شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 25 ابريل 2024م22:37 بتوقيت القدس

هزمت الإعاقة

أريج عايش: العزيمة لا تمشي على ساقين

23 فبراير 2023 - 12:05

غزة: 

لم تكن تشعر بالنقص لولادتها بإعاقة حركية، فالإنسان قلب وعقل، وهما لا يمشيان على ساقين، وبهذه القناعة استطاعت الفتاة الثلاثينية أريج عايش أن تعيش "سلامًا داخليًا"، وتواجه المجتمع بـ "نصف جسد"، وبكثيرٍ من الإصرار والعزيمة، ودون أن تلتفت إلى "ساقين" لم يرد القدر أن تُولد بهما.

لأريج نظرتها الخاصة للنقص، وهو ألا يستثمر الإنسان ما يمتلك من إمكانيات جسدية أو معنوية، من أجل التعبير عن ذاته، والمنافسة في المجتمع للحصول على فرصة. تقول لـ "نوى": "غير أن الحصول على هذه الفرصة يتطلب توفر العدالة في المجتمع، وعدم التمييز على أساس النوع الاجتماعي أو الإعاقة".

ولدت أريج (31 عامًا) بلا ساقين (بتر مزدوج)، وهي الثانية من بين سبع شقيقات، لأسرة ميسورة الحال تقطن مدينة غزة، وكلما كبُرت كانت تدرك أن حياتها لن تكون سهلة، ليس لعجز أو تقصير منها.

توضح: "كان عليّ التصالح مع نفسي ومع جسدي، وأن أبذل جهدًا إضافيًا من أجل إثبات قدراتي، وأن النجاح لا يحتاج إلى ساقين، بل إلى تخطيط سليم، وقدرة على التنفيذ، وإرادة ومثابرة للعمل المتواصل".

لسنوات طويلة؛ ظلت أريج تستعين بأطراف صناعية تقليدية، ثقيلة ولا تتوفر بها المواصفات التي تساعدها على الحركة والتنقل بسهولة، وتسبب لها جروحًا وتقرحات، دفعتها إلى الاستغناء عنها تمامًا.

كثيرةٌ هي الفرص التي فقدتها أريج، بسبب عدم توفر أطراف صناعية ملائمة، تمكنها من الحركة بيسر وسهولة، تصفها بأنها "تجارب مريرة"، وتقول: "ليس من السهل على الأشخاص من ذوي الإعاقة أن يجدوا فرصة للعمل وإثبات الذات والاندماج في المجتمع في منطقة مثل غزة".

وتبدو الصورة أكثر قتامة -حسب وصف أريج- بالنسبة للإناث، اللواتي يجابهن صورًا متعددة من التمييز، والانحياز الذكوري، فكيف إذا كانت "الفتاة من ذوي الإعاقة؟!"، وقالت: "ينظرون لنا كحيطة واطية، وأننا نقبل بفتات الفرص والأجور".

درست أريج تخصص الوسائط المتعددة وحصلت على شهادة الدبلوم من الكلية الجامعية في غزة، وعملت لفترات متطوعة بلا مقابل مادي، على أمل إثبات ذاتها والحصول على وظيفة توفر لها احتياجاتها الأساسية، وتساعد بها أسرتها، غير أنها اصطدمت بواقع من الاستغلال، وتوقفت عن التطوع.

تطلعات أريج وآمالها كانت أكبر بكثير من واقعٍ لا تتوفر فيه الحدود الدنيا من الحقوق الخاصة بذوي الإعاقة، فاختارت العودة إلى المنزل، وعدم التضحية المجانية بجهدها ووقتها بلا أمل في غد أفضل، وقالت: "قراري ليس بدافع اليأس، ولكنه رفض للاستغلال".

وعلى ما واجهته من صعوبات وتحديات خلال السنوات التي اعتمدت فيها على ساقين تقليديين، تفخر أريج بإنجازات حققتها وكأنها انتزعتها من بين أنياب الواقع المرير، فقد كانت واحدة من لاعبات فريق كرة السلة لذوات الإعاقة في نادي السلام الرياضي، الذي ظفر بعدة ألقاب محلية.

بدأت أريج في ممارسة رياضة كرة السلة في العام 2016م، وبرغم من مسيرتها التي تعدها ناجحة، إلا أنها توقفت عن ممارسة اللعبة في العام 2021م، بسبب ما وصفته بـ "الانحياز والتمييز ضد النساء وذوي الإعاقة".

وعلى مدار سنوات نشطت أريج في مبادرات تهدف إلى نيل الأشخاص ذوي الإعاقة حقوقهم التي تساعدهم على إثبات ذواتهم والاندماج في المجتمع، كانت أحد ثمارها إنشاء أول استراحة موائمة لذوي الإعاقة في غزة، تفخر أنها كانت أحد أعضاء فريق العمل في مشروعها.

وعلى الرغم مما تبديه من استياء من واقع ذوي الإعاقة في غزة، إلا أن أريج تبدي استعدادًا دائمًا للانخراط في أي مبادرات تدعمهم وتحسن من واقعهم، وتقول: "أشعر بطاقة أفضل، وقدرة على البدء بانطلاقة جديدة بعد حصولي على الساقين الصناعيين الجديدين".

ومنحت الأطراف الصناعية التي حصلت عليها أريج من مستشفى حمد بغزة، والممول من صندوق قطر للتنمية، حافزًا إضافيًا للمضي قدمًا. تقول: "لقد سهلت الأطراف الجديدة حركتي، وهو ما زادني إصرارًا على تحقيق أحلامي، ومنحني دافعًا لمزيد من الحيوية والنشاط، فَمن يولد بحرية محدودة يعرف معنى أن يحصل على مساحة وأفق أوسع".

منذ طفولتها لم تكن الثقة تنقص أريج، وكانت دائمة الرفض للمعاملة الخاصة من المحيطين سواء الجيران أو في المدرسة، كونها تعاني من بتر مزدوج للساقين، وتتمسك بكونها "فتاة بكامل الإرادة"، وقالت: "أنا عادية، ولا ينقصني شيء، وأفخر بنفسي وأسرتي التي تتعامل معي بشكل طبيعي جدًا، وشجعتني كثيرًا، ولم تخجل مني أو تعاملني كحالة خاصة".

ومنذ إبريل 2019م، قام قسم الأطراف الصناعية في مستشفى حمد بتركيب 1323 طرفًا صناعيًا، وجهازًا لتقويم العمود الفقري، وهو ما انعكس إيجابًا على حياة المستفيدين، وساعدهم على تحقيق أعلى مستوى ممكن من الاستقلالية، بحسب رئيس قسم الأطراف الصناعية في المستشفى أحمد العبسي.

وفي حالة أريج، أوضح العبسي أنها استفادت من طرفين صناعيين خفيفين، وبمفصلين متحركين ومريحين، ذلك بعد أن تلقت تدريبًا مكثفًا على الاستخدام الأمثل للأطراف الصناعية داخل قسم الأطراف الصناعية في المستشفى.

وخلال أربعة أعوام منذ افتتاح مستشفى حمد، بلغ إجمالي المستفيدين عبر أقسامه الرئيسة الثلاثة: قسم الأطراف الصناعية، وقسم السمع والتوازن، وقسم التأهيل الطبي، 23 ألف مستفيد من ذوي الإعاقات المختلفة.

وتتطلع أريج في الوقت الحالي إلى الحصول على وظيفة، بعدما أصبحت أكثر قدرة على الحركة والعمل، والعودة من جديد لممارسة رياضة كرة السلة، من أجل تحقيق حلمها بتمثيل فلسطين في محافل رياضية خارجية.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير