شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الخميس 09 اكتوبر 2025م12:24 بتوقيت القدس

صندوق تعويضاتهم معطل منذ 2007م!

مصابو حوادث الطُرق بغزة.. "ظلمٌ" بعُمر الانقسام

05 ابريل 2022 - 14:26

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

لا تستطيع المواطنة صفية عاشور، حتى اليوم، أن تحني ظهرها دون أن تشعر بألمٍ شديد في ساقيها وعمودها الفقري، رغم مرور 11 عامًا على حادث السير الذي تعرّضت له برفقة زوجها وطفلتها الرضيعة، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك ثمانية أشهر.

تسرد صفية (33 عامًا) لـ "نوى" تفاصيل الحادث الذي وقع في شارع صلاح الدين، بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة فتقول: "أصيبت طفلتي في رأسها ما أفقدها القدرة على الرؤية لولا جهاز تم تركيبه لها يساعدها قليلًا"، مضيفةً: "زوجي ما زال يعاني من ألم شديد في قدمه، فقد وضع له الأطباء ١١ مسمار بلاتين، وخضع لنحو ١٤ عملية جراحية حتى يستطيع المشي".

لم تكن صفية تعلم أن هذا الحادث سيقلب حياتها تمامًا، إذ أصبح زوجها  بعده عاطلًا عن العمل، ومعيلها الوحيد هي وأطفالها الأربعة والدها، الذي تراكمت عليه الديون حتى يستطيع دفع تكلفة علاجها في القاهرة.

ولأن السيارة لم تكن مؤمّنة، اضطرت صفية لرفع دعوى على السائق، وقد حكمت المحكمة  بتعويضٍ مادي كان يفترض أن يدفعه الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق، "إلا أننا لم نحصل عليه بسبب تعطل الصندوق" على حد قولها.

يغطي الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق، الحوادث التي تُعفى شركات التأمين من مسؤوليتها بموجب القانون

ويشكو عدد كبير من المواطنين في قطاع غزة من امتناع الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق عن دفع مستحقاتهم، رغم مطالبتهم بإنهاء معاناتهم المستمرة منذ عام 2007م، عبر رفع آلاف الدعاوى في محاكم القطاع، وتقديم عشرات الشكاوى إلى المؤسسات الحقوقية.

ويغطي الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق، الحوادث التي تُعفى شركات التأمين من مسؤوليتها بموجب القانون، كأن يكون السائق مجهول الهوية، أو المركبة قانونية وغير مؤمنة، أو في حال أفلست شركة التأمين، أو إذا كان السائق عموميًا يملك رخصة مركبة خاصة قانونية، أو في حال انتهت رخصة السائق منذ أكثر من سنة، أو رخصة المركبة بما يزيد عن 90 يومًا.

ومثل صفية، يشكو والد المُصاب تامر زقوت (27عامًا) من سكان مدينة غزة، تضرره من تعطل عمل الصندوق في القطاع، فابنه أُصيب بإعاقةٍ في قدمه إثر حادث الدهس الذي تعرض له بينما كان يعبر الشارع، ما تسبب له بعجز تقدر نسبته بنحو 20%، الأمر الذي أقعده عن العمل.

والد تامر قضى شهورًا طويلة يتنقل بين بيته والمستشفى من أجل استكمال علاج ابنه، "لكن العلاج مكلف جدًا، وقد استدنتُ المال من أقاربي ومعارفي لاستكمال تكاليفه" يقول، مستدركًا: "لكنني عاطل عن العمل، ولا أعرف كيف سأسدد هذه الديون كلها".

موارد الصندوق

ويقول مدير مكتب غزة والشمال في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، المحامي رأفت صالحة: "إن موارد الصندوق حسب القانون تُحال من شركات التأمين، بنسبة 17% عن كل بوليصة تأمين يتم تسجيلها"، مبينًا أن الهيئة  تابعت هذا الملف منذ سنوات، واجتمعت بممثلي الصندوق الذين أوضحوا أسباب تعطله عن دوره في قطاع غزة، وأبرزها "أن الشرطة لم تعد تلزم السائقين بالتأمين، وكل الحملات التي تنظمها لرخصة المركبة، مما جعل موارد  الصندوق في تراجع إلى أن توقفت بشكل  شبه كامل".

المحامي صالحة: "ما ترتب على الانقسام الفلسطيني ليس ذنب المواطن الذي تعرض للإصابة"

ويؤكد صالحة أن هذا انتهاكٌ صارخٌ للقانون، مطالبًا الحكومة في قطاع غزة، بضرورة استدراك الأمر ومعالجته، حتى يتمكن الصندوق من تأدية مهمته المنوطة به وفق القانون"، معقبًا بالقول: "ما ترتب على الانقسام الفلسطيني ليس ذنب المواطن الذي تعرض للإصابة". 

وما يدل على مخالفة إدارة الصندوق للقانون من خلال تنصلها من مهامها تجاه مصابي حوادث الطرق، نص القانون الذي يقول: إنه في حال عجز الصندوق عن الإيفاء بالتزاماته تجاه ضحايا الحوادث، تتحمل وزارة المالية هذا العجز من خزينتها العامة لخطورة الأمر".

ووفق سجلّات مكتب تحقيقات حوادث المرور في قطاع غزة فإنه "منذ العام 2020م، فقد 46 مواطنًا حياتهم بسبب حوادث المركبات، وأصيب 893 آخرين، 39 منهم بإصابات خطيرة".

توجهت "نوى" إلى المحامي أسامة الهيثم الذي تولّى عدّة قضايا تتعلّق بالصندوق، فأوضح أن الصندوق توقف في قطاع غزة مع بداية الانقسام الفلسطيني، منوهًا إلى أن محاميه لم يحضر جلسات المحاكم وقتًا طويلًا "بصفة أن الجهة القائمة عليها غير شرعية"، ثم  عاد وحضر من يمثل الصندوق، وهذا التغيير مبني على أهواء إدارة الصندوق، "لكن المتفق عليه حسب ما يبدو عدم دفع أي مبالغ لمصابي غزة".

المحامي الهيثم: رغم وجود آلاف القضايا التي تم الفصل فيها، ما زال الصندوق  يمتنع عن دفع المبالغ التي حكمت بها المحكمة

وأضاف: "رغم وجود آلاف القضايا التي تم الفصل فيها، ما زال الصندوق  يمتنع عن دفع المبالغ التي حكمت بها المحكمة، فهو يُحصّل الرسم المقرر عن كل بوليصة تأمين يتم تسجيلها في قطاع غزة، ويُرحّلها إلى إدارة الصندوق في الضفة، فغزة للجباية فقط".

وقسمت إدارة الصندوق  منذ نحو 6 سنوات، حالات الحوادث إلى قسمين، الأول: ما قبل 12/7/2007م، "وهذا حادث شرعي يعوض فيه المصاب، مع ابتزازه بخصم أتعاب المحامي، وغلاء المعيشة"، والثاني: ما بعد التاريخ المذكور، وهذه الحوادث لا يتم التعامل معها.

وانتقد الهيثم ما تمارسه إدارة الصندوق في غزة، خاصةً أنها ما زالت تسترد أموالها من السائقين، وهو ما يعرف بدعاوى الرجوع: (إذ يدفع الصندوق للمصاب مستحقاته بالكامل، ثم يرفع قضية على السائق حتى يدفع المبلغ  كاملًا أو بالتقسيط)، مطالبًا بدفع المبالغ عن طريق الحسابات الشخصية للمتضررين، أو من خلال محاميهم، دون المرور بمحاكم غزة .

تفعيل صندوق بديل

بدوره، يقول مفتش عام حوادث المرور في الإدارة العامة لشرطة المرور والنجدة بغزة، المقدم مصطفى الشاعر: "الصندوق الفلسطيني القديم متوقف منذ عام 2008م بسبب الانقسام، وعليه مبالغ تقدر بملايين الدولارات"، مؤكدًا أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تدرس إمكانية تفعيل صندوق بديل.

ويوضح، أن الحكومة بغزة، واجهت عقباتٍ عديدة منها: استمرار الانقسام، وعدم قدرتها على إلزام السائق بوثيقة التأمين في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، ورفض شركات التأمين ترحيل العوائد المالية وفقًا لقانون التأمين رقم (20) لعام 2005م، كلما حاولت إعادة تفعيل الصندوق الفلسطيني، ملفتًا إلى أنه في ظل ارتفاع أعداد ضحايا الحوادث المرورية، هناك مقترحاتٌ تُناقش ضرورة تفعيل الصندوق، أو بديلٍ عنه.

ويتابع: "الحكومة بغزة تدرُسُ تجزئة الإشكالية من خلال تجميد الأموال المتراكمة على الصندوق، على أن تنظر وزارة المالية بهذه الأموال لاحقًا، ثم تسوي الأمر مع المتضررين، وفقًا لآليات وشروط محددة"، مؤكدًا أنه في حال تم إنشاء الصندوق من تاريخه، سيُنظر في القضايا حسب قانون التأمين.

ويطالب مفتش عام حوادث المرور، شركات التأمين، بتحويل النسبة المئوية التي تحددها هيئة سوق رأس المال لضمان وجود دخل مالي للصندوق، مبينًا أن أي مركبة جديدة تدخل القطاع تُلزم بإصدار وثيقة تأمين.

ويزيد: "نحاول التخفيف عن كاهل أصحاب المركبات من خلال التسهيلات التي تم تقديمها مؤخرًا، وفي حال التزام السائقين، سيكون هناك حافز لشركات التأمين من أجل دفع الأقساط"، منبهًا إلى أن تفعيل الصندوق مرهونٌ بتحسّن الوضع الاقتصادي لقطاع غزة، إضافة إلى الوضع المروري أيضًا.

كاريكاتـــــير