شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م00:17 بتوقيت القدس

فقد منزله في عدوان 2023

النكبة تطلّ مجددًا وتلدغ المسن "طه"

30 مايو 2023 - 10:52

بيت لاهيا:

على أنقاض منزله الذي دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، يجلس الثمانيني شحدة طه باكيًا نكبته الثانية، التي أعادته إلى ذكريات نكبته الأولى، التي عاشها عام 1948م مثل كل الفلسطينيين، يوم كان طفلًا.

يسير الحاج شحدة (86 عامًا) على ركام بيته الذي كان حتى قبل أيام العدوان الإسرائيلي، طابقين يسكنهما هو وأبناؤه وبعض أحفاده. الدموع التي اخترقت تجاعيد وجهه بللت لحيّته التي ابيضّت تمامًا مثل شعره الذي غزاه الشيب، يشير إلى بقايا غرفة نوم الصغار ويقول: "بهذه الجرائم طردونا من بيوتنا في عام النكبة".

كان شحدة طفلًا يبلغ من العمر (11 عامًا) حين قصفت طائرات الاحتلال الحربية بلدة بيت لاهيا أقصى شمال قطاع غزة، وأجبرت الطفل على ترك منزله عنوة، والفرار برفقة عائلته إلى منطقة أخرى داخل قطاع غزة التي فرّ إليها الفلسطينيون ممن طالتهم آلة الحرب الإسرائيلية حينها دون أن يحملوا معهم شيئًا، لكنه هذه المرة أصرّ ألا يحمل المفتاح، وأن يبقى في مكانه بين أكوام حجارة منزله الذي تروي جدرانه المنسوفة تاريخ حياته.

يقول الحاج الذي لم يتوقّف عن البكاء: "حين هاجرتُ وأنا صغير ترك أهلي كل شيء. كان الضرب من الطيران الإسرائيلي في كل مكان. لقد عشت معاناة اللجوء معهم ولست على استعداد أن أكرر اللجوء وأنا في هذا السن".

عمل شحدة بالزراعة في صغره، وعندما بلغ 18 عامًا من العمر؛ اشترى له والده سيارة لنقل الركّاب بين غزة ومصر والأراضي المحتلة عام 1948م، حين كانت المناطق مفتوحة قبل فصلها. يعقب: "كنت سائقًا شهيرًا ومعروفًا بين الناس".

يكمل: "بنيت هذا البيت بعرق جبيني حجرًا حجرًا. تزوجتُ وأنجبتُ ثم زوّجت أبنائي، وها هم أحفادي أيضًا يعيشون فيه. هذا مش مجرد بيت، هذا تاريخ عمري، وهذا عرقي من أول شبابي".

خيمة تقيمها عائلة شحدة الآن على أنقاض منزلها، تعيده الرجل إلى كل التفاصيل المؤلمة التي عاشها في خيمته الأولى إبان نكبته الأولى.

يقول: "نفس التشرّد والضياع عشتها مرة أخرى، المشهد يمرّ أمامي من جديد هذه المرة مع أحفادي، لقد نجونا من الموت الذي حاصرتنا به العصابات الصهيونية في الـ 48، حين كانوا يقتلون كل من يشاهدونه أمامهم. مجازر ودمار أوصلتنا إلى ما نحن فيه من حياة اللجوء".

وكانت آليات الاحتلال الإسرائيلي الحربية، شنّت بتاريخ 9 آيار/مايو 2023م عدوانًا استمر لخمسة أيام، قتلت خلاله 33 مواطنًا بينهم 6 أطفال و3 نساء و2 من كبار السن، وأصابت 147 آخرين، إضافةً إلى مئات الوحدات السكنية والأراضي الزراعية المدمّرة.

اعتدنا أن يروي الأجداد للأحفاد تفاصيل النكبة التي عاشوها عام 1948م، لكن هنا، في هذه النكبة، سيروي الحفيد الثلاثيني محمود تفاصيل ما حدث معه ومع جده في ذلك اليوم الذي فقدوا فيه منزلهم.

يقول محمود: "منتصف ليلة الخميس اتصل ضابط من الاحتلال الإسرائيلي وطلب منا إخلاء المنزل نحن وجميع المنازل حولنا، ولم يحدد حينها المنزل المهدد بالقصف".

 يضيف: "بالطبع لم يكن لديَّ متسعٌ من الوقت. عشتُ في صراعٍ مع عقارب الساعة، بديهيًا أعلم أن ما بين الإخطار بالقصف ونزول الصاروخ ثواني، فبدأتُ أنا وأشقائي والعائلة نصرخ بصوت عالٍ على الجيران ليخرجوا من منازلهم، وسط حالةٍ من الرعب والهلع بين كبار السن، والأطفال والنساء".

يكمل: "قرابة ٦٠ عائلة فروا من منازلهم المهددة. شعرنا حينها كأن "القيامة قامت". الجميع يعيشون لحظات ترقب مرعبة، كلنا في الشوارع ننتظر".

يعيش الفلسطيني في قطاع غزة حالةً من الاعتياد ضمن مسلسل قصف الاحتلال للمنازل، فالمشهد ذاته يتكرر في كل عدوان، وربما هذه هي الحالة الأصعب.

وفق رواية الحفيد محمود لم يقصف الاحتلال ليلتها أي منزل، في الصباح الباكر عاد الجميع إلى منازلهم، لكن في منتصف يوم الجمعة الساعة الثانية والنصف بالضبط، تجمّعت العائلة لتناول وجبة الغداء، فإذ بضابط الاحتلال يخبرهم بأن المنزل سيتم قصفه وعليهم الإخلاء فورًا.

خرجت عائلة أبو طه للشارع مرة ثانية، فتم قصف المنزل المكوّن من طابقين، وطال القصف منزل جدّهم المجاور لبيتهم تمامًا، الذي لم يصدّق ما حدث له، شقاء عمره ضاع في لحظات.

هنا عاد المسنّ شحدة يقول باكيًا: "لا نملك إلا قول حسبي الله ونعم الوكيل، أكثر من 30 شخصًا أصبحوا في الشارع، لقد عدت لحياة اللجوء من جديد".

فقد الحفيد الثلاثيني محمود مع هذا القصف مزرعة دواجن كان يعتاش منها وهو وأفراد أسرته، ليعيش الآن في مخزنٍ صغيرٍ بجوار خيمة جدّه على مقربة من بيتهم المقصوف.

ووفق تقريرٍ للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فان العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ألحق الضرر بـ 2041 وحدة سكنية، من بينها 93 وحدة دُمرت بالكامل، بينما أصبحت 128 وحدة أخرى غير قابلة للسكن.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير