شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 06 اكتوبر 2025م10:30 بتوقيت القدس

صحافيات غزة أمام الكاميرا.. العين هنا والقلب هناك

28 مايو 2023 - 11:49

شبكة نوى، فلسطينيات: "كلمة "حرب" تفجّر في داخلي بركانًا من الذكريات والمخاوف، وتعيدني إلى كمٍ من التساؤلات التي لا أملك لها إجابةً نموذجية: كيف سأؤمن عملي وبيتي وحياتي؟ كيف سأتصرف وأنا الواقعة بين جبلين من مشاعر متناقضة، واجبي المهني، وأمومتي! هذا أكثر وقتٍ يحتاج إلي فيه أطفالي، وهذا أيضًا وقت أداء المهمة".

هكذا، بدأت مراسلة قناة الجزيرة مباشر في قطاع غزة، غالية حمد، مداخلتها حول التغطية أثناء العدوان لـ"نوى"، ثم بدأت تسترسل في حديثها عن العدوان الأخير، الذي شنته حكومة الاحتلال على قطاع غزة في التاسع من مايو/ أيار الجاري.

تقول: "استيقظت طفلتي يومها، ولم تكن تعلم عن تطورات الأوضاع شيء. كانت طائرات الاحتلال اغتالت بعد منتصف الليل ثلاثة من قيادات سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بغزة. ارتدت ملابسها، وجهّزت نفسها لرحلةٍ كان يفترض أن تنفذها مدرستها اليوم، لكنها وجدتني أخبرها: ما تلبسي ماما، اليوم ما في مدرسة".

كان أمرًا قاسيًا على قلبها. شرحت غالية للطفلة ما يحدث بشكلٍ مبسّط، وفي الوقت ذاته، كانت تجهز نفسها للخروج "فاليقين الذي لا شك فيه أن الحرب قائمة لا محالة". تعقب: "لم أتمكن من تهدئة روعها، كان يفترض أن أبقى إلى جانبها لكن هذا لم يحدث. مثل هذه المواقف أمر بها كثيرًا مع كل عدوان، ومثل هذه المواقف تقتلني كأم".

تزيد: "من أكثر التفاصيل قسوة، أن تمسك بي طفلتي الصغرى ذات الثلاث سنوات، التي عايشت ثلاثة عدوانات منذ وُلدت، فتخبرني أنها خائفة وترجوني ألا أذهب، وأنا أتجاهل نداءاتها وتوسلاتها لأن وقت البث لا ينتظر. هذا كله ضغط على مشاعري كأم. هي تجربة ليست بالهينة، لكنه مصيرنا كصحفيات نعيش فوق هذه البقعة الساخنة من الأرض".

لم تغب صورة الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة عن عقل زميلتها غالية حمد أثناء تغطية العدوان على قطاع غزة، لا سيما وأن شيرين كأي صحافي استشهدت عندما كانت تؤدي واجبها المهني، وكانت ترتدي الدرع، وكل الاحتياطات اللازمة لتأمين نفسها، وتغطي الأحداث بشكل اعتيادي، ومثل كل الصحفيات والصحفيين لم تتوقع أن يطالها رصاص الاحتلال، أو أن تستهدف لمجرد أنها تسهم في نقل الحقيقة. "لكن أمام كل هذه المخاوف المشروعة، هناك رسالة يجب أن تصل، وقضية علينا كصحافيين وصحافيات أن نبرزها ونصل بها للعالم بأسره" تستدرك.

هذه المرة، ترى غالية أن مخاوف الانتقال من البيت للعمل تضاءلت: "انتقلتُ للسكن بالقرب من مقر عملي لإدراكي أن الاحتلال لا يُفرّق ولا ينتظر أي مبررات ليقصف أي شخص كان، لكن طوال أيام العدوان ولياليه، كنت أفكر في لحظة العودة للمنزل، وآنذاك، احتضنتني طفلتي بشكل مختلف عن أي يوم عادي. كانت كأنها تحمد الله لأنني رجعت، وهي التي تعرضت لا محالة لرسائل إعلامية تتحدث عن شهداء أطفال وأمهات وجرحى".

وتردف: "في إحدى ليالي التغطية، وكانت الأجواء هادئة نوعًا ما، اقترحت عليَّ إدارة العمل أن أمكث في المنزل على أن أكون على أهبة الاستعداد. ليلتها كانت الأولى التي أُمضيها في بيتي، مع بناتي وزوجي، خلال عدوان! شعرتُ بسعادةٍ قد تبدو في غير توقيتها، لكن فعليًا شعرتُ بهذا الإحساس وأنا أحتضنهم، وأنام بجوارهم، وأيقنت مدى فقدان أطفالنا لحقهم في الأمان والهدوء، بعيدًا عن أصوات القصف والصواريخ، التي تسلبهم راحتهم وهدوءهم، وتجعلهم في توترٍ وخوفٍ دائم".

ما أن أُعلنت التهدئة، وانتهت التغطية، حتى عادت غالية الأم لبناتها، ودون تفكير أخذتهم في جولة بالشوارع، تقول:" ليس تعبيرًا عن الفرح، لكن تعبيرًا عن اطمئنان سجين تحرر بعد أيام من التوتر والخوف. خرجت بهن لنعلن أننا ما زلنا أحياء. أننا نجونا هذه المرة"، متابعةً بالقول: "لا أحد يخرج ليعبر عن سعادته، في وقت خسر أطفال حياتهم، وآخرين فقدوا ذويهم، ومنهم من فقد منزله، لكننا نجونا لمرة أخرى، ولكن هذا لا يعني أننا يمكن أن ننجو في المرة المقبلة".

وتختم: "كما نؤدي واجبنا تجاه رسالتنا الصحفية، واجبنا تجاه أولادنا وعائلاتنا أكبر. علينا أن نحرض أن لا يظل شيء عالق في أذهانهم يمكن أن يعانوا منه في الكبر، فالحرب واحدة من أبشع الأشياء اللي يمكن أن تمر بذكريات الأطفال والشعوب".

ذات الصراع عاشته الصحفية يافا أبو عكر، "فأن تغيبي عن أطفالك في أكثر الأوقات التي يحتاجون إليكِ فيها قرار لا يقل صعوبة عن التخلي عن أداء واجبك المهني يوم أن قررتٍ أن تكوني مراسلة صحفية في الميدان. شعورٌ يتجدد في كل مرة يتجدد فيها العدوان على قطاع غزة، فأجد نفسي أمام اتخاذ القرار الأشد قسوة وصعوبة" تقول.

مع تجدد العدوان على قطاع غزة، وكما هي العادة، تحمل يافا أدواتها وتغادر المنزل. تحتضن أطفالها وتودعهم، بعد أن تحاول طمأنتهم: "أخبرهم أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأحيانًا أكذب عليهم بتأكيداتي أنني سأعود، وهذا في الحقيقة ما لا نكون متأكدين منه عندما نخرج للتغطية تحت القصف والنار".

وتصف يافا الأمر بالصعب للغاية. "أن أتخذ قرارًا بالاستمرار في تغطية العدوان والخروج للميدان، في ظل عدوان لا يميز بين مدنيين، وصحفيين، يعني أنني قد أكون ضمن أهداف الموت أيضًا. الجميع أهداف للاحتلال خلال العدوان".

"الخروج للميدان يزيد من صلابة الصحفية الأم"، هذا ما تؤكده يافا، مستدركةً: "لكن هذا لا يحد من حالة القلق المصحوب بالتوتر منذ اليوم الثاني للعدوان، واستهداف منازل المدنيين في أماكن متفرقة من القطاع".

ورغم أن زوجها وعائلتها يحتضنون أطفالها، إلا أن هذا لم يمنعها من الخوف عليهم في كل لحظة. "كأنني في اتصالٍ مفتوح معهم، في كل لحظة أكلم أحدهم، وأحاول رفع المعنويات بطمأنتهم عني، والتهوين عليهم بأنني أنقل الحقيقة وأن هذا واجبي الذي تعلمت لأجله" تكمل.

الأقسى، أن يافا كانت تبكي "بصمت" كلما غابت عن هاتفها قليلًا، ثم عادت لتجد رسالةً صوتيةً سريعة تنتظرها من أحد أطفالها. أحدهم يقول لها: ماما أنا بحبك، وثانٍ يسألها: متى تعودين؟ ورابعٌ يتمنى أن تموت الحرب، وهذا يعصر قلبها عصرًا حسبما تصف.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير