شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م06:34 بتوقيت القدس

عن الفلسطيني "السعيد" في أرض "الحصار"

24 مارس 2021 - 11:25

شبكة نوى | قطاع غزّة:

قبل أن تبدأ بقراءة هذا التقرير –صديقي الفلسطيني متابع "نوى"- دعني أسألك سؤالًا واحدًا، لكن لا تُجب عليه إلا بعد أن تختم هذه السطور. هل أنت سعيد؟

ربما لم يصادفك هذا الخبر بعد: "فلسطين في المرتبة الثانية، تبعًا لمؤشر السعادة العالمي بعد فرنسا"! وعليه، يجب أن أفترض –أنا معدة التقرير- أنك سعيدٌ من داخلك، حتى وإن لم يبدُ هذا على ملامحك، أو هندامك، أو طبيعة تصرفاتك الناجمة عن عدم إيجادك لعملٍ يقي عائلتك ذل السؤال منذ سنواتٍ طوال.

"أنتَ سعيد فلا تخفي عنا ذلك"، رغم أنت ترزح تحت احتلالٍ عمره فاق السبعة عقود، وحصارٍ –لو كنت ابن غزة- بعمر 15 عامًا، وحروب، وفقر، وبطالة، وإغلاق، وكورونا. "لا تخشى الحسد.. أنت سعيدٌ فاعترف".

في الحقيقة، هذا الخبر، أثار سخرية أهالي فلسطين قبل عدة أيام، تحديدًا سكان قطاع غزة: فكيف يمكن أن تحقق فلسطين هذه المرتبة، بعد كل ما سبق؟!

الخبر الذي انتشر كما النار في الهشيم بتاريخ الـ 20 من مارس/ آذار الجاري، جاء تزامنًا مع احتفال العالم بيوم السعادة الدولي، وهو اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 2013 اعترافًا منها بأن السعادة حق لكل إنسان، وأنها تتحقق بزوال الظروف التي تقهر نفسيته وتحطم طموحاته وآماله.

ووفق تحقيق "مسبار" للأخبار الزائفة، يعود أصل القصة إلى نشر تلفزيون "فلسطين" عبر حساباته الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي، في التاريخ المذكور، خبرًا مفاده أنّ فلسطين تحتل المرتبة الـ 22 عالميًا ضمن مؤشر الدول الأكثر سعادة!

لكنّ الحقيقة، وبحسب الإحصائية الرسمية للدراسة، فإن فلسطين تحتل المرتبة الـ 125 عالميًا ضمن مؤشر السعادة، ولم تكن في المرتبة الـ 22 عالميًا، أو الأولى عربيًا، كما أوردت القناة.

دولة الإمارات هي الأولى عربيًا، والبحرين هي التي احتلت المرتبة الـ22 عالميًا. "وهذا هو المنطق أصلاً" يعلّق أيوب إدريس.

فالمنطق بوجهة نظره، يقول إن الدول السعيدة، تتوفر فيها الحاجات الأساسية للأفراد، من ناحية العمل، والخدمات الصحية، "وهذا لا يشبه ما تعيشه غزة أبدًا" يضيف، معددًا على أصابعه: منع المرضى من السفر لتلقي حقهم في العلاج، نقص الدواء، قلة فرص العمل، هجرة العقول، قلة المرافق، ارتفاع الأسعار، تنفّذ المسؤولين، واختراق الواسطة "فأي سعادة هذه التي تؤهلنا للوقوف في المرتبة 22 عالميًا؟" يتساءل بتهكّم.

بنفس السؤال، بدأ أيوب (29 عامًا) حديثه مع "نوى"، مستغربًا الخبر! كان له الحق في أن يسأل: "أي سعادة عفوًا؟"، وهو الذي درس هندسة الحاسوب قبل نحو ثماني سنوات لكنه لم يحظ بوظيفة في نفس تخصصه بسبب البطالة التي تنهش عظام شباب قطاع غزّة، وتأكل أرواحهم، وفق قوله.

ويضيف: "من الجيد أننا دخلنا التصنيف وإن كانت ترتيبنا مأساويًا، فالواقع هنا أشد مأساة، بين احتلال، وفقر، وحصار، وحروب، وبطالة، وانعدام للأمان"، مع كل هذا يبدو أننا كذبنا الكذبة وصدقناها بخصوص أننا في المرتبة الـ 22 لمؤشر السعادة؟ وفق تعبيره.

ويعرف الشاب السعادة بمفهومه الشخصي، بـ "الهجرة.. إلى حيث لا يعرفني أحد، إلى مكانٍ لا أرى فيه الحزن والأسى في عيون الناس، أن لا أسمع همّ أحد، أن لا أرى مريضًا لا يجد علاجه، ولا عاطلًا عن العمل لا يجد قوت يومه"، يصمت قليلًا ثم يضيف بصوتٍ مرتجف: "أن أكون في مكانٍ ليس فيه احتلال.. هذا يكفي".

وردة حبيب، أضافت على تعريفه قولها: "السعادة، هي أن لا أُجبر على سرد قصتي مع البطالة، والفقر، أو حتى أن أجيب عن تبعات الحصار، والعدوان الإسرائيلي، لأي صديقٍ افتراضيٍ يسألني عن ذلك من الخارج".

تصف وردة أنها كلّما دخلت بنقاش عن ظروف العيش في القطاع، تشعر أنها "بمسلسل درامي" فلا الاحتلال ينتهي، ولا المآسي تقل، "بل يزيد وقعها كل يومٍ سوءًا ومقتًا".

أما إنصاف خضير، فما أن سمعت الخبر الزائف حول أن "فلسطين في المرتبة الـ 22 عالميًا كدولة سعيدة" حتى علّقت ساخرة: "نحن من أتعس شعوب العالم، كيف دخلنا التصنيف أساسًا؟".

يقاطعها شقيقها الصغير هيثم بسؤاله –الذي لعله أحرجها قليلًا- "ليش؟ مش إنتي بتحكي إنك بتكوني في قمة سعادتك لما تروحي عالبحر مع صاحباتك؟".

لم تنكر إنصاف الإجابة، لكنها أخذت تضحك ساخرة وهي تقرص خد شقيقها: "أمسكتني من يدي التي تؤلمني"، معقبةً: "بحر غزّة، ربمّا هو المتنفس الوحيد الذي يلجأ إليه الناس للتنزّه، ربّما هو واحد من أحلى الخيارات المرّة أمامهم في محاولة انتزاع القليل من السعادة وسط البؤس القائم بكل الأحوال".

هنا اتفق معها الصغير الذي أكمل عنها الحديث: "أنا كذلك، خصوصًا في الصيف، يوم يسمح لي بابا بالسباحة دون التذرع بتلوث مياه البحر".

ويعتمد التقرير ستة معايير لقياس السعادة، منها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط عمر الفرد، وحرية اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى جودة الخدمات الصحية والتعليمية، وانعدام الفساد، وانتشار العدل.. هيا الآن، بإمكانك أن تجبني عن سؤالي بداية التقرير: هل أنت سعيد؟

كاريكاتـــــير