قطاع غزة:
"نعيش في دوامة، ولا أبالغ إذا قُلت إن رأسي يدور من كثرة الحسابات. الحياة هنا تسير بنا رغمًا عنا. ندفعُ الفاتورة فتلاحقنا أخرى. صرتُ كالمهووس، الآلة الحاسبة في هاتفي أول تطبيق"، يصمت قليلًا، ثم يبتسم بقهرٍ ويتمتم "يا ليت الفواتير تموت".
حال محمد هذا، هو ذاته حال أكثر من مليونَي إنسان يعيشون في قطاع غزة. سمر عياد واحدة منهم. تخبرنا أن الراتب الذي تتقاضاه من عملها كممرضة، بات لا يلبي أدنى احتياجاتها وأسرتها، المكونة من ستة أفراد.
وتقول: "أعمل أنا وزوجي، ونقسم الاحتياجات فيما بيننا. لكننا ندفع الأثمان مضاعفة، بين فاتورة كهرباء وفاتورة مولد، وفاتورة مياه، وأخرى لتعبئة الخزانات إثر انقطاع الخط الرئيس. ندفع رسومًا للمدارس وأخرى للدروس الخصوصية".
ربّما ما يعزّيها أن قصتها هي قصة الكثيرين هنا، يتبادلون همومهم ذاتها في لمّة عائلية. يشتكون، ويحاولون "تحلية" مر الجلسة بنوعٍ من الحلو تصنع إحداهن، ويا سلام لو كان مصنوعًا بأقل الإمكانيات، كطبق بسبوسة، أو فطير الطابون المسقي بالقطر.
تضيف سمر: "أحيانًا نعود لطرقٍ بدائية في التعامل كتخزين المياه في براميل إضافية، أو الاعتماد على فرن الطين لتقنين استخدام الغاز حين يرتفع ثمنه، أو حتى الخروج من المنزل في أوقات انقطاع الكهرباء لتوفير تشغيل الطاقة البديلة".
يعاني القطاع من أزمة انقطاع التيار الكهربائي، منذ عام 2006م، إذ تتفاقم عادة خلال فصلي الصيف والشتاء، ما يجبر الناس على الاعتماد على الحلول البديلة التي لا تنهي الأزمة من جذورها، بل يُقبلون على اشتراكات في مولدات الطاقة، مقابل 4 شواكل للكيلو الواحد، ما يجعل ثمنها مضاعفًا عن الأصلية.
عند آخر ليلةٍ في الشهر، يكاد رامي جمال لا يذوق طعم النوم وهو ينتظر إشعارًا قد يصل هاتفه بقيمة الفاتورة. يخشى أن يُربك كل حساباته القائمة على التقنين منذ أول الشهر، يتحدث: "في بعض الأحيان أفضل النوم على بلاط المنزل على أن أُشغل المروحة طوال الليل، بينما يوجد مروحتين لأبنائي، ففصلتُها كي لا أصدم بمبلغ كبير في الفاتورة القادمة".
وبالنسبة إلى قيمة فواتيره، فإنها تتراوح في الصيف عادةً بين 100 و150 شيكلًا، فيما تصل قيمة فاتورة الكهرباء الأساسية إلى 200 شيكل -وفق قوله-.
ويشير إلى أن الناس أصبحت تلتفت إلى الأجهزة الكهربائية التي صارت بحاجة إلى تغيير كونها غير موفرة للطاقة، وهذا جعل أرباب البيوت غير قادرين على التنفس -وفق تعبيره- تحت كل هذه الضغوطات التي أنهكت جيوبهم وأفلستها قبل أن يصل بهم الوقت إلى منتصف الشهر.