شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م08:43 بتوقيت القدس

"العيد هنا حقيقي"!

غزة تطبطبُ على أكتاف المغتربين المشتاقين للعيد

13 يوليو 2022 - 11:40

قطاع غزة:

"عشتُ العيد للمرة الأولى بعد 19 عامًا من الحرمان، وشاهدته في نظرات حلا وعمر.. اللذان لم يدركا معناه يومًا طوال حياتهم" يقول عبد الرحمن أبو دية بصوتٍ يرتعش دهشة.

عبد الرحمن الذي هرب قبل قرابة العقدين للبحث عن فرصةٍ أفضل للعيش خارج قطاع غزة، حيث لا أصوات للطائرات أو الرشاشات الثقيلة التي تدمر القلب خوفًا، ولا صحو على صوت صراخ طفلٍ استشهد والده باجتياحٍ بري على الحدود.

لأول مرةٍ منذ أمدٍ بعيد يسمع تكبيرات العيد "بلسمًا" أذابت روحه. لأول مرةٍ تسكنه الطمأنينة، ولأول مرةٍ يرى الفرح "طفلًا" يضحك، ويهرول نحو ساحة المسجد لأداء الصلاة في العراء.

"هذه ضريبة الغربة، والثمن الذي يدفعه المغتربون شوقًا لكل جميلٍ هنا" يضيف الشاب الذي عاد بذاكرته إلى يوم الرحيل، حينما هرب "ولم يلتفت للوراء خشية الرجوع".

يتابع: "أحب غزة لكن ضريبة العيش فيها كبيرة. عملت، وتزوّجت، وأنجبت طفلين، وعدت لها كرب أسرة. لا أخفيكم طوال تلك السنين فكرت كثيرًأ بالعودة، لكن لم تتح لي الفرصة لأفعلها سوى الآن".

"العيد فيها حقيقي" هذا ما قالته زوجته له، "هنا يفرح الناس، ويعيشون كل التفاصيل، يأكلون الكعك والمعمول، ويشهدون ذبح أضحياتهم. "لأول مرةٍ ندرك فرحة هدايا اللحم، والعيدية، وزيارة الأقارب. هذا حُبٌ لا نريد تركه، "كأننا في الجنة".

الوصف السابق انصب على مسامع "نوى" متشابكًا. أسرة عبد الرحمن تريد التحدث مرة واحدة، فاصلٌ مبهجٌ ومبهرٌ في حياتهم لا يريدون له أن ينتهي! فاصلٌ جعل زوجته التي تزور فلسطين للمرة الأولى، وهي مصرية الأصل، تستذكر طفولتها بدموع عينيها. 

تتمنى لو كانت البلاد كأي بلاد أخرى في العالم، تتمنى لو كانت أسرتها تحضر طقوس العيد وكل هذا الحب والفرح! "يا الله لو لم تكن غزة محاصرة" تزيد، وتتنهّد.

بالعادة، يخشى أبناء القطاع من المغتربين، زيارة عائلاتهم هنا. هم يخافون طريق المرور عبر معبر رفح البري، ويخشون إغلاقًا مباغتًا يقلب حياتهم كلها، يخافون الحصار، ويخافون العدوان، والقصف، ويخشون أن يعودوا بعائلاتهم فيصبحون على حربٍ تحرمهم العودة لمستقبلٍ هناك تعبوا حتى صنعوه.

تصف مها عودة الأمر بـ"المغامرة الكبيرة"، يفكر المغتربون فيها مئات المرات، ويضعون السيناريوهات الأسوأ في الحسبان دائمًا، "فيخبرون مدراءهم في العمل عن طبيعة الأمر. أمرٌ لا يتفهمونه بالمطلق، لكنه يجعلهم مستعدين لأي طارئ يمنعنا من العودة لأعمالنا" تكمل.

في زيارة مها الأولى بعد سبع سنوات من الغربة، تؤكد أن زيارة غزة، والأهل فيها، أمر يستحق المغامرة. وتزيد: "غزة مليئة بالقصص، العيد لا مثيل له هنا. العيد عيد بمعنى الكلمة، الاستيقاظ باكرًا، واستقبال الضيوف، والحصول على العيدية برغم كل أوجاع الناس، كلها أمورٌ تستحق".

أكثر ما أثّر في مها، فرحة أولادها الثلاثة أحمد وحسام وآدم، وانبهارهم بالأجواء، وردّهم على الناس عند السؤال الأشهر، مين أحلى، عيد غزة أو عيد السويد؟ فيجيبون بالطبع غزة!

يستلم ابنها أحمد (12 عامًا) دفة الحديث، ويتابع: "تمنيتُ لو كان بابا معنا، عشان يشوف العيد"، وعند سؤالنا عن شكل العيد في الغربة أجاب بعفوية: "لم يكن لدينا عيد، لا أحد يزورنا، ولا أحد يعطينا الأموال مثلما أعطونا هنا". تضحك أمه وترد لتصحح قوله: "ليست أموال يا أحمد، إنه مال، ويسمون هذا المبلغ هنا عيدية يا ماما".

لا تخفي مها حزنها بأن عودتها إلى السويد قريبة. تقول: "أنا خائفة على أولادي، ومتأكدة أنهم سيصابون باكتئاب. ليس لنا أحد هناك، وتقريبًا يوميًا أسمع جملة:س لا نريد السفر يا أمي".

في هذه البلاد ليس للناس خيارٌ غير الفرح، هم مرغمون على انتزاعه من بين كل فرص العيش الضيّقة الممتدة بين أسوار سجننا الضيق، هنا، في غزة التي تلملم أوجاعها وتطبطب على كتف المغتربين المشتاقين للعيد، وكل مواسم الحب المتناثرة "صدفة". فحتّى في الأعياد تباغتنا الحروب وتطحن أرواحنا، إن لم تكن عدوانًا عسكريًا، فبالتأكيد "لمّة وفراق"، وفق أهواء المُحاصِرين.

كاريكاتـــــير