شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م10:56 بتوقيت القدس

حرب إسرائيلية على الصناعة الفلسطينية شرق غزة

25 مايو 2021 - 11:41

غزة:

بدت الصدمة واضحة على قسمات وجه الشاب جهاد علوان وهو يدور على أنقاض المصنع الذي كان يعمل فيه ويقلّب بقايا البضائع التي تحترق قائلًا بغضب:"هي تنكات زيت قلي وأغلفة باكيتات شيبس شو عملت للاحتلال عشان يقصفها!! شو عمل المصنع للاحتلال عشان يقصفه ويضيّعنا".

يضيف جهاد وهو ينادي بعلو صوته: "أكثر من 50 عامل أنا وزملائي بضربة واحدة فقدنا عملنا مصدر رزقنا، شو ذنبنا، من وين أصرف على بيتي وأطفالي، من وين أصرف على أهلي وإخوتي".

في التفاصيل، فقد شن الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا جديدًا على قطاع غزة منذ 10 مايو واستمر 11 يومًا مخلّفًا نحو 290 شهيدة وشهيدًا بينهم 67 طفلًا، فيم دمر عددًا كبيرًا من المصانع في قطاع غزة ما تسبب في حرمان آلاف العمال من عملهم.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا استهدف الاحتلال المنشآت الصناعية في العدوان على غزة؟

في المدينة الصناعية المُقامة شرق مدينة غزة على مساحة 480 ألف متر مربع منذ عام 1996، لتكون بعيدة عن أي أحداث ميدانية، ظنّ المستثمرون أنها مؤمّنة من أي عدوان، لكن كما العادة لا خطوط حمراء للاحتلال، فهذه المرّة استهدف بشكل مباشر العديد من المصانع في المنطقة ما تسبب بفقدان آلاف العمال لعملهم.

مصنع الحرير للاستيراد والصناعات الغذائية، هو واحد من المصانع التي تم استهدافها، يعمل في مجال توفير المواد الخام الخاصة بمصانع الشيبس من نكهات وأغلفة وكراتين وغيرها، لكن صواريخ الاحتلال سوّته بالأرض وتحوّل إلى أكوام من الفحم المشتعل.

عودة إلى جهاد الذي يقول: "أسكن في مدينة جباليا شمال قطاع غزة، وعملت هنا في مصنع الحرير، ومنه أنفق على زوجتي وأطفالي ووالديّ وإخوتي، الآن أنا بلا عمل بأي ذنب! كيف سأواجه أطفالي وأنا لا أستطع توفير أي التزامات لهم"، ما يزيد الوضع سوءًا في عيني الشاب هو إدراكه لصعوبة الحصول على فرصة عمل أخرى في منطقة تزيد نسبة البطالة فيها عن 54%.

وبينما جهاد يدور على أنقاض البضائع التي تحترق وهو يضرب كفًا بكفٍ، يقول زميله محمد مرزوق: "المصنع كان يضم بضائع من أول الحائط حتى الباب، كله احترق، حتى الآلات احترقت، لم يبق شيء في المكان".

ويضيف:" الاحتلال يريد ضربنا اقتصاديًا، هذه منطقة يفترض أنها مؤمّنة، فلماذا تم قصفها، نحن كلنا عمال فاتحين بيوت، فقط من يعمل في هذا المصنع 50 عامل، يعني 50 أسرة، يعني أطفالنا جميعًا لن يجدوا مأكلًا ولا حتى مصروف المدرسة".

اقرأ/ي أيضًا :حرب تجهيل..الاحتلال يستهدف المراكز الثقافية بغزة

ويتساءل الشابان جهاد ومحمد عن الدور الذي يمكن أن تؤديه الأمم المتحدة لحمايتهم، فهم كما غيرهم من العمال طالبوا بتدخل أممي لتعويض أصحاب المنشآت بما يضمن عودتهم إلى عملهم سريعًا، وكذلك بحمايتهم من بطش الاحتلال الذي يتعمّد زيادة نسبة البطالة.

سامي البطش، هو أحد الشريكين للمصنع، بصعوبة كان يتحدث، فحجم خسارته كارثي وكبير، يقول بصوت متقطّع :"50 عاملًا لدينا فقدوا عملهم، ناهيك عن عمال مصانع أخرى تعتمد علينا حتمًا سيفقدون عملهم".

ويقلّب كفيه قائلًا :"كل المواد عندي انحرقت لم يبقَ لا بضاعة ولا حتى آلات كلها احترقت، مش قادرين نحدد خسائرنا ولكن بتقدير أولي فقدنا مليون و 200 ألف دولار".

ويبدي الرجل تخوّفًا من المرحلة المقبلة، فهناك التزامات للشركات التي يورّد لها البضائع سيتأخّر عليهم، فهل سيتعاطفوا معه، حتى وإن فعلوا فهم حتمًا سيضطروا للجوء إلى منتجات أخرى وتنتهي علامته التجارية.

ويبدو حائرًا وهو يقول: "جئنا للاستثمار في المنطقة الصناعية لأنها آمنة كما كنا نظن، هنا أدفع إيجارًا للمصنع والمخازن بسعرٍ يمكّنني من شراء دونم أرض كامل خارج المكان، ليس لدي أي بضائع خارج المنطقة، كلها وضعتها هنا، وهنا فقدت كل شيء".

وتسببت جائحة كورونا منذ بداية العام الماضي في تراكم كميات كبيرة من المواد الخام في المصانع، وكان يأمل التعويض في هذه المرحلة، فخلال الأيام التي سبقت العدوان أدخل إلى مخازنه 10 سيارات شحن مليئة بالبضائع كلها احترقت بالكامل.

وعاد الرجل لينظر إلى بقايا مصنعه الذي يشتعل ورغمًا عنه باغتته الدموع وهو يقول :"مش قادر أحكي مصيبة إذا ما تعوّضنا بسرعة، بنتدمر وبننتهي من السوق".

عشرات العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم نظموا يوم أمس اعتصامًا في المنطقة الصناعية، مطالبين بسرعة تعويض أصحاب المصانع ليتمكنوا هم بدورهم من العودة إلى عملهم وإنقاذ أسرهم، وتساءلوا عن دور الأمم المتحدة في توفير الحماية لهم في ظل عدم احترام الاحتلال لأي منطقة مهما كانت طبيعتها.

وكيل وزارة الصناعة د.رشدي وادي، والذي كان يعقد اجتماعًا مع أصحاب المصانع المتضررة في المنطقة الصناعية، لبحث سبل توفير الدعم لهم ومنع انهيار الحالة، وحصر الخسائر.

يقول لوادي لنوى :"لا نتحدث حتى الآن عن أرقام دقيقة، لكن لدينا 8 مصانع سوّيت بالأرض و 8 أخرى نصف مدمرة، بالإضافة إلى فقدان أكثر من 2000 عامل مصدر دخله، الخسائر المبدئية نحو 30 مليون دولار وبعد الحصر تتضح الأمور أكثر".

حجم البطالة في قطاع غزة في ظل جائحة كورونا وصل إلى 53% في قطاع غزة، وما حدث في العدوان الإسرائيلي الأخير سيرتفع نسبة البطالة حتمًا مع استهداف هذا القطاع الصناعي الذي يسهم في 8-10% من الدخل المحلي، يقول وادي.

اقرأ/ي أيضًا :كيف هو شكل جهنّم؟ ناجون من الحرب يتساءلون

لكن المخيف أكثر بالنسبة لأصحاب المصانع – كما يوضح وادي- هو تكرار تجربة 2014 الذي لم يتلقَ المتضررون فيه أي تعويضات حتى الآن، وهذا بسبب ضغط الاحتلال على الدول المانحة، لأنه يستهدف تقويض الاقتصاد المحلي.

فالاحتلال يريد تركيعنا اقتصاديًا ونفسيًا ويعمل على إلحاق الاقتصاد الفلسطيني باقتصاده-يقول وادي- لكن للأسف إمكانيات الحكومة الحالية لا تستطيع تعويض هذه المبالغ المهولة، وحتمًا نحن بحاجة إلى دعم مالي خارجي.

خارج المنطقة الصناعية أيضًا، استهدف طيران الاحتلال الإسرائيلي الحربي بشكل مباشر مجموعة من المصانع التي سوّيت تمامًا بالأرض، ولم يبقَ منها شيئًا لا مواد خام ولا آلات التصنيع.

فومكو لإنتاج الاسفنج كان واحدًا من المصانع التي تسم استهدافها شرق مدينة غزة، وهو مصنع يغطي حاجة السوق المحلي من منتجات الاسفنج كاملة ويشغّل نحو 65 عاملًا، جميعهم الآن باتوا بلا عمل.

في زيارة للمصنع الذي ما زالت بقايا الاسفنج ولفائف القماش فيه تحترق، بدا واضحًا أثر الدمار الذي حطّم كامل المعدّات والمواد الخام ومبنى المصنع، واختلطت جميعًا ببعضها، بينما ما زالت أعمدة الدخان تنطلق من ركام القماش والاسنفج.

صاحب المصنع امتنع عن الإدلاء بأي تصريحات صحفية، فهول الصدمة كان كبيرًا، وترك لمحمد شاهين رئيس قسم الصناعات التحويلية بوزارة الاقتصاد الحديث.

يقول شاهين إن مصنع فومكو تدمّر بالكامل، بكل مرافقه، وقدّرت خسائره الأولية بما يزيد عن 2 مليون دولار مباشرة، لكن اللجان لم تنتهي بعد من حصر وتقييم الأضرار، ناهيك عن العمال الذين فقدوا عملهم.

ويبدي شاهين غضبه لاستهداف الاحتلال المصانع بقطاع غزة، فهي مدنية وليست أهدافًا عسكرية، لكن الاحتلال يسعى للإضرار بالاقتصاد الفلسطيني عمدًا، إلا أن الوزارة ستعمل مع الغرفة التجارية والداعمين من أجل تعويض العمال لإعادة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها في قطاع غزة.

بقايا مصنع الحرير 

لقاء وكيل وزارة الاقتصاد رشدي وادي مع أصحاب المصانع 

اعتصام عمال من المنطقة الصناعية 

تدمير مصنع فومكو

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير