شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الاربعاء 22 اكتوبر 2025م04:09 بتوقيت القدس

98% من القطاع الزراعي دُمر بالكامل

عامان.. ومواسم الحصاد في غزة تشتعل!

09 اكتوبر 2025 - 08:38

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

من صاحب أكبر مشاتل الزراعة في الشمال، إلى نازحٍ ينام على أرضٍ رطبةٍ في خيمة، يلملم ما تبقّى من ذاكرته. بصوتٍ مبحوحٍ يختلط فيه الغضب بالخذلان، بدأ المزارع أحمد أبو حليمة (45 عامًا) يروي كيف أحرقت نار الحرب الإسرائيلية منذ عامين مصدر رزقه الوحيد، وأعدمت مواسم الزراعة في قطاع غزة.

ومن في غزة لا يعرف "أبو حليمة"، الذي ذاع صيته بين المزارعين، بوصفه صاحب أكبر مشاتل للخضراوات والفواكه والحمضيات واللوزيات في بيت لاهيا شمالي القطاع، حيث اعتمد عليه المزارعون لتوفير الأشتال الأساسية "الأم" لزراعة أراضيهم.

يقول لـ"نوى": "كنت أملك 45 دونمًا مزروعين بكافة أصناف الخضراوات والفواكه، وكنت أنتج يوميًا آلاف الأطنان وأصدرها إلى داخل القطاع والأراضي المحتلة عام 1948م، ناهيكم عن بيع الفراولة المعلقة والأرضية والنخيل ونباتات الزينة".

لكن منذ اليوم الأول للحرب، اجتاحت الدبابات الإسرائيلية المنطقة الحدودية في بيت لاهيا وجرفت مشاتله جميعها، فلم تبقِ أرضًا ولا مصدر دخلٍ ولا أملًا بالمضي قدمًا.

يضيف بأسى: "كل ما أملك سرقه الاحتلال، وذهب تعب أعوامي سدى، خسائري تُقدّر بثلاثة ملايين دولار، ناهيك عن الديون المتراكمة".

من وسط نار الحرب والحصار، حاول أبو حليمة أن يسند غزة التي انعدمت فيها الخضراوات ولو بصنف واحد، فاستأجر دونمًا وزرعه بما توفر. يقول: "شح الأراضي دفعني لزراعة الدونم بالبندورة والخيار والكوسا والملفوف"، مشيرًا إلى أنه قبل الحرب كان يزرع في كل دونم صنفًا واحدًا فقط.

لكن ما حدث قلب موازينه وضاعف ديونه، إذ أمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء مدينة غزة بالكامل تمهيدًا لعملية عسكرية للسيطرة عليها. اضطر للنزوح جنوبي القطاع تحت النار، تاركًا خلفه دونمًا لم يزهر زرعه بعد. يدير وجهه ليخفي دموعه، ويقول: "خسرت مئتي ألف دولار ولم أفرح بما زرعته، ديوني تراكمت"، يضرب كفيه ببعضهما ويهمس: "كيف بدي أسدهم؟".

الحرب أعدمت مواسم الزراعة جميعها. ففي الربيع كانت غزة تشتهر بالفراولة وتفيض بخيراتها من الجوافة والبطيخ والشمام صيفًا، أما الآن فكل ذلك صار من أمنيات المدينة منذ عامين. يقول أبو حليمة: "تحتاج الأراضي لتربة خاصة تُسمى كابول، وإلى بذور غير مغشوشة"، مشيرًا إلى أن الاحتلال يمنع إدخال البذور والتربة وجميع مستلزمات الزراعة منذ بدء الحرب.

"الكميات المتوفرة من البذور والتربة ضئيلة جدًا، وثمنها يفوق أضعاف مضاعفة ما قبل الحرب (..) أمنيتي الوحيدة نرجع نزرع زي قبل ونصدر لخارج القطاع".

يضيف: "الكميات المتوفرة من البذور والتربة ضئيلة جدًا، وثمنها يفوق أضعاف مضاعفة ما قبل الحرب". وعن أمنيته الوحيدة يقول: "نرجع نزرع زي قبل ونصدر لخارج القطاع".

حال أبو حليمة لا يختلف كثيرًا عن حال المزارع رامي الأسطل، الذي فقد مصدر دخله في مهنةٍ يحترفها منذ عشرين عامًا. يقول لـ"نوى": "كنت أعمل مزارعًا في أراضي رفح وخانيونس، أستيقظ من السادسة صباحًا وأواصل العمل حتى الثانية عشرة ظهرًا، أقلع الخضراوات والفواكه وأوزعها على أصحاب المحال لبيعها في الأسواق".

"كانت الدنيا بخير والزراعة وفيرة"، هكذا وصف الأسطل حاله قبل اندلاع الحرب، إذ كان يعمل بأجرةٍ يومية تكفيه لسد احتياجات بيته، ولم يدرك أنه سيصبح بلا عمل لعامين متواصلين.

فما الذي يمنعه اليوم من العودة للزراعة؟ يجيب: "الأراضي التي كنا نزرعها أصبحت تحت سيطرة الاحتلال، ولم يتبقَّ سوى منطقة المواصي التي تعج بالنازحين"، ملفتًا إلى أن الأراضي الفارغة هناك قليلة جدًا وصغيرة لا تكفي للزراعة.

ولم تتوقف الكارثة عند حدود الأرض، بل امتدت إلى انعدام السماد العضوي والمبيدات الحشرية والبذور وشح المياه، فحُرم القطاع من مواسمه الزراعية بالكامل. يقول الأسطل: "إذا أردت تشتيل بذور البندورة فسيكلفني أكثر من 2000 شيكل، لذلك أتجنب ذلك، ناهيكم عن ارتفاع أسعار المعدات والأدوية الزراعية، فالسماد العضوي كان قبل الحرب بـ20 شيكلًا، أما الآن فتجاوز 20 ألف شيكل".

معظم الأصناف التي كانت تملأ أسواق غزة اختفت، واليوم لا تُزرع سوى أصناف قليلة جدًا وبكميات محدودة. أما المياه، فهي حرب أخرى يخوضها المزارعون. يشكو الأسطل: "كنا قبل الحرب نعتمد على مياه الآبار والطاقة الشمسية، لكن الآن جميع الآبار دُمرت، وألواح الطاقة تكلفتها أكثر من 6000 شيكل إن وجدت".

قصف الاحتلال للأراضي الزراعية أثّر بشدة على التربة، يقول: "تغلغلت السموم في التربة بفعل الصواريخ، فأصبحت غير صالحة للزراعة، وسنواجه مشاكل كبرى مستقبلاً".

"الاحتلال دمّر القطاع الزراعي بشكل شبه كامل بنسبة 98%، والأراضي الزراعية المتبقية إما مدمرة أو مقيدة أو محظورة".

بدوره، يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة بغزة، محمد أبو عودة لـ"نوى": "الاحتلال دمّر القطاع الزراعي بشكل شبه كامل بنسبة 98%، والأراضي الزراعية المتبقية إما مدمرة أو مقيدة أو محظورة".

ولفت إلى أن المناطق المتبقية للزراعة تتركز في الغرب من المحافظة الوسطى وخانيونس جنوبًا، ومعظم المساحات الفارغة تحولت إلى مخيمات نزوح.

ورصد أبو عودة أن ما يُنتَج اليوم لا يتجاوز أربعة أصناف من الخضار والفواكه، مضيفًا: "مواسم العنب والتين والحمضيات واللوزيات كلها حُرم منها سكان غزة".

وأكد أن استهداف الاحتلال للأراضي أفقد التربة خصوبتها، ما ساهم في تراجع الإنتاج، موضحًا أن حوالي 1500 دونم فقط تُزرع حاليًا في المناطق الغربية للمنطقة الوسطى وخانيونس.

وأشار إلى أن القيود الإسرائيلية ضاعفت من تراجع الإنتاج الزراعي، إذ يمنع الاحتلال إدخال أي مستلزمات خاصة بالزراعة، الأمر الذي انعكس سلبًا على مصادر دخل المزارعين، حيث كان القطاع الزراعي يضم نحو 55 ألف مزارع، منهم حوالي ألف خسروا مصادر رزقهم بالكامل.

كاريكاتـــــير