شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 26 ابريل 2024م03:10 بتوقيت القدس

"حوارة"..

ومن شواهد القهر "شقاء عُمْر" أحرقه مستوطنٌ يضحَك

27 فبراير 2023 - 10:01

نابلس:

يقفز محمد بين زحام السيارات المحترقة، ويتفقّدها بدقة. كانت دموعه تسيل فيداريها بكمّ قميصه، ويلتقط الصور عبر هاتفه ويتمتم بقهر: "ما لنا غيرك يا الله". "وماذا يمكن للإنسان أن يقول أمام هول المشهد؟" يتساءل ويمضي في طريقه، بين أكثر من 100 سيارة احترقت بنيرانٍ أشعلها مستوطنون، ومنازل أضحت رمادًا كذلك!

ليلة قاسية مرّت على أهالي بلدة "حوارة" جنوبي نابلس، ومناطق مجاورة، حين اقتحم مستوطنون شوارعها وأضرموا النار بكلّ ما يمر في طريقهم. منازل الناس وهم بداخلها، سياراتهم، ومحلاتهم التجارية، وحتى أشجارهم! مرّوا بنيرانهم عليها تحت حماية جنود الاحتلال، وقتلوا أحد أبنائها أيضًا! "سامح الأقطش" في الثلاثينات من عمره.

عند السادسة من ليلة الـ26 من فبراير للعام 2023، بدأت "نكبة" أهالي البلدة. هجم المستوطنون عليها، ونفذوا اعتداءات وحشية بحق الممتلكات. أخذوا يطلقون النار ويكسّرون ما يمرّون به بعصيٍ يحملونها بين أيديهم، "حرقوا كل ما في طريقهم، بينما نحن نرقبهم بحذر من خلف الشبابيك خشية أن يلمحونا" يقول أحمد عودة، أحد أبناء البلدة.

ويضيف: "أصابنا العجز وهول المصيبة كاد يقتلنا أحياء. حاولنا حماية أنفسنا بالاختباء وسط محاولاتهم اقتحام منازلنا، وإشعال النيران بها ونحن داخلها".

في تلك اللحظة لم يفكر الشاب سوى بكيفية خروج أفراد عائلته أحياء. مناشداتٌ عبر الإنترنت، وساعات عصيبة مرّت بهم حتى تمكّنت أجهزة الدفاع المدني الفلسطيني من إنقاذهم.

"سنموت خنقًا، أو قتلًا على يد مستوطن"، هذا ما خلص إليه التفكير في منزل زياد أصلان. خياران للموت لا ثالث لهما، لم يفكّر وعائلته بالنجاة من "جهنم" التي صنعها الاحتلال في بلدته.

يتحدث: "شاهدت سور منزلي يحترق عبر البث المباشر في مواقع التواصل! تكسيرٌ للزجاج، ورشق حجارة متواصل يُسقط قلوبنا مع كل مرة".

كان زياد يتواصل مع جيرانه باستمرار. الجميع يراقب منزل الآخر، وحين ابتعد المستوطنون قليلاً، استغل الدقائق لإطفاء النيران قبل أن تباغت المنزل من الداخل. يطفئ تارةً، ويهرب إلى داخل المنزل تارةً أخرى عندما يتنبه بأنهم عادوا.

احتُجِزَت عائلته وسط الدخان الكثيف، فحاول تبليل كل أثاث منزله بالماء خوفًا من تمدد الحريق إلى داخل المنزل قبل انقطاع الكهرباء. ساعتان من الزمن كانتا من أقسى ما مر عليه في حياته قبل إخراجه وأسرته. لم يصدق أبدًا أنه ما زال حيًا! 

وفي شهادةٍ ثالثة، يتفق فيها أهالي "حوارة" على تسمية "ليلة الرعب"، يؤكد ممدوح الضميدي:  "عشنا أكثر ليالي الرعب على مدار 50 عامًا. نحو 200 مستوطن هاجمونا بقنابل الغاز، والعصي، وكله تحت حماية الجنود"، متسائلًا: "ماذا يقال أكثر من ذلك؟ فلتتخيلوا المشهد".

ملامح زوجته وأبنائه وبناته والأحفاد آنذاك حُفرت في ذاكرته، وأصوات جيرانه يرتجفون خوفًا، كل ذلك لا يمكن وصفه إلا بـ"الحدث الجنوني". يعقب: "أن ترى ممتلكاتك تحترق وأنت عاجز عن فعل شيء، وفي الوقت ذاته، تتمنى حدوث معجزة إلهية للخروج منها".

يتابع: "مستوطنون يتربصون بدمائنا، عطشى لموتنا! أنت بالنسبة لهم ميت بكل الأحوال، لا يرونك سوى هدفًا يتنفس".

وعن الخسائر المادية يقول: "المصاب جلل وكبير، والتعويض مهما بلغ، لن يعوض آلامنا النفسية"، لكنه أيضًا يتوقع أن الأيام القادمة ستكون أصعب على أهالي البلدة والمناطق المجاورة، "فقد نجونا هذه المرة، لكن ماذا سيحل بنا لاحقا؟".

وبحسب مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس، فقد اعتدى مستوطنون على أكثر من 30 منزلًا، بين حرقٍ وتكسيرٍ واعتداء مباشر، بالإضافة إلى إحراق 15 سيارة، ومشطبًا للسيارات.

وأسفرت الاعتداءات عن شهيدٍ ونحو 100 إصابة. في حين قالت وزارة الصحة "إن أحد الجرحى أصيب بحجر في رأسه وحالته خطرة".

كاريكاتـــــير