شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الخميس 09 اكتوبر 2025م11:46 بتوقيت القدس

"نوى" تفتح ملف تخصيص الأراض مقابل المستحقات

أراضي موظفي غزة .. الصفقة الخاسرة!

21 اكتوبر 2019 - 14:57
يحيى اليعقوبي

بقي شهور قليلة لموعد حفل زفاف الموظف الحكومي بغزة ي.م. (29 عامًا).. الكثير من التجهيزات غير متوفرة لإتمام فرحة ينتظرها بفارغ الصبر، لحل هذه المشكلة لم يكن أمامه خَيار سوى بيع أرضه الواقعة بمنطقة "الأقصى 1" بمحافظة خان يونس، والتي استلمها من الحكومة عوضًا عن مستحقاته خلال سبعة أعوام من عمله، وهو أسلوب اعتمدته الوزارات الحكومية بغزة مع موظفيها في ظل عجزها عن صرف قيمة الراتب كاملة، معتقدًا أن ثمن الأرض سيحلّ له مشكلة تكاليف الزواج، والمهر.

بدأ الشاب (ي)بعرض قطعة أرضه للبيع يشاركه فيها خمسة موظفين آخرين، على الوسطاء (سماسرة)، وأمام ظرف الحاجة؛ كان السعر المقدم من الوسطاء لا يزيد عن  30-40 ديناراً للمتر المربع الواحد، رغم أن الحكومة احتسبتها عليهم بمبلغ 90 ديناراً للمتر المربع، مع شرط آخر بأن يحصل "السمسار" على دينارين عن كل متر أرض، أي ألف دينار على كل الأرض كعمولة، وبعد انتظار ومحاولات باعها بقيمة 43 دينارًا للمتر.

كان السعر المقدم من الوسطاء لا يزيد عن  30-40 ديناراً للمتر المربع الواحد، رغم أن الحكومة احتسبتها عليهم بمبلغ 90 ديناراً للمتر المربع

تفتح "نوى" في هذا التحقيق الاستقصائي ملف الأراضي التي منحتها الوزارات الحكومية في قطاع غزة لموظفيها كبديل عن مستحقاتهم المتراكمة عليها، وتكشف عن الانهيار  الكبير في أسعار أراضي موظفي غزة، وكيف حدث التلاعب من قِبل تجار ووسطاء عقارات "سماسرة" عبر صفقات وهمية أدت إلى حدوث خسارة في أسعار الأراضي بنحو 50 إلى 60%.

ويكشف التحقيق  كذلك وجود إشكاليات هندسية وفنية عديدة لحظة تنفيذ الوزارات الحكومية مشروع استبدال الأراضي بمستحقات الموظفين وحدوث فجوة بين توزيع القسائم على الخرائط وأرض الواقع.

أكثر من عشرين موظفًا يشملهم هذا التحقيق الذي استغرق إعداده شهرًا كاملًا من البحث والتقصي، فيما أُوصدت الكثير من أبواب المعلومات أمامنا الأمر الذي دفعنا للبحث والتدقيق أكثر، وبذل جهد مضاعف على مدار الوقت كي نتناول الملف بشكل متكامل.

عندما قامت الحكومة بتخصيص أراضٍ لمعالجة مستحقات الموظفين المتراكمة عليها ولضمان حياة كريمة لهم، سجل لديها الآلاف، لكن جرى تسوية مستحقات 13 ألف موظف، وتبقّى 18 ألفًا لم يحصلوا على أراض.

بالعودة إلى حديث الموظف (ي)، يقول: "كنت مضطرًا لبيعها.. كان حفل الزفاف يقترب، وهناك الكثير من الالتزامات المالية، احتجت لكل شيقل، فبعنا الأرض التي تبلغ مساحة حصتي منها 67 مترًا مربعًا، وكان إجمالي ما حصلت عليه فقط 2600 دينار رغم أن ثمن حصتي الحقيقي يبلغ 6 آلاف ..لقد استغلنا الوسطاء أبشع استغلال".

ويتابع: "قمت بسداد بعض الدين وأكملت باقي المهر" .. وهكذا خرج مراد من عملية البيع مديونًا وخاسرًا لمستحقاته، ولأرضه التي باعها بأقل من نصف سعرها. 

بدأ توزيع الأراضي بنظام القرعة في عدة أماكن، وهي أراضٍ انسحب الاحتلال الإسرائيلي منها وتُعرف باسم "المحررات"، وقد ظلت معظمها دون تطوير أو إمداد لشبكات البنية التحتية منذ الانسحاب عام 2005، باستثناء بعض المشاريع الدولية التي حاولت إحياء هذه المناطق كالمشروع السعودي جنوب غرب محافظة رفح، القريب من المحدود المصرية.

وحصل موظفون في محافظة شمال القطاع، على أرض في محافظة رفح، في الوقت الذي بالإمكان تخصيص أراض للموظفين كل حسب محافظته، فيما جرى تحويل بعض المنافع العامة ببعض الخرائط إلى مناطق سكنية.

تتوزع الأراضي الحكومية الممنوحة للموظفين على عدة محافظات، من جنوب القطاع تتوزع غرب محافظة رفح أراضي للموظفين تسمى: "أبو شمالة"، و"العطار"، و"الفرقان"، فيما يوجد بخان يونس أراضي: الأقصى "1" و "2"، والإسراء "2"، والبراق، والحي الإداري، وتوجد أراض في مدينة الزهراء وسط قطاع غزة قرب قصر العدل للمدراء العامين الذين تقدر مستحقاتهم بمبالغ أعلى من الموظفين الذين شغلوا مناصب وظيفية برتب أو مسميات وظيفية أقل.

وقد خصصت الحكومة للوكلاء والقضاة والوزراء السابقين أراضٍ غرب مدينة غزة فيما يعرف بـ"منطقة المشتل"، ومنطقة "الفردوس" شمال القطاع غرب منطقة بيت لاهيا، وأخرى قرب منطقة "العطاطرة" غرب بيت لاهيا كذلك تسمى "طبريا"، بالإضافة لمنطقة "بيسان" الواقعة شمال شرق بيت لاهيا.

من حيث الأسعار تحتل المنطقة الواقعة غرب مدينة غزة المرتبة الأولى فالسعر المحتسب من الحكومة يبلغ نحو 400 دينار للمتر المربع وبالإطّلاع على بعض حالات البيع فيها كانت الخسارة بسيطة بنفس السعر المحتسب من الحكومة أو بخسارة لا تتجاوز 10-20% للموظف نظرًا لموقع المنطقة المتميز.

فيما تحتل المنطقة الواقعة بمحيط قصر العدل المرتبة الثانية وتبدأ الأسعار فيها من 200 دينار للمتر المربع فما فوق وهذه تتعرض لخسارة أكبر ويدفع التجار ببعضها 100 -140 ديناراً للمتر المربع، فيما تأتي بالمرتبة الثالثة منطقة "الفردوس" ويبلغ متوسط الأسعار المحتسبة فيها 160 ديناراً ويدفع التجار في بعضها 110-120 ديناراً أو أكثر حسب مميزات موقع الأرض لكل متر مربع.

أما الأراضي الواقعة بمحافظة خان يونس ورفح ومناطق محافظة الشمال الأخرى، والتي تشكل الجزء الأكبر من مشروع توزيع الأراضي فإن التجار يدفعون فيها 30 -50 دينارًا للمتر المربع حسب اختلاف الموقع، وأغلبها محتسبة من الحكومة بقيمة 90 أو 100 أو 120 ديناراً للمتر المربع الواحد، وثقنا فيها حالات خسارة بنسبة 50- 60%.

تصنف تقسيمات القسائم في كل منطقة إلى ثلاثة تصنيفات: "A" وهو موقع مميز يطل على شوارع رئيسية حسب المخططات، و"B" وهو موقع على شوارع داخلية، "C " وهي أقل تميزًا، تبين لنا أن ما جرى هو تحديد سعر موحد لكل تصنيف، وبعد البحث والتحري عن تداعيات ذلك، تبين لنا أن هذا الأمر سبب مشكلة كبيرة فأصبحت الأراضي المميزة التي يرغبها التجار تفسد على غيرها من الأراضي بنفس التصنيف، رغم أن الحكومة احتسبتها على الموظفين بنفس السعر في كل تصنيف.

المشكلة الأكبر التي يعاني منها الموظفون، حسبما تبين لنا، أنه لم يكن هناك تقييم واقعي لأسعار كل أرض، بل كان التقييم للمنطقة والشوارع الداخلية والخارجية، وهذا بسبب  الاستعجال في تنفيذ المشروع، وفق استنتاج معد التحقيق، فلم يكن هناك تنسيق كاف بين الوزارات.

"الظروف المعيشة قاسية .. احتجت المال لتلبية متطلبات أبنائي العشرة" مثل هذا الواقع الذي يعيشه حافظ القصاص وهو موظف حكومي يعمل بوزارة الداخلية بغزة من سكان محافظة الشمال، مثل فرصة لعملية احتيال تعرض لها من قبل أحد السماسرة، بعد أن حصل على قطعة أرض بمنطقة الأقصى "1" بخان يونس.

بدأت القصة كما يقول"القصاص"، حينما استلم قطعة أرضه ومعه خمسة شركاء، مضيفا: "الأصل في هذا المشروع، أن أحصل على قطعة أرض بمحافظتي كي استفيد منها أكثر وليس بمحافظة بعيدة، والأصل كذلك، أن توزع كل محافظة حصصها بشكل مستقل، كنت سأصبر أكثر ، بدلا من استغلال السماسرة".

باع القصاص الذي كان في أمس الحاجة للمال أرضه في شهر إبريل/ نيسان 2019م ليكتشف فيما بعد أن الوسيط "السمسار" الذي حصل على عمولة تبلغ ألف دينار على الأرض، اشتراها لنفسه ولم يكن هناك زبون، يعلق القصاص: "لقد خدعني واشتراها بطريقة ملتوية ادعى أن هناك تاجرا كي يقوم بخفض السعر أكثر وعندما تنازلت عنها وسلمته الطابو سجلها باسمه".

وهذه الطريقة تسمى في القانون "إساءة ائتمان"، وهي جريمة يحاسب عليها القانون إن استطاع البائع إثباتها.

"زعلت وتضايقت"..بعد عدة أشهر على بيع أرضه لا زال يشعر بهذا الندم مستدركا، "لكن المضطر يعمل أكثر من ذلك لأجل حياة أبنائه" يقول.

استنتج معد التحقيق بعد البحث وجمع المعلومات كذلك، من الموظفين ومسؤولين وخبراء وتجار، أن تجار و وسطاء "سماسرة" كان بينهم شبه اتفاق على ضرب الأسعار، خاصة في الأراضي الواقعة بمحافظتي خان يونس ورفح بحيث يدفع جميع الوسطاء "سماسرة" سعرا واحدا للبائعين من الموظفين،

اكتشفنا حدوث عملية تلاعب بطرق ملتوية، وأحيانا عبر صفقات وهمية، ، كأن يشتريها الوسيط (السمسار) لنفسه  بالتالي يخفض من قيمة الأرض ولا يكون هناك تاجرا أو مشتر من الأصل.

لم تكن هذه الطريقة الوحيدة، بل انضم السماسرة إلى مجموعات خاصة بالموظفين على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنشأوا أخرى، وانتحلوا أحيانا من خلال حسابات وهمية وثقناها، شخصيات موظفين وبدأوا بعرض الأراضي بأسعار أقل مما كانت تباع لحظة استلامها من الموظفين، ومن دور البائع، إلى دور المشتري كان السماسرة ينشرون منشورات وثقنا كذلك بعضا منها يطلبون فيها أراض بأسعار 30-40 أو 50 ديناراً للمتر المربع بهدف دفع الموظفين للتنازل.

لم تقم الجهات المختصة، حتى اللحظة بكشف هذه الأمور، لكن أمين عام المجلس التشريعي نافذ المدهون بعدما وضعنا بين يديه هذه القضايا، قال: إن" قام الموظفين بالتقدم بشكوى لدى المجلس التشريعي، بوجود عملية احتيال، فإن المجلس سيقوم بتشكيل لجنة للنظر والتأكد ومن ثم تحويل القضية إلى النيابة".

زكريا أبو شنب وهو موظف حكومي تعرض لنفس المشكلة، يقول: "تواصل معي أحد السماسرة لشراء الأرض بمبلغ 35 ديناراً للمتر المربع، وعندما رفضت المبلغ قالي لي: إن احدهم كتب منشورا على إحدى المجموعات على مواقع التواصل يعرض أرضي للبيع" يعلق .. "تفاجأت من طرق الاحتيال".

أمام تكرار المنشورات وتعدد الحملات التي يشنها "السماسرة والتجار" على تلك المجموعات بدأ الموظفون يرضخون معتقدين أن غيرهم من الموظفين يعرض ارضه بسعر أقل،

"مطلوب قطعة أرض بسعر 35 إلى 40 ديناراً بأرض الفرقان "2" والدفع كاش" .. كان هذا منشور لأحد الحسابات الوهمية يحمل اسم "أبو محمود"، وهذه الحسابات يقوم الموظفون بتحديدها بسهولة، بأن تكون منشأة حديثا، وغير متفاعلة، ولا تحمل أي بيانات حقيقة تدل على هوية صاحبها، ويطلب علانية السعر الذي يريده.

اتصلنا بمكتب أحد تجار العقارات ويدعى "أبو ميسرة"، سألناه عن ثمن قطعة الأرض في مناطق الموظفين بخان يونس إن كانت بالفئة "A" أو "B" في حالة أراد شخص بيعها، فلم يزد السعر الذي دفعه عن 40 ديناراً "B"، ثم 30 دينارا بمنطقة "C".

عند سؤاله عن سبب عدم شرائها من الموظفين بنفس السعر الذي احتسبته الحكومة على الموظف، قال متهكمًا ضاحكًا بلهجة عامية: "لما اشتريها بمية مين بده يشتريها بهذا السعر؟".

يشرف زكي مدوخ وهو موظف حكومي، على إحدى المجموعات الخاصة للموظفين على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، يقول: "تفاجأنا بأن السماسرة نظموا مجموعات خاصة، وانضموا لمجموعاتنا بحسابات وهمية وأقاموا حملات بيع وهمية، كما تفاجأنا بأنهم ينشرون أسماء قطع بأرقام القطعة كمثال: "A312" وبأسعار متدنية جدا وعندما تواصلنا مع أصحاب القطع، وجدنا أنهم لم ينشروا ولم يكلفوا أحدا بالنشر، وهذه عملية تتم بشكل يومي". إلا أنه لم يتقدموا بأي شكوى رسمية إلى سلطة الأراضي.

وأضاف مدوخ والذي يملك أرضًا بمنطقة إسراء "2": "أصبحنا اليوم نعيش حالة استغلالية التجار يبخسون في الأسعار بشكل خيالي، يجب تدخل حكومي سريع في تحديد السعر من قبل سلطة الأراضي".

من خلال متابعة الخرائط المعدلة بمشروع الأقصى "1"، تظهر الخريطة الأولى وجود أربع متنزهات أو مساحات خضراء، بالإضافة لمسجد، أما في الخريطة الثانية فتم تحويل المسجد لقسائم إسكانية، فضلا عن الغاء مساحتين خضراء والإبقاء على مساحتين فارغتين.

يقول الموظف ذكريا أبو شنب والذي حصل على قطعة أرض بمشروع الأقصى "1" بمحافظة خان يونس: "لن نبيع الأرض بالسعر المعروض حاليا رغم حاجتنا للمال، عندما حصلنا على قطعة أرض سألت أحد التجار فقال: لا يمكن أن تباع الأرض بالسعر  المعروض من الحكومة"، متسائلا بلهجة عامية: "إذا الحكومة مش عارفة سعر السوق مين حيكون عارفة".

"أتدري".. يقول أبو شنب: "أن قطعتنا كان مقابلها مسجد وبعدها تحول المسجد إلى إسكان وضاعت علينا هذه الميزة التي كانت تحسن السعر، وتم تحول المنافع العامة إلى قطع للسكن.. هذا دمر المكان (..) حينما راجعنا المسؤولين قالوا لنا: إنه حدث عجز واضطروا لتحويلها لإسكان لإعطائها للموظفين، كيف حدث العجز وأين هي الدراسات الحكومية قبل التوزيع؟".

سبع سنوات أمضاها الموظف محمد النجار بوزارة الصحة، كان يحلم بشراء شقة أو بناء بيت يخرجه من مستنقع الإيجار، حتى جرى الإعلان عن استبدال الأراضي الحكومية بمستحقات الموظفين، فحصل هو وزوجته الموظفة كذلك على قطعة أرض عام 2017م يشاركه فيها ثلاثة موظفون، بحي "أبو شمالة" بالقرب من المشروع السعودي برفح.

يظهر عقد تسجيل الأراضي المبرم في شهر يونيو/ حزيران 2016م حصلنا على نسخة عنه من  النجار، أن الحكومة قد احتسبت عليه المتر بمبلغ 120 ديناراً قبل الخصم السابق، وأن هذا التسجيل طبقا لنصوص قانون تسوية الأراضي لعام 1928م.

لكن الحلم على أرض الواقع كان مختلفًا: "بعدما حصلنا على قطعة الأرض، وصلت لمرحلة لا استطيع البناء عليها، فلا تعرف حدود قطعتك ضمن المساحة الإجمالية البالغة 520 مترا مربعا، كما أن الأرض نفسها غير مناسبة للبناء لاتخاذها الشكل الطولي".

"نبحث عن من يشتري الأرض لكنها بالأسعار الحالية ستخسر أكثر من النصف (..) الحكومة غرقت السوق أراضي ولم نستطع بيعها، خرجت خاسرًا لأني لم أجد السعر الذي احتسبته الحكومة، تمنيت لو لم أحصل على قطعة الأرض، ولو بعتها بالسعر الحالي سأكون قد خسرت مستحقاتي وذهبت منها 50% هباءً منثورا، وكان الأولى أن توزع شقق لنا، كحل أفضل من هذه الأراضي غير المؤهلة" .. كلمات يعبر من خلالها النجار عن ندمه.

يحصل الوسيط (السمسار) من الموظفين عن ألف دينار لاتمام عملية البيع لأحد التجار، حتى بعد موافقة الموظفين على بيعها بأقل من نصف ثمنها، قصة الموظف محمد السرسك الذي يعمل بوزارة الداخلية إحداها، وله  قطعة أرض بمنطقة الإسراء "1" بمحافظة خان يونس بمساحة (500 م2)  يشاركه فيها خمسة موظفين، يقول عن سبب رفض البيع: "بعدما اتفقنا على السعر طلب السمسار (وسيط) عمولة البيع بمبلغ ألف دينار، وهذا ما جعلنا نرفض عملية البيع بسبب سعر هذه العمولة الكبيرة (..) للأسف، هؤلاء السماسرة يستغلون حاجة الموظف ولا يوجد لا رقيب ولا حسيب".

ويطالب السرسك بإعادة تقييم سعر الأرض بما يتناسب مع سعر السوق، وتجميد الأراضي، وأن يقف المسؤولون وقفة جادة، "نحن نعمل منذ عام2013 .. دماؤنا تذهب ولم نستطع بناء مستقبل أولادنا" قال.

ما سبق، ليست المشاكل الوحيدة في هذا الملف، بحسب إفادة مهندس يعمل في إحدى الوزارات الحكومية بغزة-رفض الكشف عن هويته-  أكدا وجود أخطاء هندسية في مشروع توزيع الأراضي، إذ بدأت عملية تخصيص الأراضي قبل نيل الاعتماد من اللجنة المركزية للأبنية وتنظيم المدن.

وقال المهندس "بعد تسليم الأراضي للموظفين تم اعتمادها  من اللجنة كأمر واقع، والفرق كبير، فلو جرى اعتمادها قبل التخصيص فإنه يمكن تعديل إشكاليات تتعلق بعرض الشوارع والتخطيط وتقسيمات الأراضي من خلال مهندسين معماريين".

إحدى الإشكاليات تمثلت بوجود خمس قطع أراضي تبلغ مساحة كل قطعة (500 متر مربع) بمنطقة "الفردوس" غرب بيت لاهيا، وهي بمنطقة داخلية لكنها احتسبت على الموظفين بنفس الأسعار للقطع المطلة على شوارع رئيسية جرى انهاء جزء منها وبقي جزء آخر، بمحافظة رفح اكتشف الموظفون وقوع ست قطع اراضي، حسب إفادة المهندس، في حفرة يبلغ عمقها ستة أمتار، فانتظر هؤلاء الموظفين لمدة عام حتى تسلموها بعد أن جرى طمرها وتسويتها.

تتعدد التشريعات والقوانين التي تنظم الشؤون المتعلقة بتخصيص الأراضي العمومية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن أهم هذه التشريعات (قانون إدارة أملاك الدولة المؤقت رقم 32 لسنة 1965م، والقانون رقم (5)  لسنة 2017 بشأن حظر التعدي على الأراضي والعقارات العامة للدولة والأشخاص الإعتبارية العامة ، وقانون الأراضي العمومية رقم ( 6 ) لسنة 1942، قانون الأراضي (استملاكها للغايات العامة).

ويعتمد الإطار القانوني في قطاع غزة الخاص بتخصيص الأراضي العمومية على القانون المدني الفلسطيني رقم 4 لعام 2012، حيث نصت المادة ( 1108) في الفقرة الأولى على حق الدولة في التصرف بالأراضي المملوكة لها وفق الشروط التي يحددها القانون، وكذلك قانون الأراضي العثماني 1858 في المادة رقم( 2) والتي تشير إلى الحق في التصرف بالأراضي الأميرية بناءاً على المصوغات الشرعية.

وحتى اللحظة، لا يوجد في قطاع غزة قانون فلسطيني ينظم عملية تخصيص الأراضي العمومية، فلا يزال الاعتماد في القطاع يتم على مجموعة التشريعات التي صدرت في عهد الانتداب البريطاني والإدارة المصرية التي حكمت قطاع غزة، حيث صدر في عهد الانتداب قانون الأراضي العمومية لسنة 1942 والذي ينص على منح مدير تسوية الأراضي التوقيع باسم المندوب السامي على عقود الإيجار المتعلقة بالأراضي العمومية او على رخص إشغالها.

حتى اللحظة، لا يوجد في قطاع غزة قانون فلسطيني ينظم عملية تخصيص الأراضي العمومية

وفي حقبة الإدارة المصرية لقطاع غزة صدر القانون رقم (5 ) لسنة 1960 عن الحاكم المصري للقطاع والذي ينص على أنه لا يجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة للحكومة أو الأشخاص الاعتبارية العامة، وكذلك أموال الأوقاف الخيرية، او كسب أي حق عيني عليها بالتقادم، والذي تم استبداله بالقانون رقم (5 ) لسنة 2017 بشأن حظر التعدي على الأراضي والعقارات العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة والذي فرض عقوبات رادعة على التعدي ومنح سلطة الأراضي صلاحيات واسعة لإزالة التعديات.

بالنسبة لتشكيل اللجنة العليا للأراضي الحكومية، يقول المستشار القانوني  للمجلس التشريعي أمجد الأغا: إن "المدخل لإنشاء  اللجنة كان بتعديل قانون الاراضي العمومية رقم (6) لسنة 1942م، فكان القانون يمنح صلاحيات المندوب السامي البريطاني اجراء عمليات التسوية والتخصيص، فقام المجلس التشريعي بتعديل القانون لمنح الصلاحيات للجنة عليا للأراضي تقوم بما كان يقوم به المندوب السامي البريطاني، بالتالي أقر المجلس التشريعي القانون رقم (2) لسنة 2015م بتشكيل لجنة عليا للأراضي برئاسة سلطة الأراضي وعضوية عدة جهات حكومية، تقوم بدراسة ملفات تخصيصات الأراضي والانتفاع والتثمين".

وبين الأغا أنه مع إقرار قانون اللجنة "الإدارية" الحكومية سنة 2017م، ألغُي قانون رقم (2) لسنة 2015م، بالتالي ألغيت اللجنة العليا للأراضي وجمد عملها، ودمجت صلاحياتها ضمن اللجنة الإدارية التي تجمدت هي الأخرى  بموجب اتفاق المصالحة بالقاهرة (أكتوبر 2017) بالتالي لا يوجد عمليات مبادلة ولا انتفاع، ولكن يوجد جسمي تنسيقي مكون من الوكلاء يديرون الوزارات والوضع العام في القطاع، مستدركا، بأن الغاء القانون يسري بأثر لاحق، بمعنى أن ما سبق القانون من إجراءات فهي سليمة، وأي معاملة بعد ذلك يتم الاستناد فيها للقانون الملغى باطلة.

تخصيص الأراضي أفرز الكثير من الإشكاليات، وفق الأغا، فعلى أرض الواقع كان هناك فجوة بين التخصيص الذي تم على الخرائط والتخصيص على أرض الواقع، فالكثير من الموظفين عندما ذهبوا لاستلام أراضيهم المخصصة لهم بموجب القرارات، تفاجأوا بوجود أشخاص واضعي يد مثلا الفلسطينيين القادمين لغزة من سوريا، مواقع لبعض حركات المقاومة، وجدوا أن البلديات قامت بتخطيط شوارع ضمن هذه الأراضي فتآكلت مساحات هذه الأراضي، ووجدوا أن هناك مرافق حكومية موجودة مثل المستشفى العسكري الميداني المغربي بمنطقة "الزهراء" جنوب مدينة غزة، والعديد من الأراضي كانت مخصصة لجهات حكومية أخرى، بالتالي حدثت ازدواجية تخصيص.

فضلا عن مشكلة منح أراض مصنفة أنها أراضي أثار فقامت وزارة السياحة والآثار بمنع الموظفين من الانتفاع من الأراضي المخصصة لهم، ونتج عن ذلك قضايا واشكاليات،  مردفا: "هذه مجموعة من الإشكاليات التي عانى منها الموظفون وتقدموا بشكاوي إلى المجلس التشريعي والجهات الرقابية الموجودة".

كما أن الكثير من التخطيطات التي تمت في سلطة الأراضي، والكلام للأغا، تمت بدون التنسيق مع البلديات، بمعنى أن سلطة الأراضي لديها خرائط جوية قديمة أو مسوحات قديمة كذلك، فقسمت المربعات على تلك الخرائط  لقسائم، لكن بعض الموظفين وجدوا شوارع أقامتها البلديات على مناطقهم على أرض الواقع،  مبينا أنه لم التنسيق مع اللجنة المركزية لتنظيم المدن، ولم ينسقوا مع البلديات الموجودة.

بالتالي أصبح الموظف فريسة بين ثلاثة جهات، مضيفا: "عندما يذهب لسلطة الأراضي  تخلي مسؤولياتها لأنها سلمته الأرض، وعندما يريد إقامة مشروع يتم إيقافه، مطالبينه بإحضار كتاب من اللجنة المركزية لتخطيط بالمدن بعدم وجود طريق، فضلا عن عدم تقديم خدمات مياه وكهرباء، فكان هناك عشوائية وعدم تنسيق في عملية التخصيص".

بالتوازي كانت اشكاليات أخرى متعلقة بالتخصيصات، فوقع الموظف فريسة للتجار، وحدث عدم التوازن بالعرض والطلب أدى لقيام مجموعة من التجار لابتزاز الموظفين بأقل من سعر الأرض المثمن، وهناك العديد من الأراضي مثمن المتر المربع فيها بـ (300 دينار) قام التجار بالمطالبة بشرائها بـ (100 دينار)، وهذه  الأراضي واقعة بمحيط "قصر العدل"، وهذه المبالغ تعطي على مراحل طويلة الأمد.

وضعنا القصص التي وثقناها بين يدي الأغا، فأقر بأنها نصب، وبعضها يسمى جريمة "اساءة ائتمان" بأن يقوم التاجر أو الوسيط بعرضها بعسر مختلف عن السعر الذي اتفق مع الموظف به كي يحصل على الفرق دون علم الموظف بذلك، مشددا  انه يجب وضع حد للابتزاز وأن يكون هناك تناسب لعملية البيع والشراء، كتدخل المجلس التشريعي ووزاتي الاقتصادي وسلطة الأراضي بإصدار تعليمات حول الأسعار .. " فالعقد الذي يتم بهذه الحالة عقد تعسفي وهناك تعسف من المشتري ضد المالك، واذا استطاع البائع اثبات ذلك يستطيع ابطال العقد فيما بعد".

ويقول الأغا: إن "الإشكاليات التي انبثقت عن التخصيص متعددة ومتنوعة ولا يمكن وضع حل شامل لها، ولكن يمكن تجزأه كل إشكالية، وحلها بين الوزارات كاستبدال الأراضي الموجود بها طرق أو متعدين بأراضي أخرى".

حصلنا على نسخة من  تقرير اللجان القانونية والاقتصادية والموازنة والشؤون المالية بالمجلس التشريعي صادر في 24 نوفمبر/ تشرين ثاني 2015 حول مشروع تخصيص الأراضي الحكومية لصالح مشاريع  الإسكان، كان من أبرز توصيات اللجان الثلاث، الطلب من سلطة الأراضي تخصيص ما لا يزيد على ألف دونم من الأراضي الحكومية لمشاريع الإسكان من الموظفين وخاصة المدمرة بيوتهم وفئات الشباب المتزوجة حديثا.

ومن أبرز التوصيات كذلك، تبني معايير موضوعية لإجراء التخمين للأراضي المخصصة تراعي عدم الغبن أو الإجحاف بحق المنتفع، ومراعاة التوزيع الجغرافي للأراضي الحكومية لإحداث التوازن في التنمية، وأن يتم مراعاة سعر المثل وقت التعاقد مع المنتفعين، والطلب لسلطة الأراضي تشكيل لجان لفض النزاعات والتظلمات الناتجة عن تخصيص تلك الأراضي.

تظهر الإحصائيات والبيانات، أن متأخرات الموظفين المثبتين المدنيين والعسكريين والسلطة القضائية والسلطة التشريعية والوزراء السابقين والبالغ عددهم ( 39 ألفا و905 موظفين) بلغت ( 459.566.651 ) "أربعمائة وتسعة وخمسون مليون وخمسمائة وستة وستون ألفا وستمائة وواحد وخمسون ديناراً" وذلك حتى تاريخ 31 ديسمبر/ كانون أول 2016م.

أما مديونية موظفي الحكومة بغزة لصالح بنكي الانتاج والبنك الوطني فقد بلغت مجموع المستحقات بالدولار  (50.382.789)، خمسون مليونا وثلاثمائة واثنان وثمانون ألفا وسبعمائة وتسعة وثمانون دولارا حتى نفس التاريخ السابق، أما متأخرات الكهرباء المستحقة لشركة توزيع الكهرباء على الموظفين حتى تاريخ 31 آب/ أغسطس 2015م  فبلغت (320.197.815) ثلاثمائة وعشرون مليون ومائة وسبعة وتسعون  ألفا وثمانمائة وخمسة عشر شيكلا.

رئيس سلطة الأراضي: لي أرض وأعاني كالموظفين وليس من صلاحياتي التدخل بتحديد سعرها

تواصلنا مع رئيس سلطة الأراضي السابق إبراهيم رضوان والذي في عهده أقيم المشروع لتوجيه أسئلة كثيرة في جعبتنا حول معايير توزيع الأراضي والسعر المقدر وبشأن الخدمات من مياه وكهرباء، لكنه رفض إجراء المقابلة مكتفيا بالقول، إن المشروع كان بقرار حكومي، رافضا ربطه بشخصه.

إلا أن رئيس سلطة الأراضي الحالي ماهر أبو صبحة أجاب جزء بسيط من أسئلتنا  ورفض الإجابة على الكثير منها، قائلا إن: "حاجة الموظفين تدفعهم للخسارة مدركين أن قيمة الأرض أعلى مما يدفع لهم، وذلك نتيجة الحصار وغياب الاموال"، مشيرا إلى أن سلطته تحافظ على المال العام والخاص بمنع التعديات، وليس من اختصاصها التدخل في أسعار الأراضي.

وقال لمعد التحقيق: "كوني رئيس سلطة الأراضي، فأنا في النهاية موظف وحصلت على قطعة أرض كباقي الموظفين ولا استطيع بيعها، وأعاني نفس المعاناة كباقي الموظفين، لكن ليس من صلاحياتي التدخل في تحديد الأسعار".

وحول ضمانات عدم قيام أي حكومة أخرى بسحب الأراضي من الموظفين، أجاب، إنه حسب القانون الأساسي الفلسطيني لا تستطيع أي حكومة الغاء قرارات الحكومة السابقة إلا بحكم المحكمة، فمن غير المنطقي العودة عن القرار، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية قدمت أراض لموظفيها بالمجان ولم يعتد عليها أحد.

لا يخفي فضل عبد العال وهو وسيط عقارات ما عرضناه، قائلا: إن" هناك الكثير من التجار والوسطاء يستغلون حاجة الموظف للسيولة من ناحية المال، الكثير من الأراضي الحكومية احتسبت ما بين 100 إلى 120 و140 ديناراً للمتر المربع تباع بأربعين دينار للمتر، فيما يعرضها التجار بأضعاف ثمنها.

من وجهة نظر الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، كان من المفترض أن يكون هناك بدائل أخرى غير توزيع الأراضي، لأن التوزيع بنظره كان الحل الأسهل للحكومة لاستبدال مستحقات الموظفين، كجمعيات تعاونية اسكانية تجلب منافع على الأراضي ويستفيد الموظف مستقبلا، أو الحصول على شقق لمن يسكنون بالإيجار.

يقول الطباع: إن" سوق العقارات ضرب في غزة نتيجة الاوضاع الاقتصادية وسحب السيولة، مما أدى لنزول اثمان الأراضي، وتعرض الموظف لخسارة كبيرة نتيجة حاجته والتزاماته.

وأضاف أن "المشروع فعليا لم يعد بفائدة على الموظف الذي خسر جزء من مستحقاته، وكان يمكن التفكير بمشاريع تغطي مستحقات الموظفين وتدر دخلا على الحكومة والموظف، المشكلة أن الحكومة لما غطت المستحقات باستبدالها بالأراضي لم تأت لحظة انتهاء المستحقات، والآن تراكمت مرة أخرى مستحقات الموظفين عليها".

محام  يبرم عقود بيع وشراء أراضي ويتعامل مع تجار يشترون أراضي الموظفين يقول بعد أن فضل عدم الكشف عن اسمه كذلك: إن "عملية البيع تتم بعد تسليم الموظف كل أوراقه للتاجر، يحصل الموظف على مبلغ كدفعة  أولى لحظة الاتفاق ودفعة ثانية لحظة احضار الأوراق أو يتم تقسيط المبلغ، ومعظم القطع يتم دفع فيها اثمان متدنية بأقل من سعرها بنحو 60%"، ومعظمها يتم البيع فيها بنظام الأقساط".

عارضا إحدى عمليات الاحتيال التي كان يلاحظها بنفسه، بان يقوم السمسار أو الوسيط بالاتفاق المسبق مع وسيط آخر على انتحال شخصية موظف، وعندما يجلسون مع موظف يريد بيع أرضه، فإنهم يحاول ايهام الموظف أن هناك عملية بيع وشراء تتم بينهما وغالبا ما يطرحون أسعار متدنية للغاية حتى يرضخ الموظف ويوافق على اسعاره.

موظف طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية الأمر، ويعمل بإحدى الوزارات الحكومية قام بكتابة منشور على صفحته على فيس بوك، ينتقد الآلية التي تمت فيها توزيع الأراضي الحكومية، وينتقد الأسعار المحتسبة كذلك، يقول لنا: "بعد المنشور تم احالتي للجنة تحقيق ووجه لي كتاب لفت نظر، وطلب مني الاعتذار وحذف المنشور، وعندما لم أحذفه جرى نقلي لوزارة أخرى"، مشيرا إلى أنه عندما استلم قطعة أرضه المحتسبة عليه بعد الخصم بسعر 95 ديناراً للمتر المربع  دفع له التجار 58 ديناراً للمتر.

تظهر المعطيات التي حصلنا عليها من عدة جهات، خاصة بمنطقة خان يونس على وجه التحديد، صعوبة أو ربما استحالة امداد هذه الأراضي بشبكات كهرباء ومياه حتى لعدة سنوات قادمة، إلا اذا قامت إحدى الجهات المتبرعة بتمويل الأمر فشبكة المياه تحتاج إلى 60 مليون دولار وهذا يفوق امكانيات البلديات.

الحل الوحيد والصعب هنا أمام كل موظف هو السكن، ومحاولة امداد طاقات بديلة وهي ذات تكلفة مرتفعة، أو حفر بئر وتبلغ تكلفة ترخيصه فقط 4 آلاف شيقل على نفقته الخاصة، مع إيجاد طرق بدائية في انشاء شبكات صرف صحي.

بيت صغير من الباطون مع عدة بيوت أخرى في مشروع الإسراء بمحافظة خان يونس، استطاع الموظف سلامة الدهشان بنائه بشق الأنفس في منطقة يكاد إيصال الخدمات من مياه وكهرباء إليها شبه مستحيل، إلا إذا قام الموظف بحفر بئر على نفقته الخاصة في حال الحصول على موافقة بلدية.

لحظة الحصول على قطعة أرضه وقع الدهشان، كما يقول لنا، على تعهد بعدم المطالبة بإمداد مياه وكهرباء، لأن المشروع كما قيل له، معد له خطة بنية تحتية كاملة ينتظر تمويل من الدول المانحة، مضيفا: "وقعت بعدم المطالبة بالمياه والكهرباء حينما تقدمت للحصول على رخصة".

أمام مشكلة الكهرباء والمياه، قام بتركيب طاقة كهربائية بديلة (ألواح شمسية)، ومد خط مياه من مزارع لديه بئر مبلغ مالي شهريا، مضيفا: "بعدما سكنت بستة أشهر استطعت تشغيل الثلاجة والغسالة، ولي جار يراجع منذ ستة شهور على أمل امداد شبكة كهرباء دون جدوى، والجار الثالث يعيش على الليدات (طاقة بديلة)".

الموظف زكي مدوخ أطلق مبادرة، لحفر بئر وإحياء هذه المناطق التي لا تصلها خدمات البلدية والكهرباء، لكنه تفاجأ بعدم وجود قرار بإمداد أي خدمات، وبلغت تكلفة ترخيص البئر وحده 4 آلاف شيكل فـ "من أين سنأتي بالمياه؟" يتساءل.

فيما يخص مشكلة عدم إمداد المياه بهذه المناطق، يقول رئيس بلدية خان يونس علاء البطة: إن" الموضوع معقد وليس باليسير فمناطق المحررات بخان يونس ذات مساحات كبيرة تبلغ 65 كيلو متر مربع، مما يلقي على كاهل بلديته عبئا كبيرا، خاصة في ظل إمكانيات البلدية الصعبة".

أضاف البطة: "إن هذه المناطق حرمت من التنمية بعد انسحاب الاحتلال والانقسام الفلسطيني، وأن خان يونس تحتضن سبعة مدن للموظفين التي استبدلت بمستحقاتهم تقدر نسبتها 70% من الأراضي الممنوحة للموظفين مقابل مستحقاتهم تنتشر بخان يونس".

يفيد رئيس البلدية أن مناطق المحررات وأراضي الموظفين تشكل ثلث مساحة المحافظة، وأن البلدية عاجزة عن توفير الخدمات لهم، مبينا أن خطوط نقل المياه مكلفة، فالشارع الواحد يحتاج إلى 100 ألف دولار ، بالإضافة لتصميم خطوط مياه وشبكات صرف صحي.

ينبغي، والكلام للبطة، أن تقوم الحكومة بتحمل جزء كبير من المشكلة من أجل توفير الخدمات، لافتا إلى أن بلديته أجرت دراسة لمدة خمس سنوات، تظهر أن هناك حاجة إلى 60 مليون دولار لإمداد شبكات طرق وصرف صحي وتأسيس إنارة في هذه المناطق، وهو ما لا تستطيع تقديمه البلدية ضمن المعادلة المالية المتاحة.

توجهنا بأسئلتنا، إلى شركة الكهرباء للتوقف عند أسباب غياب شبكات الكهرباء عن هذه المناطق، فيقول المتحدث باسم الشركة محمد ثبات: إن" تلك المناطق (الممنوحة للموظفين) لم تصلها البنية التحتية الأساسية إلى اليوم كموضوع الكهرباء والمياه".

شركة الكهرباء، حسب إفادة ثابت لنا، لا تستطيع مد كوابل ومحولات وإنشاء شبكة، كاشفا أن هذه المناطق تبعد خمسة كيلو متر عن أقرب شبكة كهرباء تابعة للشركة، وأن مساحة الأراضي تلك كبيرة ولا تستطيع الشركة – في ظل إمكانياتها الحالية – مد شبكات تغطي تلك المسافات، وهذا بخلاف مدينة حمد الممولة بالكامل من دولة قطر ببنية تحتية من كهرباء ومياه.

الخبير في مجال الأراضي الزراعية نزار الوحيدي يقول: "إن الاراضي الحكومية التي قدمت للموظفين بدلا من مستحقاتهم، هي ضمن الخطة الاستراتيجية لقطاع غزة وضمن المخطط الإقليمي تصنف كمناطق سكنية، وكلها واقعة في مناطق أصبحت مملحة أو مهددة بالتملح، لكن المؤلم أنها احتسبت على الموظفين بأسعار وحينما أرادوا بيعها انهارت أسعار الأراضي فكان السعر الأول أكبر من سعر البيع".

شبكة نوى، فلسطينيات:  

بعد ثلاث سنوات على تسليم الحكومة الأراضي للموظفين، الآن خسرت الحكومة نحو ألف دونم أرادت من خلالها معالجة أزمة المستحقات المالية، لكن ذهبت الأراضي و بقيت المستحقات وعادت نفس المشكلة، ولم يستطع الموظف العيش حياة كريمة فخسر هو الآخر نحو نصف مستحقاته، في عمليات بيع خاسرة، فيما جمد التجار الذين اشتروا الأراضي ما حصلوا عليه من هذه المساحات بلا استغلال، وكان يمكن القيام

بمشاريع تعاونية وإسكانية تعود بالنفع على الوزارات والموظفين.

 

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير