شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الاحد 09 نوفمبر 2025م16:30 بتوقيت القدس

أملٌ يُزهر.. محاولاتٌ لـ "الحياة" فيما تبقى من بيوت غزة!

05 نوفمبر 2025 - 19:09

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

من بين الأنقاض، تبني غزة حكايتها الجديدة بحجارة من الألم وأحلام صغيرة ترفض الانكسار. في حيّ الزيتون، تقف الطفلة سلوى ياسين وسط الركام، ترفع بيديها الصغيرتين بقايا حجارة بيتها الذي كان –كما تصفه– "كبيرًا وحلوًا ومريحًا". تبحث بين الردم عن ألبوم صورها ودفاترها الممزقة، محاولةً استعادة شيء من ذاكرةٍ سرقتها الحرب.

"أول ما دخلت البيت شفته كله ردم وحجار مكسرة، كل ذكرياتنا مبعثرة على الأرض وتحت الردم".

عادت سلوى مع عائلتها إلى البيت المدمر لتبدأ رحلة جديدة من التنظيف ورفع الركام. "أول ما دخلت البيت شفته كله ردم وحجار مكسرة، كل ذكرياتنا مبعثرة على الأرض وتحت الردم"، تقول وهي تشرح تعبها وعائلتها في رفع الركام بالأدوات البسيطة: دلاء ومعاول صغيرة لا تكفي لحمل الحزن حتى.

هذا الجيل الذي كان يفترض أن يعيش طفولته بأمان، يُجبر اليوم على التعامل مع مآسي الكبار، وسط حرمانه من أبسط حقوقه في التعليم واللعب والاستقرار.

لم تكتفِ النساء في غزة بمشاهدة الدمار من بعيد، بل كنّ في قلب المشهد. يحملن الجرادل والمعاول بأيديهن، وينظفن بقايا منازلهن المهدمة. تقول أم أحمد وهي تقف بين جدران متشققة: "رغم التعب، أنا سعيدة لأنني سأعود لمكاني الذي أنتمي له"، ثم تضيف بابتسامة يغلبها الفخر: "الاحتلال دمّر، لكننا سنعود ونعمّرها. الحرب أخذت منا الكثير، لكن وجودي بين جدران بيتي، حتى لو كان مهدومًا، بعطيني أملًا كبيرًا".

شوهدت عائلات بأكملها تزيل الركام من بيوت تضررت أو تهدمت كليًا، مستخدمةً أدوات بسيطة وإمكانات شبه معدومة، فقط ليهيئوا مساحة صغيرة للعودة والسكن.

غزة، التي اعتادت أن تنهض من وسط الرماد، تعيد اليوم رسم ملامحها من جديد. لا بمعاول الإعمار وحدها، بل بعزيمة أهلها الذين يثبتون مرة أخرى أن الحياة أقوى من الحرب، وأن الكرامة لا تهزمها قنابل ولا أنقاض. فمنذ اللحظة الأولى لوقف إطلاق النار، بدأ الغزيون يتفقدون بقايا منازلهم.

شوهدت عائلات بأكملها –نساءً ورجالاً وأطفالاً– تزيل الركام من بيوت تضررت أو تهدمت كليًا، مستخدمين أدوات بسيطة وإمكانات شبه معدومة، فقط ليهيئوا مساحة صغيرة للعودة والسكن، حتى لو كانت غرفة يتيمة بلا نوافذ.

تعيش المدينة اليوم واحدة من أكبر الكوارث الحضرية في العصر الحديث. فحجم الدمار يفوق الوصف، إذ تُقدّر نسبة الأضرار في البنية التحتية والخدمات الأساسية بما يفوق 80% من شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي، فيما تحوّلت أحياء كاملة إلى ركامٍ صامت يروي وجع المكان.

يقول حسني مهنا، المتحدث باسم بلدية غزة: "إن حجم الركام في القطاع تجاوز 55 مليون طن، حصة مدينة غزة منها الأكبر وتقدر بـ 20 مليون طن، حسب تقديرات المؤسسات الأممية والدولية".

غالبية الآليات الثقيلة دُمّرت خلال الحرب، فيما ترفض "إسرائيل" إدخال معدات جديدة في مخالفة صريحة لبنود اتفاق وقف إطلاق النار.

مئات آلاف المنازل والمنشآت العامة والخاصة سُويت بالأرض، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمقرات الحكومية. "ما نشهده ليس مجرد دمار مادي، بل انهيار شامل لكل مقومات الحياة المدنية"، يضيف مهنا.

ورغم غياب الموارد والوقود والمعدات اللازمة، شرعت بلدية غزة فور إعلان التهدئة بتنفيذ خطة طوارئ عاجلة ضمن مرحلة "التعافي المبكر" من آثار الحرب، هدفها فتح الشوارع الحيوية وتمكين سيارات الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إلى المناطق المنكوبة، إضافة إلى تأمين المياه عبر صيانة عاجلة، وتنفيذ حملات نظافة طارئة حول المستشفيات ومراكز الإيواء لتفادي خطر انتشار الأوبئة.

آلاف الأسر النازحة عادت إلى منازلها المدمرة جزئيًا بحثًا عن مأوى، لتجد نفسها تعيش وسط الركام، بلا خدمات أساسية، وبمخاطر صحية وبيئية جسيمة.

لكن التحديات التي تواجه البلدية جسيمة. فغالبية الآليات الثقيلة دُمّرت خلال الحرب، فيما ترفض "إسرائيل" إدخال معدات جديدة في مخالفة صريحة لبنود اتفاق وقف إطلاق النار.

ويشرح مهنا أن وجود الذخائر غير المنفجرة تحت الأنقاض يجعل العمل خطيرًا للغاية، مضيفًا: "البلدية نشرت في الأيام الأولى من التهدئة عبر منصاتها قائمة احتياجات ملحة، شملت الآليات الثقيلة والمولدات الكهربائية ومواد البناء وقطع الغيار والوقود والمستلزمات العاجلة، لكن الاستجابة ظلت محدودة بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على المعابر، التي تمنع إدخال المعدات الضرورية لتضييق الخناق على السكان ضمن سياسة العقاب الجماعي المستمرة منذ سنوات".

مهنا: "نطالب بإنشاء جسر بري وبحري وجوي لإدخال المعدات، لأن إنقاذ غزة ليس ترفاً إنسانيًا، بل واجب أخلاقي وقانوني على العالم بأسره".

ورغم التجاهل العالمي، يظل شعب غزة يكتب بالصمود عنوانه الأبدي: الكرامة لا تُهدم. آلاف الأسر النازحة عادت إلى منازلها المدمرة جزئيًا بحثًا عن مأوى، لتجد نفسها تعيش وسط الركام، بلا خدمات أساسية، وبمخاطر صحية وبيئية جسيمة.

ويختم مهنا رسالته للمجتمع الدولي: "لقد آن الأوان للتحرك الفعلي لا الكلام. ما يحدث في غزة كارثة إنسانية متواصلة تتطلب تدخلًا عاجلًا لرفع القيود وفتح المعابر. نطالب بإنشاء جسر بري وبحري وجوي لإدخال المعدات والمساعدات، لأن إنقاذ غزة اليوم ليس ترفاً إنسانيًا، بل واجب أخلاقي وقانوني على العالم بأسره".

في غزة، لا تنتهي الحكاية عند الدمار، بل تبدأ منه. بين كل حجرٍ يُرفع، يولد أمل جديد، لتبقى المدينة شاهدة على أن الحياة –مهما انكسرت– لا تُهزم أبدًا.

كاريكاتـــــير