غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في بيتٍ صغيرٍ دُمّر جزئيًا تحت القصف في غزة، تجلس أم صالح قاسم بين صور نجلها ودموعها، لا تصدّق أن الحرب أخذت منها كل شيء، حتى أثر ابنها الجريح الذي كان المعيل الوحيد للأسرة بعد استشهاد والده.
في صباح الخامس والعشرين من يوليو/تموز عام 2025، خرج صالح نحو منطقة دخول المساعدات في شمالي القطاع، المعروفة باسم "زيكيم"، أملًا بالحصول على بعض الغذاء وسط المجاعة التي صنعها الاحتلال الإسرائيلي بحربه الوحشية. وعدَ عائلته بأن يعود إليها بكيس من الطحين، رغم يقينه بأنه ربما لن يعود، لكنه قرر أن يُخاطر من أجل طفلته على الأقل.
تخبرنا أمه أنه كان الأمل الأخير لهم في تلك الفترة. هي وزوجته وطفلته انتظرن عودته بكيس من الطحين يسكّن جوع الأجساد الخاوية، لكن شمس ذلك الصباح غربت، ولم تشرق على العائلة منذ لحظة غيابه. لم يعد صالح، لا شهيدًا ولا حيًا، بل صار رقمًا في سجل المفقودين في القطاع.
منذ ذلك اليوم، لم تعرف أم صالح طعمًا للنوم. تقول بصوتٍ تغالبه العبرة: "لم أترك مكانًا إلا وذهبت إليه.. الصليب الأحمر، المستشفيات، المؤسسات، حتى الشبان في المنطقة أسألهم عنه وأُريهم صورته. أبحث عن أي خبر، حتى لو كان مؤلمًا، فقط لأعرف مصيره".
وبينما تتحدث، تقترب حفيدتها الصغيرة منها وتسألها ببراءةٍ تُدمي القلب: "هل سيخبروننا بمكان بابا يا جدتي؟ لماذا تتحدثون عنه؟ هل هناك أخبار جديدة حول عودته؟".
تجيب الجدة بصوتٍ تحاول أن تُخفي ارتجافه: "لا شيء سوى ما أخبرتك به يا حبيبتي.. ذهب في مشوار صغير وسيعود قريبًا".
ثم تهمس وهي تنظر إلى الأرض: "لا أملك جوابًا يُقنع قلبي، فكيف سأقنع الصغيرة التي باتت تدرك أننا نكذب؟".
"قلبي يحترق لحظةً بلحظة، أريد فقط أن أعرف.. هل هو حيّ أم صار شهيدًا؟".
تصف أم صالح الأيام التي سبقت فقدانه قائلة "إن العائلة كانت تعيش المجاعة حرفيًا؛ لا طحين، ولا معلبات، ولا أرز، ولا أي نوع من البقوليات. وما دفع ابنها للخروج بحثًا عن الطعام لم يكن إلا مرارة الجوع وصوت بكاء طفلته من أجل رغيف خبز".
تحمل أم صالح صورة نجلها في يدها أينما ذهبت، تعرضها على كل من يمرّ بالمنطقة علّ أحدًا يملك خيطًا من الأمل. تبكي وهي تتأمل مكان جلوسه المفضّل في المنزل، وتتابع: "قلبي يحترق لحظةً بلحظة، أريد فقط أن أعرف.. هل هو حيّ أم صار شهيدًا؟".
735 يومًا من حرب الإبادة التي أودت بحياة أكثر من 67,682 فلسطينيًا وأصابت 170,033 آخرين، منذ السابع من أكتوبر عام 2023.
ووفق المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، فإن حصيلة المفقودين في قطاع غزة بلغت 9500 مفقود، بعد 735 يومًا من حرب الإبادة التي أودت بحياة أكثر من 67,682 فلسطينيًا وأصابت 170,033 آخرين، منذ السابع من أكتوبر عام 2023.
























