الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:
أيام صعبة جدًا، تلك التي يعيشها الأسير المحرر محمد الباز من مدينة نابلس، الذي أُفرج عنه من سجون الاحتلال بتاريخ التاسع والعشرين من أيار/ مايو المنصرم، إذ لا يزال يكابد حتى اليوم تبعات "الجرَب"، الذي أصيب به خلال فترة أسره، ونَقَله لكافة أفراد أسرته.
"حياتنا مش حياة" يقول الباز الذي أنهك المرض جسده، ويتابع: "أُصبت بالمرض مطلع العام، وكنتُ أسيرًا في سجن النقب. أصابتني حكة قوية، ثم أصبح الدم ينزف من البثور، لكنني لم أتلق أي علاج بالمطلق".
ولدى سؤالنا عن سبب عدم طلبه العلاج داخل السجن، أجاب: "أعوذ بالله اللي بطلب دوا بطبشوه!"، في إشارةٍ إلى الانتهاكات الكبيرة التي يتعرض لها الأسرى خلف القضبان.
بعد خروجه، توجه الباز فورًا إلى المشفى لتلقي العلاج، وظل في حجر صحي، واتبع كافة التعاليم الطبية، وحصل على العلاج اللازم قبل أن يخالط زوجته وأطفاله. يقول: "لم أعانقهم إلا بعد أن أذن لي الطبيب بالعودة لحياتي الطبيعية"، مستدركًا: "لكن بعد أيام قليلة أصابت أطفالي وزوجتي الحكة، ليدركوا أنهم هم أيضًا أصيبوا بالمرض".
الباز الذي قضى نحو عامين في سجن النقب خلال اعتقاله الأخير، قضى في سجون الاحتلال نحو 17 عامًا من عمره على فترات متباعدة. ويؤكد أن ما يتعرض له الأسرى في السجون منذ بدء الحرب على غزة، لا يصدقه عقل بشري، "وجزء من هذه الانتهاكات الاكتظاظ، حيث ينام كل 3 أشخاص على فراش واحدة من الاسفنج الحامي، بدون غطاء للفراش"، موضحًا أن الاسفنج أصلًا ناقل للفايروسات والأمراض، "وأحيانًا يكون الفراش نفسه غارق بالمياه العادمة التي تخرج من الحمام".
أمام هذا، يقف الأسرى عاجزون حتى عن اتخاذ احتياطاتهم الوقائية اللازمة، نتيجة انعدام مواد التنظيف في السجون، وعدم الاستحمام، وعدم تبديل الملابس، "بالإضافة إلى أنه عندما يتم ضرب الأسرى وتنزف منهم الدماء على الأرض وعلى الملابس، لا يتمكنون من تنظيفها".
وبالرغم من أن عدم توفر الطعام والشراب بكميات ونوعيات مناسبة، مشكلة أساسية بالنسبة للأسرى من أجل تحسين مناعتهم في بيئة مليئة بالأمراض والفيروسات، إلا أنها لم تكن المشكلة الأصعب بالنسبة للأسير الباز، الذي عاش ظروفًا صعبة جدًا في السجن.
يقول: "بعد الحرب ابتكروا أساليب جديدة لتعذيبنا. لقد رأيتُ بأم عيني حالة اغتصاب بالعصا لمسن داخل السجن، كما استيقظتُ عدة مرات على السجانين، وهم يسكبون الماء المثلج على وجوهنا ونحن في ذروة فصل الشتاء، ناهيكم عن تبوّل عناصر من شرطة الاحتلال على الأسرى.
ووجه الباز كلمة لوم وعتب على الجهات التي تهتم بشؤون الأسرى، مبينًا أنه لا يوجد أي مؤسسة أخذت إفاداتهم من أجل ملاحقة ضباط ومدراء السجون قانونيًا، أو حتى إعلاميًا.
ويعقّب قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين بقوله: "الهيئة توثق الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى في سجون الاحتلال أولًا بأول، وتتواصل مع مؤسسات دولية وحقوقية من أجل توثيقها أيضًا".
وأضاف: "نتوجه للمحكمة العليا الاسرائيلية عبر مؤسسات مختلفة، بضرورة توفير علاجات للمرضى ولكن حتى الآن لا استجابة"، مؤكدًا أن الهيئة تحصل على تنازل عن السرية الطبية من كل أسير مريض، حتى تتمكن من متابعة قضيته أمام أي جهة، وهي من تقرر الإجراء الصحيح وفقًا لتقديراتها.
وبين فارس أنه ما لم يتشكل حالة ضغط دولية كبرى على "إسرائيل"، فلن يكون هناك حل للجرائم التي تحدث بحق الأسرى الفلسطينيين خلف القضبان، متابعًا: "حالة الضغط الدولية تتمثل بتجميد اتفاقيات، وسحب سفراء، واتخاذ إجراءات اقتصادية، وهذا لم يحدث حتى الآن بالشكل المطلوب، ما يعني أن الضغط الحالي غير كافٍ بالمطلق".
وحول قضية مرض الجرب أكمل بقوله: "بدأ المرض تراكميًا في السجون نتيجة نقص مواد التنظيف وعدم قدرة الأسرى على المحافظة على النظافة الشخصية، إلى جانب الازدحام الخانق في كل غرفة. كل هذه العوامل معًا أدت إلى انتشار المرض، إلى جانب عدم تقديم مصلحة السجون العلاج للأسرى، وعدم الحجر على المصابين".
من جهته أكد الناطق الإعلامي باسم نادي الأسير الفلسطيني أمجد النجار، أن تاريخ مرض "السكابيوس" أو "الجرب" يعود إلى الانتفاضة الأولى عام 1987م، عندما سجن الاحتلال عشرات آلاف الأشخاص في سجن النقب، ولم يعطهم الفرصة الكافية للاستحمام، إلى جانب الحر الشديد للصحراء، ما أدى إلى انتشار الأمراض الجلدية.
وأوضح النجار أن إصابة الأسير بالمرض الجلدي، من أشد وأعنف العقوبات التي يتعرض لها في السجن، "فكل شيء يمكنه التعايش معه، إلا هذه الحكة الشديدة المؤلمة جدًا الناتجة عن السكابيوس".
وبيّن أنه بعد تاريخ السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أقر الاحتلال ما يسمى بقانون الطوارئ الاعتقالي، الذي فرض من خلاله قانون "القفل"، أي قفل الحياة المعيشية للأسرى، من خلال تقليص الطعام والشراب، وحرمان الأسرى من كل مواد التنظيف.
وأشار النجار إلى أن كل غرفة في السجن فيها بين 10 و14 معتقلًا، ولا يوجد أي وسائل تهوية، وجميعهم يتعرقون، ولا يوجد وسائل استحمام وتنظيف، ولا يوجد تبديل ملابس، "وقد حدثنا أحد الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم في الآونة الأخيرة، أنه يرتدي نفس الملابس منذ لحظة اعتقاله في بداية الحرب".
وبيّن النجار أن كل هذه العوامل السابقة، ويضاف لها عدم تعرض الأسرى لأشعة الشمس، أدت إلى بدء تفشي المرض في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر من العام المنصرم.
وأكد النجار أن الاحتلال ساهم في تسريع نقل المرض وتفشيه في السجون، قائلًا: "أي قسم لا يوجد فيه مرض "سكابيوس" كان يُجلب إليه أسير مريض من قسم آخر حتى ينقل العدوى للباقين".
وروى النجار على لسان أحد المحامين الذين زاروا الأسرى في الآونة الأخيرة، أنه في أحد الأقسام داخل سجن ريمون، أحضر السجانون شابًا مصابًا بالجرب إلى قسم لا يوجد فيه مرضى، فاعترض أحد الأسرى وطلب نقله إلى قسم آخر فيه مرضى، ليقابل طلبه بالضرب والتنكيل، وليجيبه السجان: "وإلا احنا ليش جايبينه عندكم؟ عشان ينقلكم المرض.. وبالفعل تم نقل المرض إلى ذلك القسم".
وحول منع إدارة مصلحة السجون زيارات المحامين بسبب انتشار مرض الجرب، بيّن النجار أن هذه حجة واهية لمنع الزيارات إلى سجنَي ريمون ونفحة، اللذان يضمان قيادات الفصائل الفلسطينية، مشيرًا أنه كان الأولى عمل هذا الحجر في سجن النقب، الذي يحتوي على 3 آلاف أسير، في حين أن سجنَي "ريمون" و"نفحة" معًا يضمان 1200 أسير.
وقال: "موضوع الحجر هو فقط لمنع وصول المحامين إلى الأسرى، لأن نفحة وريمون فيهم أسرى محكومين بالأحكام المؤبدة، وتمت زيارتهم مؤخرًا، وخرجَت من السجنين شهادات صادمة عن الضرب والقمع والتنكيل بحقهم".
وأكد النجار أن نادي الأسير قدم التماسات للمحكمة الإسرائيلية، وضمن مؤسسات شريكة من أجل السماح بإدخال أدوية الجرب والأمراض الجلدية، وتم رفض هذه الالتماسات، وحاليًا يعمل النادي لتقديمها مرة أخرى.
"أرسل نادي الأسير رسالة إلى منظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية عديدة، من بينها الأمم المتحدة، ومفوضية حقوق الإنسان؛ للضغط على الاحتلال من أجل وقف هذه الجرائم، "لكن لا يوجد أي رد حتى الآن".
كما أرسل نادي الأسير وفقًا للنجار، رسالة إلى منظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية عديدة، من بينها الأمم المتحدة، ومفوضية حقوق الإنسان؛ للضغط على الاحتلال من أجل وقف هذه الجرائم بحق الأسرى، "ولكن لا يوجد أي رد حتى الآن".
يشار إلى أن مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، أصدر بيانًا للرأي العام أمس، أكد فيه أن الجرب هو نتاج لسياسة الجرائم الطبية بحق الأسرى، داعيًا منظمة الصحة العالمية، والمؤسسات المعنية، بالمساعدة في الضغط على الاحتلال لوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، وإدخال الأدوية اللازمة والطواقم الطبية للحد من انتشار المرض".