غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في السادس من أغسطس/آب 2025م، أنهت قذيفةٌ إسرائيلية حلم "بيليه فلسطين" سليمان العبيد (41 عامًا)، بينما كان يقف قرب نقطة توزيع مساعدات إنسانية جنوبي قطاع غزة.
لم يكن مجرد لاعب كرة قدم، بل أحد أبرز نجوم فلسطين خلال العقدين الأخيرين، مثّل المنتخب الوطني في 24 مباراة دولية، وحقق مع أندية الضفة وغزة ألقابًا جماعية وفردية، أبرزها هدّاف الدوري الفلسطيني لموسمين متتاليين.
برحيل العبيد، انكشفت مأساة الرياضة الفلسطينية تحت وطأة الإبادة. فبحسب آخر إحصائية للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، بلغ عدد الرياضيين الذين قضوا خلال الحرب 816 شهيدًا، من بينهم 373 من أسرة كرة القدم وحدها، لاعبين ومدربين وحكام وإداريين وأعضاء اتحادات. فيما تهاوت المنشآت الرياضية على رؤوس أحلامهم، وسط صمتٍ مطبقٍ من المؤسسات الرياضية الدولية التي تُعلن الحداد على وفاة لاعب دولي، لكنها تصمّ آذانها عن إبادة مئات الرياضيين الفلسطينيين في غزة.
بلغ عدد الرياضيين الذين قضوا خلال الحرب 816 شهيدًا، من بينهم 373 من أسرة كرة القدم وحدها، لاعبين ومدربين وحكام وإداريين وأعضاء اتحادات.
استشهد 422 لاعب كرة قدم، بينهم مدرب منتخب الشباب هاني المصدر، وعدد من لاعبي كرة الطائرة كحسن زعيتر وإبراهيم قصيعة، اللذين أحرزا الميدالية البرونزية في بطولة غرب آسيا عام 2023م. كما استشهدت لاعبة منتخب فلسطين للكاراتيه نغم أبو سمرة التي كانت مرشحةً لتمثيل بلادها في أولمبياد باريس 2024م، ولاعبة الملاكمة ملاك مصلح. في حين استشهد أيضًا 51 فردًا من فرق الكشافة، و25 لاعب كرة سلة، و15 في التايكوندو، و10 في الجمباز، و10 في الجودو، و26 في الكاراتيه.
تحوّلت الملاعب التي كانت تضج بالحياة إلى أطلالٍ صامتة. المدرجات التي كانت تهتف للفوز باتت اليوم تعجّ بالأنين، والمستطيل الأخضر صار ركامًا أو مأوىً للنازحين، فيما تلوّثت الأرض التي شهدت انتصارات الرياضيين بدمائهم.
تقول المدربة مريم صيام، التي كانت تقود فرق كرة القدم النسائية في غزة، إن الألم يتجاوز الكلمات: "لم أتوقع أن تمتد الإبادة لعامين بكل هذه الوحشية. كنتُ قد أسستُ لفرقٍ من الفتيات في مختلف الأعمار، وبدا الحلم قريبًا من التحقق، حلم أن يكون للرياضة النسائية في غزة كيانها وصوتها".
تتنهد ثم تتابع: "الحرب محَت كل شيء، حتى الملاعب التي شهدت بداياتنا صارت مراكز إيواء، والأندية التي كانت بيتنا الثاني اختفت. لقد سُحقت أحلام جيل كامل من الفتيات اللواتي كنّ يبحثن عن فسحة حياةٍ في ميدان الرياضة".
وبحسب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، فإن أكثر من 95% من المنشآت الرياضية في غزة دُمّرت بين كليّ وجزئيّ. نحو 267 إلى 287 منشأة أُبيدت بالكامل، بينها 23 ملعب كرة قدم، دُمّر 19 منها بالكامل، وتحولت أخرى إلى مراكز إيواء أو حتى مقابر جماعية، مثل ملاعب اليرموك وفلسطين والشهيد محمد الدرة.
كما دُمّرت 29 صالة رياضية مغطاة من أصل 35، إلى جانب 58 مقرًا لأندية، ولم ينجُ سوى ستة أندية فقط ما تزال مهددة بالقصف في أي لحظة.
أكثر من 95% من المنشآت الرياضية في غزة دُمّرت بين كليّ وجزئيّ. نحو 267 إلى 287 منشأة أُبيدت بالكامل، بينها 23 ملعب كرة قدم، دُمّر 19 منها بالكامل.
ورغم هذا المشهد القاتم، لمع بصيص أملٍ نادر. ففي سابقة هي الأولى بتاريخ الرياضة الفلسطينية، فرض الاتحاد الدولي للمواي تاي عقوبة على نظيره الإسرائيلي بعد مقتل لاعب المنتخب الفلسطيني عمار حمايل (13 عامًا) برصاص جيش الاحتلال في كفر مالك شرقي رام الله. وتنص العقوبة على حظر رفع العلم الإسرائيلي أو عزف نشيد الاحتلال في أي فعالية أو بطولة ينظمها اتحاد المواي تاي حول العالم.
لكنّ الحرب ضد الرياضة الفلسطينية ما زالت حرب وجود. فالمنشآت والأندية والملاعب كانت دومًا هدفًا مباشرًا، كما حدث مؤخرًا حين ألقى الاحتلال قنابل الغاز على مقر الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في بلدة الرام شمال شرقي القدس، مما أدى إلى إصاباتٍ بالاختناق بين العاملين، في استمرارٍ لسياسة "إسرائيل" الممنهجة لتدمير البنية الرياضية الفلسطينية.
يقول مصطفى صيام، الأمين العام للاتحاد الإعلامي الرياضي: "إن دولة الاحتلال، ومنذ السابع من أكتوبر 2023م دمرت أكثر من 280 منشأة رياضية، معظمها في غزة، بما فيها مقرات المجلس الأعلى للشباب والرياضة واتحاد الكرة واللجنة الأولمبية وملاعب الفيفا والأكاديميات والصالات"، وأضاف: "تحولت الملاعب إلى مراكز إيواء، والمشهد في غزة يختصر انهيار البنية التحتية الرياضية بالكامل، بينما امتد الدمار إلى مدن الضفة مثل طولكرم وجنين ونابلس".
يؤكد صيام أن هذه الجرائم تُرتكب وسط صمتٍ دولي مريب من اللجنة الأولمبية والاتحاد الدولي لكرة القدم، اللذين كانا سريعَين في معاقبة روسيا وحرمانها من المشاركة الدولية بسبب حربها في أوكرانيا، لكنهما غضّا الطرف عن الإبادة في غزة.
يطالب صيام بتكثيف الجهود لطرد "إسرائيل" من الاتحادات الدولية، "فما يجري هو جريمة تطهيرٍ رياضيٍ موازٍ لتطهيرٍ بشري"، كما قال.
وتتزايد الأصوات العالمية في الآونة الأخيرة للمطالبة بإيقاف النشاط الرياضي الإسرائيلي، إذ دعت المقررة الأممية الخاصة فرانشيسكا ألبانيز إلى "تعليق مشاركة إسرائيل في أنشطة كرة القدم الدولية حتى ينتهي الاحتلال وتسقط منظومة الفصل العنصري".
عددٌ متزايد من اتحادات كرة القدم الأوروبية يدعمون مقترحًا لحظر مشاركة "إسرائيل" في البطولات الأوروبية، في ظل اعتراف مفوضية الأمم المتحدة بارتكابها "إبادة جماعية" في غزة.
أما الاتحاد النرويجي لكرة القدم، فقد أعلن تبرّعه بعائدات مباراته المقبلة ضد "إسرائيل" ضمن تصفيات كأس العالم لدعم جهود الإغاثة في غزة، التي تعيش حرب إبادة منذ السابع من أكتوبر 2023م.
وتقام المباراة في 11 أكتوبر 2025م على ملعب "أوليفال" بالعاصمة أوسلو، ضمن المجموعة التاسعة من التصفيات المؤهلة لمونديال 2026م.
كما يُذكر أن عددًا متزايدًا من اتحادات كرة القدم الأوروبية يدعمون مقترحًا لحظر مشاركة "إسرائيل" في البطولات الأوروبية، في ظل تصاعد الضغوط على "يويفا" واعتراف مفوضية الأمم المتحدة بارتكاب الاحتلال "إبادة جماعية" في غزة.