غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
بين سريرين في أحد المستشفيات وسط قطاع غزة، تمضي أم فتحي عابد يومها متنقّلة بنظراتها ويديها بين طفلَيها؛ تتحسّس فتحي تارة، وتقترب من دينا تارة أخرى، تترقّب حالتهما الصحية التي تتراجع بسرعة مخيفة، في ظل إبادة لم تطل البشر وحدهم، بل التهمت المنظومة الصحية وكل مناحي الحياة في غزة. لا حول لها ولا قوة، ولا تملك سوى الانتظار المر.
انتظارٌ مشبع بالعجز، ومشاعر قهرٍ وقلة حيلة. لا تتوقف عن البكاء والدعاء، وتنتظر قرار تحويلٍ للعلاج في الخارج لم يأتِ، بينما تراقب جسديهما الصغيرين وهما يذوبان ببطء أمام عينيها.

بدأ فتحي يعاني من تآكل في الدماغ، في وقتٍ عجز فيه الأطباء عن إيجاد أي تفسير واضح لحالته، لا سيما مع الانهيار شبه الكامل للمنظومة الطبية. لم يكن في متناول أيديهم سوى مراقبته، بينما بدأت وظائفه الحيوية تتراجع بوتيرة سريعة.
اليوم، بالكاد يتنفس فتحي. لا يتحرّك. يغيب عن الوعي معظم الوقت، وتطارده حرارة مرتفعة لا تنخفض. ينهك جسده النحيل سوء التغذية، وتضاعف آلامه التشنجات والتهابات الصدر.
تتساءل الأم بحرقة: "كيف لطفل في عمر اللعب أن يُحاصر بكل هذا الألم، وأن يُترك رهينة أجهزة بدائية لا تمنحني إجابة عن حالته، ولا تترك لي أملًا بشفائه؟".
يعتقد الأطباء أن الطفلين مصابان بمرض عصبي خطير، لكن في ظل نقص الأجهزة والإمكانيات، فإن فقدانهما قد يحدث في أي لحظة.
وعلى سريرٍ مجاور، تواجه شقيقته دينا المصير ذاته. أعراض متشابهة، وتدهور يتسارع، وغموض طبي يخيّم على حالتها كما شقيقها. لا تشخيص، ولا علاج، فقط مؤشرات متزايدة على أن الخطر يقترب.
وفقًا للأم، يعتقد الأطباء أن الطفلين مصابان بمرض عصبي خطير، لكن في ظل نقص الأجهزة والإمكانيات، فإن فقدانهما قد يحدث في أي لحظة.
فتحي ودينا هما كل ما تبقّى لهذه الأم بعد استشهاد والدهما. تجلس قرب السرير، تقبض بيدٍ مرتجفة على خصلات شعر فتحي، تحدّق في وجهه الشاحب كأنها تفاوض الزمن على دقائق إضافية، فيما تصارع دينا المرض بصمت، بملامح صغيرة أنهكها التعب.

تقول الأم: "كان الأطباء واضحين معي. قالوا إن بقاء الطفلين في غزة يعني استمرار تدهور حالتهما. هما بحاجة إلى فحوصات دقيقة، من تخطيط دماغ، وصور طبقية، ورنين مغناطيسي، وصولًا إلى خطة علاج عاجلة قد تنقذ حياتهما، وهذا لا يمكن دون تحويل فوري للعلاج في الخارج".
وتشير الأرقام إلى أن ما لا يقل عن 740 مريضًا فقدوا حياتهم وهم ينتظرون تحويلة طبية لم تصل، بينهم 137 طفلًا توقفت قلوبهم الصغيرة قبل أن يبلغوا مستشفى قد ينقذهم.
وتقدّر منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 900 مريض، بينهم أطفال، توفوا خلال عام واحد فقط بسبب عدم القدرة على الخروج للعلاج، فيما يقف نحو 4,000 طفل على قائمة الإجلاء الطبي العاجل، ينتظرون دورهم قبل فوات الأوان، من بينهم فتحي ودينا.
























