شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الاثنين 03 نوفمبر 2025م22:28 بتوقيت القدس

دموعٌ على أغصان محروقة.. عامٌ ثالث وغزة بلا زيتون!

03 نوفمبر 2025 - 15:54

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

كلما تذكرت مجدولين قديح أرضها المزروعة بالزيتون في بلدة خزاعة شرقي مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، يضيق صدرها حزنًا، وتغصّ عيناها بالدموع وهي تتذكر كيف هرسَت جنازير الدبابات الإسرائيلية وقذائفها ذكرياتها، كما هرست الحرب الإسرائيلية "كل ما هو جميل في غزة"، تقول وهي تحاول حبس بكائها.

تنحدر مجدولين (38 عامًا) من عائلة تتوارث الزراعة جيلًا بعد جيل، ارتبطت بحكاية عشقٍ مع الأرض منذ طفولتها. تقول: "حين أجبرتنا الحرب على النزوح ومغادرة منازلنا وأراضينا في خزاعة، شعرت وكأن روحي تُنتزع من جسدي".

للعام الثالث، حرمت الحرب الإسرائيلية مجدولين وسائر المزارعين في المناطق الشرقية من بهجة موسم الزيتون. هذه الأراضي باتت تحت سيطرة الاحتلال، وتحولت إلى مناطق منكوبة بفعل الدمار.

ثم تمسح دموعها وتضيف بصوت متهدّج: "لقد قلبتم عليّ المواجع"، مشيرة إلى أن مثل هذه الأيام كانت تعني موسم قطف الزيتون، بطقوسه الجميلة التي توارثتها العائلات جيلًا بعد جيل، إذ كانت تجتمع مع زوجها وأطفالها يقطفون الزيتون على أنغام الأغاني الوطنية والفلكلورية.

للعام الثالث على التوالي، حرمت الحرب الإسرائيلية مجدولين وسائر المزارعين في المناطق الشرقية المتاخمة للسياج الأمني، أو الواقعة خلف ما يسمى "الخط الأصفر"، من بهجة موسم الزيتون. فهذه الأراضي باتت تحت سيطرة الاحتلال بموجب اتفاق إطلاق النار، وتحولت إلى مناطق منكوبة بفعل الدمار.

ذاقت مجدولين مرارة الخسارة مرارًا في الحروب السابقة، وكانت في كل مرة تعيد زراعة أرضها من جديد بإصرار، لكنها تقول هذه المرة إن الحرب كانت "أشدّ شراسة ودموية"، فلم تترك شيئًا قائمًا.

لم يعد لمجدولين منزلٌ ولا أرض تعود إليها. بلدة خزاعة أعلنتها بلديتها منطقة منكوبة، إذ دمّرتها قوات الاحتلال بالكامل، وحوّلت بيوتها وأراضيها إلى أكوام من الركام. كانت مجدولين تعيش مع زوجها وأطفالها الستة حياةً هادئة في منزلٍ من طابقين، تقول بأسى: "الحرب سرقت حياتنا، وممتلكاتنا، وكل ذكرياتنا".

كانت أرضها، المزروعة بنحو أربعين شجرة زيتون، تبعد كيلومترًا واحدًا فقط عن السياج الأمني، تنتج ما يكفي الأسرة من الزيت والزيتون، أما الفائض فكانت تبيعه في السوق المحلي. ذاقت مجدولين مرارة الخسارة مرارًا في الحروب السابقة، وكانت في كل مرة تعيد زراعة أرضها من جديد بإصرار، لكنها تقول هذه المرة إن الحرب كانت "أشدّ شراسة ودموية"، فلم تترك شيئًا قائمًا.

تعشق مجدولين مخلّل الزيتون وزيته، لكنها تهمس بأسى: "منذ نزوحنا لم أتذوق طعم الزيتون، وكأنني فقدت الطعم مع أشجاري الميتة التي اقتلعتها آلة الحرب واقتلعت معها أرواحنا وذكرياتنا".

اليوم، تعيش في خيمة متهالكة بمنطقة ميناء القرارة غربي خان يونس، تكابد مرارة النزوح والتشرد والبعد عن بلدتها الصغيرة. ورغم قسوة الحياة واليأس الذي يزورها من حين إلى آخر، إلا أنها ما زالت تتمسك بأملٍ واهٍ بالعودة إلى ركام منزلها وأرضها المحروفة، حتى وإن بدا ذلك حلمًا بعيد المنال.

نالت مجدولين نصيبًا وافرًا من الخسارة، فزوجها ماجد، وهو صحفي، أصيب مرتين؛ الأولى بشظايا قذيفة مدفعية قبل النزوح من خزاعة، والثانية بشظية في الرئة خلال استهداف خيمة الصحفيين المجاورة لمجمع ناصر الطبي في نيسان/أبريل الماضي.

تقدّر وزارة الزراعة في غزة أن الاحتلال دمّر بشكلٍ ممنهج نحو 90% من المساحة الزراعية في القطاع، أي ما يعادل 187 ألف دونم، معظمها في المناطق الشرقية والشمالية.

وتقدّر وزارة الزراعة في غزة أن الاحتلال دمّر بشكلٍ ممنهج نحو 90% من المساحة الزراعية في القطاع، أي ما يعادل 187 ألف دونم، معظمها في المناطق الشرقية والشمالية.

ويقول المهندس محمد أبو عودة، الناطق باسم الوزارة لـ"نوى": "الزيتون هو المحصول الاستراتيجي الأول في فلسطين، وقد دمّره الاحتلال بشكل ممنهج خلال عامين من حرب الإبادة. كان لدينا نحو 50 ألف دونم من الزيتون تنتج قرابة 40 ألف طن سنويًا، تحقق الاكتفاء الذاتي، منها 35 ألف طن كانت تُعصر لإنتاج نحو 5 آلاف طن من الزيت، إضافة إلى 5 آلاف طن تُستخدم للتخليل في 14 مصنعًا أو في البيوت، وبعض الإنتاج كان يُصدر للخارج".

فقدَ نحو 55  ألف مزارع ومزارعة، مصدر رزقهم في الزراعة، فيما يقدَّر عدد النساء العاملات في هذا القطاع بنحو 10 آلاف امرأة، منهن 2000 كنّ يعملن تحديدًا في قطاع الزيتون.

لكن اليوم، يوضح أبو عودة "لم يتبقَّ سوى أربعة آلاف دونم فقط متفرقة في أنحاء القطاع، بإنتاجٍ لا يتعدى أربعة آلاف طن. لم يبقَ سوى ست معاصر وثلاثة مصانع تخليل فقط، بعد تدمير المعاصر والمصانع الأخرى".

وتحول السيطرة الإسرائيلية على نحو نصف مساحة القطاع دون تمكّن فرق الوزارة من الوصول لتقدير الخسائر بدقة، إلا أن الأثر الكارثي واضح على عشرات الآلاف من الأسر.

فقدَ نحو 55  ألف مزارع ومزارعة، إلى جانب 100  ألف عامل موسمي، مصدر رزقهم المباشر أو غير المباشر في الزراعة، فيما يقدَّر عدد النساء العاملات في هذا القطاع بنحو 10 آلاف امرأة، منهن 2000 كنّ يعملن تحديدًا في قطاع الزيتون. أما اليوم، فقد خسر 90% من العاملين فرص عملهم، وتحولوا إلى عاطلين وسط حصار خانق وشحٍّ في الموارد.

يسيطر الاحتلال على الأراضي الزراعية ويمنع المزارعين من الوصول إليها، فضلًا عن إحكام الحصار ومنع إدخال البذور والأسمدة والمبيدات، وهو ما انعكس سلبًا على المزارعين والمستهلكين على حد سواء.

يصف أبو عودة المشهد الزراعي في غزة بأنه "كارثي"، إذ يسيطر الاحتلال على الأراضي الزراعية ويمنع المزارعين من الوصول إليها، فضلًا عن إحكام الحصار ومنع إدخال البذور والأسمدة والمبيدات، وهو ما انعكس سلبًا على المزارعين والمستهلكين على حد سواء، فارتفعت الأسعار وتقلّص الإنتاج، وضاعت ملامح الريف الفلسطيني الذي كان يومًا يعجّ بعبق الزيتون وأهازيج الحصاد.

وبينما تتحدث التقارير عن أرقامٍ وأضرار، تجلس مجدولين في خيمتها قرب ميناء غزة، تنظر إلى الأفق البعيد وتقول: "لم يعد لي سوى حلم العودة إلى شجرة زيتونٍ واحدة من أرضي القديمة، أستظل بها، وأشتمّ منها رائحة بيتي الذي كان".

كاريكاتـــــير