غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"تمنّيت لو أنني أرى ولو بعينٍ واحدة. اشتقتُ لغزة، لعائلتي، لأقاربي، ولكل أصدقائي، الأحياء منهم والأموات". كانت هذه أولى كلمات الأسير المحرّر محمود أبو فول بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي، ضمن صفقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عقب عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية، يوم الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2025م.
عودة محمود كانت مختلفة. جسدٌ نحيلٌ هزيل، ووجهٌ شاحب يروي ما لا تُرويه الكلمات. نُقل على كرسيٍّ متحرّكٍ بساقٍ واحدة، إذ كانت عائلته تعلم أنه مبتور الساق إثر إصابة سابقة قبل اعتقاله من مستشفى كمال عدوان في شمالي القطاع، في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 2024، مع المئات من الجرحى والممرضين والأطباء والنازحين.
لكن ما لم تكن تعرفه العائلة، أن محمود فقد بصره تمامًا. يقول: "خرجت من المقبرة حرفيًا. فقدت بصري تحت التعذيب، لكن إبصار الحرية واستنشاقها من قلب غزة كان له طعمٌ آخر".
تبدّلت ملامح الشاب كمن خرج من رحم الألم. عاد من الموت إلى الحياة، إلى مدينته التي لم يرَ وجهها ولا حجم الدمار الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية.
يستعيد محمود شريط الذكريات المؤلمة داخل سجون الاحتلال، ويضيف: "تمّ التحقيق معي بالضرب والشتم والتنكيل حتى تكسّرت أضلاعي داخل صدري، وضُربت على رأسي ضربًا مبرّحًا حتى فقدت البصر. أُغمي عليّ، ولما استيقظت لم أرَ إلا الغبش. قلت لمن حولي: أنا لا أرى شيئًا."
لم يتلقَّ أيّ علاج، كما هو حال الأسرى في سجون الاحتلال. أعطوه "قطرة عين" ومرهمًا لم يُخفّفا شيئًا، فرفض لاحقًا استخدامهما بعدما أدرك أن حالته لن تتحسن.
"أول ما سمعت التكبيرات من الأسرى في الباص عندما شاهدوا غزة، كدت أبكي. رأيتهم بقلبي، كانوا يصرخون: أهالينا بستنّوا فينا".
قرابة عامٍ قضاه في غياهب السجون، لا صوت له ولا خبر يصل لعائلته، حتى تفاجأت باسمه بين الأسرى الذين شملتهم صفقة الإفراج.
وعن لحظة الوصول إلى غزة، يقول: "أول ما سمعت التكبيرات من الأسرى في الباص عندما شاهدوا غزة، كدت أبكي. رأيتهم بقلبي، كانوا يصرخون: أهالينا بستنّوا فينا".
اليوم، يجلس محمود في خيمة نزوحه وسط غزة، محاطًا بعائلته التي لم يرها منذ اعتقاله. يبتسم رغم العتمة ويقول: "الحمد لله على نعمة الحرية، وما أتمناه الآن أن يعود إلي بصري؛ لأرى وجه أمي وملامح مدينتي من جديد".
























