائب" في فلسطين أحيانًا مساحةً رحبةً لتحقيق الأمنيات! لم يكذب القائل "إنها بلد التناقضات"، فالعيش تحت الاحتلال مرٌّ، لكنك قد تلوك "حلاه" صدفة. مثلًا، أن تخرج جدّة مع حفيدتها المريضة بالسرطان، بعد معاناة أشهر في استصدار "تصريح" علاجيٍ للمرور إلى القدس، فتجد نفسها تصلي في الأقصى للمرة الأولى في حياتها! 

حلمٌ انتظرته هادية حسين منذ ولادتها قبل 60 عامًا. أي منذ هجّر الاحتلال عائلتها من عسقلان، وطردها إلى سوريا، لتعيش هناك قبل أن تعود إلى غزة في العام 2005م.

لم تستوعب هادية صدمتها! ما أن حطّت قدميها خارج أسوار الحاجز، حتى شاهدت مساحاتٍ واسعةٍ من أرض الله، تذكرُ حينها كيف ربّتت على كتف حفيدتها وهمست في أذنها: "مرضك يا ستي هدني، بس رجعتيلي الحياة بطلعتي معك لأراضينا المحتلة".

في المستشفى أجرت بعض التحاليل للصغيرة ميار، وهناك، تعرّفت على مرافقة مريضٍ آخر من غزة، سألتها: "أتصلين في الأقصى؟"، لتجيبها بعفويةٍ وصوتٍ أربكته المفاجأة: "هو بنفع؟ بنفع نروح نصلي هناك؟ مش راح يعاقبنا الاحتلال، ولا يمنعنا؟!"، لتردّ الأولى بابتسامة: "تعالي نجرّبـ مش راح نخسر شي".

تقول: "ارتجف بدني، وشعرت لأول مرةٍ بأنني إنسانة حرّة"، متابعةً بلهفة: "لن تصدقوا! وصلت، وصلتُ هناك وصليت، وسجدت، وبكيت كثيرًا. لقد كنتُ أركضُ كطفلةٍ تريد استكشاف حديقة، وتمنيت لو أنني طير هنا، من طيور الأقصى تمنيتُ لو يعود بي الزمن وأتمارض كي أصل إلى هنا".

بضع ساعاتٍ كانت كفيلةً بترميم روح الجدّة هادية التي عانت مهجّرة في وطنها، برغم أسى التجربة في مرافقة حبيبة قلبها "ميار" التي تعاني من سرطان الدم. "كيف للإنسان أن يحيا بتعب عزيزٍ على قلبه؟ كيف يُهندس الاحتلال ذلك؟" تتساءل.

المسافةُ بين غزة والقدس، ربما لن تتجاوز الساعتين في السيارة، لكنها الحدود التي رسمتها "إسرائيل"، وفرضُ الحصار على نحو مليوني إنسان وأكثر، هو الطامة.

ولعل المأساة في الأمر ليست هنا، بل بتحقق حلمين في آن، بين مريضٍ استصدر تصريحًا علاجيًا، ومرافق له استطاع دخول الضفة الغربية والقدس قبل موته! وما أكثر الموتى الذين حلموا بالأمر! فالتنقل بين المدن الفلسطينية يجري بقرارٍ إسرائيلي، وبالنسبة للمرضى فإنهم ينجون صدفةً أمام حاجز بيت حانون "إيرز"، بانتظار السماح لهم بالدخول إلى مشافي الضفة الغربية والقدس.

في قصة ثانية، راج مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في الثالث من فبراير/شباط، لرجلٍ من غزة اسمه أحمد السموني، يبدو في الستينات من عمره، لم يستطع لجم دموعه حين وصل إلى الأقصى بالطريقة ذاتها؛ "مرافقة حفيده المريض".

قال آنذاك: "لا أعرف ماذا يفترض أن أقول أمام الكاميرا، في موقفٍ كهذا، وهل للكلام معنى في حضرة الإحساس؟ هل للكلام قيمة هنا؟"، يومها غلبته دموعه التي عبّرت عن المشهد، فأخد يسجد وينظر إلى الناس، ويمسح على قلبه، وكأنه يُطبطب على نفسه.

إنها المرة الأولى التي يدخل فيها المسجد الأقصى، ظن أنه حلم حتى رحّب فيه المقدسيون، الذين أدركوا قصته، "أهلا وسهلًا بحبايبنا أهل غزة، نوّر الأقصى يا عمي نوّر فيكم".

يا ليت عائلتي معي"، تمناها الرجل، وأوصل سلامه عبر مقاطع الفيديو، فالزيارة تلمس القلب، وكل حوّاس الإنسان. "يا الله ما أقرب المسافة وما أبعدها!" يزيد.

وصول المرضى والمرافقين إلى المستشفيات خارج غزة لا يجري بسهولة بالطبع، فبحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، منَعَ الاحتلال وأعاق أكثر من 38 ألف مريض من السفر لتلقي العلاج منذ عام 2008م، من دون إبداء أسباب، أو لأسباب عائلية، بل اعتقل الكثير من المرضى ومرافقيهم على حاجز بيت حانون "ايريز"، وابتز عددًا منهم، وساومهم على التعاون، وأخضعهم للتحقيق، ومرافقيهم، وأخروا الرد بالموافقة لأعداد كبيرة منهم، ولطالما ردّوا بعد فوات الأوان.

كاريكاتـــــير