القدس:
"الحلم أصبح حقيقة. لم أتخيل أن هذه اللحظة ستأتي أبدًا"، بهذه العبارة المؤثرة، وبدفقاتٍ من دموع الفرح تحدثت الشابة إسلام عليّان لوسائل الإعلام، وهي تتشبث بذراع خطيبها الأسير الفلسطيني المحرر بشار عبيدي.
بعد سنواتٍ من الانتظار والنضال، ها هي إسلام تلتقي بشار وجهًا لوجه لأول مرة، بعدما تحرر من سجون الاحتلال يوم أمس الاثنين، لتُكتب بذلك نهاية حكايات الغياب خلف قضبان المحتل.
وكان الأسير عبيدي، وهو من قرية "لفتا" قضاء القدس، عقد قِرانه على الشابة إسلام، وهي من قرية العيساوية قضاء القدس أيضًا، بينما كان يقضي حكمًا بالسجن لمدة 9 سنوات، قضاها كلها في "ريمون".
وسط الزغاريد ودموع الفرح، عانق المحرر بشار والدته، وشقيقاته اللواتي حُرمن رؤيته لقرابة عقد، وتوقف أمام خطيبته التي رآها للمرة الأولى وجهًا لوجه، وعانقها بعد 6 سنوات من الارتباط القلبي.
يقول بشار: "هذه أجمل لحظات عمري. الآن ألتقي لأول مرة شريكتي في النضال، إسلام ضحّت من أجلي وانتظرتني 6 سنوات، فترة مرّت طويلة علينا ما بين قلق البعد، ومعاناة أيام الزيارة التي لا تزيد على 45 دقيقة".
أما شقيقته لانا، فقد غرقت بالدموع وهي تقول: "هذه لحظات صعبة الوصف، سنوات لم أرَ خلالها شقيقي، طفلتي الآن بلغت من العمر 5 سنوات ولم يرها أبدًا، فرحتنا مليئة بغصّة في القلب، عمي زياد توفي قبل 20 يومًا فقط، ولم يره بشار ولا هو رأى بشار قبل أن يفارق الحياة. مشاعرنا مختلطة".
عودة إلى إسلام التي تقف إلى جوار خطيبها وتكمل: "هذه لحظات انتظرتها طويلًا، والآن يتمّها الله علينا"، ومع سعادتها تذكر إسلام أن موعد الزفاف سيكون بعد شهر من تاريخ الحرية.
أول زيارة من إسلام لبشار بعد عقد القران عام 2021
في تفاصيل حكاية إسلام وبشار الذي اعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي عام 2014م، فقد تصادف أن كان معتقلًا في ذات السجن مع شقيقها محمد، الذي كانت تزوره دومًا في الأسر، وبقربه بشار الذي يستقبل عائلته هو الآخر.
في عام 2017م، وقعت عين بشار على إسلام التي كانت وقتها في زيارة، ووقع قلبه في حبها. احتفظ بهذا السر فترة حتى قرر مصارحة صديقه الذي طار فرحًا بهذا الخبر؛ ليقينه أن بشار وإسلام متشابهان في الكثير من التفاصيل، ما يعني أن فكرة زواجهما -إن وافقت إسلام- ستكون ناجحة.
تقول الشابة التي درست الصحافة والإعلام: "حين حدثني شقيقي بالأمر لم أكن أعرف من هو بشار، استغرقت ثلاثة شهور وأنا أسأل عن كل تفاصيل شخصيته سواء من أخي أو معارفه، ثم وافقت".
تفاصيل كثيرة كان على إسلام التفكير فيها، بدءًا من فترة الانتظار الطويلة، وصولًا إلى مخاوف بعض المحيطين من تغيّر تفكيرها نظرًا لالتحاقها بالجامعة، واحتمالية تراجعها، إلا أنها قررت تجاوز المخاوف وتلبية نداء قلبها. في نفس الوقت، شاءت الأقدار أن تتعطل التفاصيل!!
توضح بالقول: "تحرر شقيقي، وكنت أبادل بشار المشاعر، وهنا انقطع أي شكل للتواصل، ولمدة أربع سنوات، كانت قاسية على كلينا".
بعد تحرر شقيقها بقي بشار وإسلام على العهد، فتقدمت عائلته لخطبتها رسميًا عام 2020، حين اجتاحت جائحة كورونا كل العالم. سرعان ما وافقت إسلام، لكن أيضًا لم تنفرج الأزمة.
تتابع: "توقفت زيارات الأسرى، وبعد عام تم عقد قراننا رسميًا، وبعد أربع سنوات من الانقطاع حظيت بأول فرصة للزيارة. هذه المرة وأنا أضع في يدي خاتَم الخطوبة".
تلفّ الخاتم في إصبعها وتعبر عن شعورها بالقلق في الزيارة الأولى، ونظرات أهالي الأسرى المليئة بالمحبة والفرح التي زادتها خجلًا وتوترًا، لكنها قررت أن تتشجع، فمدة الزيارة قصيرة "45 دقيقة" وعليها الحديث خلالها عن كل ما تريد، ومن خلف حائل زجاجي وعبر هاتف مشوش، إن تمكن من نقل الصوت، لا يستطيع نقل المشاعر.
ورغم أن بشار كان أسيرًا، إلا أن إسلام حرصت على إشراكه في كل تفاصيل الخطوبة، حتى لون فستان الحفل اختاره بنفسه.
جاهدت إسلام كي تقفز عن مشاعر حرمانها من وجود عريسها، فقد تجهزت نفسيًا لهذه التفاصيل، أما هو فقد أقام له الأسرى حفلًا بهيجًا، ووزعوا الحلوى داخل السجن.
تضيف: "إن غاب بشار، فهو مستقر في قلبي، شاركت في كل مناسبات عائلته الاجتماعية نيابة عنه، ليشعر الجميع أنه موجود. بشار يستحق مني كل هذا وأكثر".
بشار الشاب الحاصل على ماجستير الدراسات الاجتماعية، دخل منزله في قرية لفتا وسط أصوات الزغاريد والدموع. عانق جدّته وقبّل رأسها بينما كانت هي تبكي شوقًا لرؤياه، وتحمد الله الذي أطال بعمرها حتى رأته حرًا. مشاعر مختلطة في منزل العائلة، فموسم الفرح هذه المرة كبير، بشار حر وزفافه قريب، والأمنيات بأن يوفقه الله ويكتب له حياةً أفضل كانت مثل موج البحر هدّارة وقوية.
بشار مع جدته