غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
بصعوبةٍ تحاول روان النديم (30 عامًا) تهدئة طفلتها تيا (4 سنوات) الباكية طوال اليوم بحثًا عن أبيها الذي اعتقله جيش الاحتلال منذ عام. "بدي بابا"، هكذا تبكي تيا التي أدركت مبكرًا معنى كلمة "أسير" و"صفقة" و"لم يخرج"، أما روان فوقتها يتوزع بين متابعة مصير زوجها ورعاية رضيعها الذي لم يُكمل عامه الأول بعد.
تشرح روان التي كانت تسكن في جباليا شمال قطاع غزة: "لم ننزح في المرحلة الأولى من الحرب، زوجي نضال المقيد (32 عامًا) كان يعمل فني أشعة في مستشفى كمال عدوان، اعتقله جيش الاحتلال حين اقتحم المستشفى يوم 25 أكتوبر 2024".
ظنت روان في البداية أن اعتقاله لن يدوم شهرًا، ولكن بمرور الأيام والمتابعة، علمت أنه معتقل في سجن عوفر، وخشيت أن يتعرض لما ذاقه الأسرى من تعذيب وحشي، خاصة مع غياب أي معلومة رسمية عن حاله، فكل ما عرفوه جاء فقط من خلال أسرى تم الإفراج عنهم.
تكمل: "كنت حاملًا في شهري الخامس عندما اعتقل، تابعت حملي وولادتي وحدي، وأنا التي كنت أعتمد على زوجي في كل شيء، أسميت الطفل فايز، لم يره حتى الآن".
حين أبرمت صفقة للتبادل بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، ظنت روان أن زوجها سيتحرر، لكن خاب أملها حين لم يخرج في الصفقة الأولى في يناير 2025، ولا في الثانية في أكتوبر.
في الهدنة الأولى، كانت صفقات التبادل تتم أسبوعيًا، يسبقها كشف بأسماء الأسرى المزمع الإفراج عنهم، تقول روان: "في كل أسبوع أطالع الكشوف بقلق وخوف، لكن لا فائدة".
"حالة إحباط شديد أصابتني وأصابت طفلتي، لا نعلم إلى متى، ولا يوجد أفق ولا معلومة، وما زلنا ننتظر والإحباط يتزايد"، تختم روان حديثها.
روان واحدة من آلاف العائلات الفلسطينية التي ما زالت بانتظار لحظة الإفراج عن أبنائها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، منهم من اعتقل أثناء الحرب، ومنهم من اعتقل قبلها، لكن صفقات التبادل أحيت بداخلهم الأمل بالتحرير.
بين المعتقلين 1,450 أسيرًا محكومًا و3,351 موقوفًا احتياطًا، و2,662 يصنفهم جيش الاحتلال "مقاتلين غير شرعيين".
وذكر موقع "ميدل إيست مونيتور" أنه حتى سبتمبر 2025، يحتجز جيش الاحتلال 11,040 فلسطينيًا، بينهم 3,577 معتقلًا إداريًا دون محاكمة.
ويشير التقرير الذي يستند إلى بيانات مصلحة السجون الإسرائيلية إلى أن بين المعتقلين 1,450 أسيرًا محكومًا و3,351 موقوفًا احتياطًا، و2,662 يصنفهم جيش الاحتلال "مقاتلين غير شرعيين".
الشاب حسن الشريف أيضًا، والده نعيم (66 عامًا) ما زال معتقلًا لدى الاحتلال الإسرائيلي منذ ما قبل اندلاع الحرب على قطاع غزة بعام، لكن حكمه انتهى ولم يتم الإفراج عنه.
يشرح حسن، الذي كان يسكن حي تل السلطان غرب مدينة رفح: "يوم 4 مارس 2023، اعتقل الاحتلال والدي على معبر بيت حانون (إيرز) شمال قطاع غزة، أثناء عودته من رحلة علاج كان مرافقًا لزوجتي، وتم اتهامه بتمرير رسائل للأسرى، وحُكم بالسجن عامًا ونصف".
"نحن أيضًا نعاني نفسيًا من القلق عليه، وأحفاده ينتظرونه بفارغ الصبر، اشتاقوا لجدهم ويحملون أملًا بأن يرونه مجددًا ليلعب معهم".
انتهت محكومية والد حسن خلال الحرب، ولم يفرج الاحتلال عنه، ولم تحظ عائلته بأي فرصة لمعرفة أخباره، فقد انقطعت تمامًا كل أخبار الأسرى منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023.
يكمل: "تابعنا مع الصليب الأحمر وكذلك مع المحامين، قالوا إن ملفه انتهى كون محكوميته انتهت، لكن ما زال والدي معتقلًا. خلال الهدنة الأولى علمنا من أسرى محررين أنه سيتم الإفراج عنه وأنه استُدعي للتوقيع داخل السجن، إلا أنه لم يخرج، وحتى في الصفقة الثانية أيضًا لم يخرج".
يشير حسن إلى علمه بالوضع النفسي السيئ لوالده بسبب الحرب التي تعيشها عائلته وهو لا يدري شيئًا مما يحدث بالخارج، ويعقب: "نحن أيضًا نعاني نفسيًا من القلق عليه، وأحفاده ينتظرونه بفارغ الصبر، اشتاقوا لجدهم ويحملون أملًا بأن يرونه مجددًا ليلعب معهم".
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تتابع هذا الملف إلى جانب ملف المفقودين، فلا تملك إحصائية رسمية حول عدد الأسرى الموجودين داخل سجون الاحتلال منذ أكتوبر 2023، إذ يرفض الاحتلال مشاركتها هذه التفاصيل، كما قد يختلط ملف الأسرى بملف المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم بعد.
"اللجنة الدولية للصليب الأحمر استقبلت أكثر من 11,100 بلاغ عن حالات اختفاء في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وتواصلت فرقها مع العائلات لجمع معلومات عن المفقودين".
يقول هشام مهنا، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن اللجنة لا تزال ممنوعة من الوصول إلى المعتقلين لدى إسرائيل، وتجدد اللجنة الدولية تأكيدها على ضرورة إبلاغها بأسماء الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم والسماح لها بالوصول إليهم.
وتابع: "وفقًا للقانون الدولي الإنساني يجب أن يُعامل المعتقلون معاملة إنسانية، وأن تُوفّر لهم ظروف احتجاز لائقة، وأن يُتاح لهم التواصل مع عائلاتهم. وأضاف أن اللجنة تواصل حوارها مع السلطات الإسرائيلية من أجل استئناف زياراتها لجميع المعتقلين الفلسطينيين".
واستطرد: "اللجنة الدولية للصليب الأحمر استقبلت أكثر من 11,100 بلاغ عن حالات اختفاء في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وتواصلت فرقها مع العائلات لجمع معلومات عن المفقودين".
وختم بالقول: "أُغلقت ملفات أكثر من 4,000 حالة، سواءً بفضل تواصل العائلات مع بعضها أو بفضل دعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر لعملية لمّ الشمل. ولا يزال أكثر من 7,000 فلسطيني من غزة مسجلين كمفقودين".