الخليل:
للوهلة الأولى يبدو المشهد مرعبًا. أكوام البلاستيك تتكدّس فوق بعضها على جوانب الطريق وفي حاويات النفايات بصورة "جنونية"، عشرات الصناديق التالفة، والكراسي المكسورة، وقوارير المياه، والبراميل، والدلاء، "فلماذا لا نفكّر بإعادة تدويرها؟" تساءل أحمد أبو شرار ذات مرّة، وهنا بدأت القصة.
قبل أكثر من 10 سنوات، وبالصدفة البحتة، صار "البلاستيك" بفضل فكرة أحمد مُنتَجًا صديقًا للبيئة، وفرصةً لتشغيل عشرات الأيدي العاملة، وهذا ما حدث. يقول: "بدلًا من حرق البلاستيك مع القمامة، والإضرار بالبيئة عبر دفنه كونه من المنتجات صعبة التحلل، قررتُ إعادة تدويره، والاستفادة منه بمنتجات أخرى يمكن استخدامها".
في مدينة الخليل، مضى أحمد برفقة شريكه علاء أبو شرار قدمًا باتجاه الفكرة، فتغلب على كل الصعوبات والمعيقات التي يضعها الاحتلال حتى افتتحا معملًا صار بمثابة خط إنتاجٍ جيد لعشرات العمال الفلسطينيين.
وتُعدُّ بعض المناطق في الخليل كـ"بيت عوا"، و"إذنا" -وفق الرجل- متخصصة بتفكيك الأدوات الكهربائية، "فيما كانت بقية القطع تُرمى في القُمامة، وهو ما قررنا الاستفادة منه من خلال شرائه مقابل 200 شيقل للطن الواحد" يضيف.
ويتابع: "أقنعناهم بأننا سوف نشتريها ونعيد تكرارها بعد معاناة، لكنّ النتائج التي كنا نخرج بها، جعلتهم يحافظون عليها ويرفعون أسعارها كونهم عرفوا أنها قد تشكل مصدر ربحٍ وفير لا سيما وأنني كنتُ أدفع على شيءٍ سُلقى في القمامة مبلغ 200 شيكل".
يُنتج معمل "تدوير البلاستيك" اليوم، الكراسي، والطاولات، وصواني الحلويات، وحاملات الملابس البلاستيكية، التي يتم بيعها في الأسواق المحلية، "وقد صار التجار يفضلونها على المستوردة لميزاتها من حيث الوزن، والكفاءة، والقدرة، والسعر أيضًا" يعقب.
ويكمل: "في المعمل وظفنا المنطقة بشكل كامل وقمنا بحماية البيئة. لم أكن سابقًا أستطيع فتح الشباك بسبب الحرائق، فالناس لا تعرف كيف تتخلص من البلاستيك إلا بهذه الطريقة التي تسبب الغثيان والأضرار الصحية، وتمسنا بشكل مباشر".
وخلال عملية جمع البلاستيك التالف، يبحث العاملون في المعمل عنه في الشوارع والطرقات وأمام الحاويات قبل وصول البلدية لها، فيوفرون حملها وعملية فرزها.
أما عن أهم المشاكل التي تواجهتهم، فأكبرها ما يتعلق بالصورة النمطية السائدة حول عملية التدوير، والمنتجات التي تخرج منها، "وأنها صنعت من المخلفات، وبالتالي لا يمكن استخدامها مجددًا أبدًا".
ويزيد: "كان الناس ينظرون في بداية المشروع للمنتجات المعاد تدويرها على أنها منتجات مُضرة بالبيئة والصحة. لقد استنزف الأمر منا وقتًا وجهدًا كبيرين لإقناعهم بالعكس".
وربّما ما ساهم بتغيير هذه الأفكار، هو حرص بعض المؤسسات والأشخاص على التعامل مع المصنع، والترويج لمنتجاته كونها صديقة للبيئة، "لكن المعاناة الكبرى اليوم تكمن في ارتفاع قيمة الضريبة التي تزيد على 16%" يستدرك، مطالبًا بتخصيصها على الربح فقط، لا على المبالغ التي يتم شراء مخلفات البلاستيك بها.