شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م00:01 بتوقيت القدس

حلم "محمد" اغتيلَ مرتين.. "وفي العمر بقية"

11 اعسطس 2022 - 10:46

شبكة نوى، فلسطينيات: يجول محمد المدهون بناظريه في أنحاء مركزه، ويحبس دمعة. أيعقل أن يُغتال الحلم مرةً ثانية بهذه السرعة؟! يبتلع غصته، وينصت لأصوات المطبطبين على أكتافه، ثم يهزّ رأسه.. "الله يعوضك خير يا محمد".

في زاويةٍ صغيرة يجلس على ردم الحكاية. هنا كان مركز "فريم" للتدريب والتطوير التكنلوجي، حلم الشباب، ومستقبل العائلة، حيث الافتتاح في عام 2018م. تمامًا قبل ثلاثة أعوامٍ من أول "موت".

"في ذلك الوقت كرّست جل طاقتي للعمل، جمعت القرش فوق القرش حتى تمكنت من تحقيق حلمي، أو لعلي هكذا ظننت" يقول لـ"نوى".

افتتح المدهون مركزه في العام المذكور، وبدأ رويدًا رويدًا يُعرّف هذا الجزء المحاصر من العالم منذ 16 عامًا على نفسه. طلبة الجامعات، ومحبي التكنولوجيا، والراغبين في تطوير مهارات التعامل مع الحاسوب وغيرهم: أنا محمد المدهون، "ابن الحلم والإرادة".

كان كل شيءٍ يسير في خطٍ مستقيمٍ قبل عام 2021م، عندما ملأت غربان المحتل السماء. طائرات الاحتلال التي لم تترك في غزة مكانًا إلا ومرّت فوقه بصواريخها. "مايو"، وهل يُنسى ما حدث فيه؟

يخبرنا محمد: "كان المقر الأول للمركز في عمارة كحيل قرب الجامعة الإسلامية. طوال الوقت كنتُ أضع يدي على قلبي، وأدعو الله أن يحفظه من الكسر بأذىً يصيب عائلتي أو رزقهم، لكنني في ذات الوقت خبأتُ في قلبي "الرضا" بما يقدّره الله لي مهما كان شكله. قُصفت العمارة، وراح المركز، وخسرتُ حسب إحصائيات الضرر قرابة 18 ألف دولار".

هنا لم يعد أمامي إلا خيارين -يتابع- إما أن أضع يدي على خدي وأنتحب، أو أن أرفع رأسي وأقرر البدء من جديد".

الخيار الثاني كان يشبه عقل محمد كثيرًا، "فلستُ أنا من يستسلم، ولستُ أنا من ينسحب منكسرًا" يضيف.

 لقد قرر أن يفتتح المركز مجددًا بأقل الإمكانيات، وبمساعدة المحبين من حوله وعلى رأسهم زوجته التي باعت مصاغها كله فداءً لذلك الحلم.

كان الأمر صعبًا، لكنه مَر. بعد شهرين من العدوان، عثر محمد على شقة رآها مناسبة في برج فلسطين، وقال لنفسه: "هنا يمكنني البدء من جديد، وبالفعل، بدأ العمل نهاية يوليو من عام العدوان 2021م، بإمكانيات بسيطة".

كان البدء من جديد صعب، طاولات وكراسي مستخدمة، وشاشة عرض "هي بالأصل للمنزل"، وأجهزة لاب توب محدودة، لكن للأسف بعد عامٍ بالتمام، وتحديدًا في يوم الجمعة الخامس من آب/ أغسطس الجاري، فوجئ محمد بخبر استهداف شقة في برج فلسطين.

يقول: "سقط قلبي، فإن لم تكن شقتي فأي شقة أخرى سيطال المركز من استهدافها الضرر، استودعت عند الله حلمي وأمن السكان الطيبين في البرج"، مردفًا: "بالكاد استطعت الوقوف على قدمي مجددًا، لكن للأسف".

تعرّض المركز لضرر جزئي بليغ وفق توصيف محمد. جميع أجهزة اللابتوب تعطلت بفعل الشظايا، والأثاث تضرر بشكل كبير، حتى شاشات العرض. "وهذا جعل الصورة سوداء في عيني، بل شديدة القتامة. لقد فقدتُ مشروعي للمرة الثانية خلال عام! صحيح أنها جزئية لكن لشابٍ مثلي تبدو العودة هذه المرة صعبة جدًا".

يعلق: "لا أجد فارقًا بيني وبين من خسر 5 ملايين دولار، كلانا فقدنا كل ما نملك، وما أملكه كان قادرًا على أن يكفيني وأسرتي، واثنين من الموظفين معي بالمركز ذل السؤال".

كأنه القدر. يضعه في كل مرةٍ ضمن طريق مبانٍ معرضة للاستهداف، أو لنقُل إن كل مبنى وحجر في غزة معرض للاستهداف في قاموس الاحتلال الإسرائيلي، فلا مكان آمن لا على أرواح أو ممتلكات، أو حتى نواة مشاريع صغيرة، كان يطمح أصحابها لأن تكون كبيرةً ذات يوم.

يؤمن محمد أن "من يعيش في فلسطين عليه أن يدفع ضريبةً قد تكون من دمه، أو من ماله، أو من حريته، لكنها ضريبة مستحقة لا اعتراض عليها" يعقب.

محمد الذي كان يعمل عشر ساعات متواصلة من أجل تطوير مركزه؛ ليحاكي المراكز الدولية، يجد نفسه اليوم غير قادرٍ على توفير ما يمكّنه من إعالة أسرته، بعد أن أغلق الاحتلال باب رزقه للمرةِ الثانية.

ورغم أن ضربتين في الرأس توجع، إلا أن محمد يتشبث ببارقة أمل، بأن تمتد له ولأمثاله من الشباب الذين فقدوا مشاريعهم يد العون والمساندة، من المؤسسات المختلفة فيبدأ من جديد.

كاريكاتـــــير