الخليل:
أن تصمد في بيتك، على أرضٍ تحت احتلال، فلهذا ثمنٌ تدفعُهُ من عمرك دمعًا.. ودمًا أيضًا. في تلك الزاوية يحصرك العدوُّ كي تعلن استسلامك، فتترك المكان، وتهاجر، إذا لم يكن بالأساليب الناعمة فـ"بالقوة".
يحدث مثلًا أن يدفع لك مستوطنٌ 20 مليون دولار مقابل شراء منزلك الصغير البسيط، لكن هذا المبلغ "الضخم" لن يعني شيئًا لك رغم كل ما تعانيه هناك من اعتداءاتٍ، وانتهاكاتٍ لأصغر حقوقك الآدمية، ويحدث أن تحيط النار بزوايا ذكرياتك هناك، بينما ضحكات المستوطنين تقتحم عليك خوفك من فتحات نافذةٍ حطّم زجاجها حجر، أو رصاصة. يحدثُ أن يدعي أحدهم أن هذا بيت جده وأنك سرقته، ويهمس ساخرًا في أذنك "سأسترده بحكم القضاء".. وهل من إنصافٍ في محكمة محتل؟
هكذا يمكن تلخيص الوضع في منزلٍ بمنطقة تل الرميدة بمدينة الخليل، حيث تقطن عائلة المسنة هناء أبو هيكل، في أعلى تلة يمكن للأردنيين مشاهدتها، وتطل كذلك على كل المستوطنات الموجودة في المدينة.
موقعه الاستراتيجي مهم بالنسبة للاحتلال، لكنه بالنسبة لصاحبته "أغلى من مال الدنيا"، وفق قولها.
يصف الفلسطينيون عائلة أبو هيكل بـ "الأصيلة، الصابرة، الصامدة". يعيشون في مأساة دائمة، لكنهم ورثوا الإصرار على الصمود من أجدادهم الذين حاول الاحتلال منذ زمن شراء منزلهم، وفي كل مرة يقابل بالرفض، والرفض القاطع.
تتحدث هناء بأنهم حين يخرجون أو يعودون من وإلى المنزل، يتجمع حولهم المستوطنون. يضيّقون الشوارع ويفخّخونها بالمطبات التي تجعل الطريق طويلة جدًا، لا تدخلها سيارة ولا عربة تجر أغراضهم، فيجبَرون على حملها على أكتافهم.
وتزيد: "نشتهي أن يأتي الأقارب أو الضيوف إلى منازلنا، نشتهي أن نفتح الشباك لاستنشاق الهواء أو حتى الستائر للاستمتاع بضوء النهار!" لم لا يحدث ذلك؟ لأن الاحتلال يوجّه عشرات كاميرات المراقبة صوبهم للتضييق عليهم، أو بمعنى أصح لتهجيرهم منه.
عشرات النقاط العسكرية الإسرائيلية تلتف حول المنزل، يمر أهله بطرق ملتفة عبر أراضٍ زراعية للوصول إليه، تصف صاحبته الحال بقولها: "هذا مسلسل ممنهج، فالاحتلال يبرمج حياته على موتنا وتهجيرنا، وهذا أقل ما يفعله لتحقيق غايته التي لن نَقبل بها، ولو على موتنا".
حتى الدجاج الذي تربيه على سطح منزلها لم يسلم، يُسرق من قبل الجنود والمستوطنين، الذين يمنعونهم من حراثة أرضهم، وإن فعلوا ذلك، فلا ينتظرهم إلا الضرب والاعتقال والتنكيل.
أجبرت السيدة على ترك عملها بعد 36 عامًا من أجل حماية المنزل قائلةً: "لم يهمني العمل. لقد عاهدت أبي أنا وشقيقتي وهو على فراش الموت بأننا لن نترك لهم ولا ذرة تراب واحدة من منزلنا".
تتمنى هناء لو ترى أطفال العائلة يلعبون في ساحة المنزل أو الأرض بسلام، لكن المستوطنين يطلقون كلابهم عليهم دائمًا لتهاجمهم، يُرعبون الصغار، ويفرضون الخوف الدائم على قلوبهم.
ويعود عمر المنزل بحسب هناء إلى عام 1959، في حين أقيمت المستوطنات حوله عام 1984، ومنذ ذلك الوقت لا تهنأ العائلة بنومها. يسير النوم بفتراتٍ مخصصة لكل فرد من أجل البقاء على يقظة خشية وقوع خطر مباغت من قبل الاحتلال.
تختم قولها "لو خلطوا لحمنا بالحجارة لن نتركه لهم، ما دام فينا النفس لن نُسلّم الدار. هم لا يفهمون أن بيتنا هذا لا يُقدر بالمال، وأن كنوز الدنيا لا تعني لنا شيئًا مقابل التمسك به كأحد أهم حقوقنا في هذه البلاد".