شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 06 اكتوبر 2025م06:41 بتوقيت القدس

على سبيل "الهوَس".. صوت بابٍ صفعته الرياح بقوة

28 مايو 2023 - 10:29

قطاع غزة:

"هوس"! كلنا في قطاع غزة "صرنا مهووسين بفكرة أن تقوم حرب" تقول نادية ياسين بانفعال. هذه الكلمة الصغيرة لا يمكن أن تصف المعنى الحقيقي لظروف سكان قطاع غزة النفسية بعد كل عدوان، لكنها بالتأكيد تُترجم في أحلامهم. في هبّات قلوبهم كلما سمعوا صوت بابٍ أغلقته الرياح بقوة. في خططهم اليومية أو المستقبلية على المستوى القريب. فجأةً، يصبح المرء عاجزًا عن أن يحيى يومه بسلام، بل يحدث أن تمتدّ الكوابيس إلى نهارات الناس وصحوهم هنا.

"زنزنة طائرات الاستطلاع، وتصريحاتٌ سياسية لنتنياهو، وإجراءات تحصين لما يسميه الاحتلال بغلاف غزة"، هي صلب الحديث في الشوارع وداخل وسائل المواصلات العامة. في اللمات العائلية، وحتى في قاعات الأعراس. يتحدث الفلسطينيون عن "الحرب".. "البعبع" الذي استنفذ طاقتهم وأرواحهم وأحلامهم على مدار سنوات الحصار الممتدة منذ 17عامًا، ليتساءلوا في كل مرة: "شكلها القاضية؟".

"هذا أقل ما يمكن أن يحدث، أن نصير مهووسين فيها!" تقول الشابة أمنية مسعود، وهي من سكان بلدة جباليا شمالي قطاع غزة.

وتضيف: "لم أخف من العدوان يومًا، في أشد الأوقات ضراوةً ننام كل واحد بغرفته بشكل عادي. حتى قُصِفَت أرض زراعية مجاورة (..) كان شيئًا يشبه أهوال القيامة".

تطايرت الشبابيك. دخلت نيران القصف منزلها، ثم انقلب السرير فوق أحد صغار العائلة. كان الصراخ يدوّي حولها. وجوه الجميع مغبرّة، وهي كالتائهة في صحراء الخوف، لا تعرف من بقي منهم سليمًا، ومن جُرح؟ وما إذا كان أحدهم رحل دون وداع؟

تزيد: "زوجة عمي لم تر زوجها فظنت أنه استشهد، أخذت تصرخ "نصري استشهد"، بينما كان هو قد احتجز بين أثاث وحجارة المنزل التي تساقطت بفعل الضربة".

ترى أمنية هذا اليوم "فارقًا" في حياتها. تنام بجانب الباب عندما تسمع أي خبرٍ يتحدث عن إمكانية اندلاع تصعيد، وتفسّر: "أظن أنني سأقوم وأجري لحظة وقوع القصف، وأهرب بشكلٍ أسرع من البيت".

لا تقف القصة هنا. يتجهز الناس مع كل بوادر تصعيد بالحقيبة التي تضم أوراقهم الثبوتية، لا يحتملون النوم بعيدين عن بعضهم، بل يتكومون في غرفة واحدة. يخافون الدخول إلى الحمام. لا يشربون الماء ولا يتناولون الطعام كي لا يضطروا لدخوله. تصف الشابة ساخرةً "تحولنا إلى إسفنجة امتلأت بالماء، ولم يبق متسع أكثر لاستيعاب المزيد".

سمر عطالله هي أم لطفلين، تقول: "مخاوفي ليست على نفسي، بل على أطفالي. كيف أزيح الخوف عن قلوبهم؟ هذه أصعب مهمة تحت وقع الضربات التي يشنها الاحتلال كل وقت".

تتابع: "في أوقات ما بعد التصعيد، يظل طفلي عبود مرعوبًا، يقول لي: دعينا لا نخرج بعيدًا عن المنزل، دعينا لا نخرج بالليل. دعينا لا نجلس في الحديقة خوفًا من القصف".

لا تلملم غزة جراحها حتى يباغتها عدوان جديد، المؤكد أن لا نهاية للعدوان على غزة. بل إن الهدنة في هذه البلاد هي "الاستثناء"، الناس هنا يفكرون بقيام "الحرب"، كتفكيرهم بالمأكل والمشرب. 

"من يلطف بقلب مصطفى الذي يبقى نظره معلقًا نحو السماء؟" تعود الأم لتتساءل. تراقب عيون ابنها التي تركض خلف الطيران الإسرائيلي بسماء القطاع ويديه تحكم إغلاق أذنيه. لا يريد سماع صوتها، يريد الاطمئنان بأنها تذهب بعيدًا عن وجهه. 

لا تعرف الأمهات هنا كيف يحمين الأطفال ويهدئن من روعهم. لا يعرفن سبيلًا لأخذ قسطٍ من الراحة. هنا لا خيار للنهوض وسط جولات التصعيد المكررة التي تنفجر بوجوههن وفق "مزاج" الاحتلال، تمامًا كوضعي أنا معدّة هذا التقرير، حين لم أعرف كيف بدأت الكتابة عن "هوس الحرب" أو"هوس الموت" الذي نال من قلبي أنا شخصيًا، وكيف انتهيت!

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير