شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الخميس 09 اكتوبر 2025م12:05 بتوقيت القدس

عبء التغطية المنزلية وانعدام الفرص..

فلسطين.. هنا صحافيات قلبَت حياتهن الجائحة

16 ديسمبر 2020 - 21:46

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

مع الإعلان الأول لحالة الطوارئ في الضفة الغربية، في الرابع من مارس/ آذار الفائت، بدأتُ مرحلةً جديدةً بعملي الصحافي الميداني، التزمتُ العمل من المنزل لثلاثة أشهر متواصلة، فطفلتي ذات السنوات الأربع ضعيفة المناعة، ولا يمكن المخاطرة بنقل العدوى إليها.

العمل من منزل في بداية الجائحة لم يكن سهلًا، كان علي إنتاج قصص صحفية مع وجود أطفالي في البيت، وأيضًا القيام بكافة الواجبات البيتية.

وبحكم عملي كمراسلةٍ حرة، لعدد من المواقع العربية والدولية، فإن تأثير هذه الأوضاع كانت مُضاعَفَة، المواضيع المقبولة من طاقم التحرير، قُلِّصت لتقتصر على مواضيع تتناول الجائحة في الضفة الغربية، التي تحتاج عادةً إلى عملٍ ميداني، وتواصلٍ مباشر مع المصادر، وحلولٍ يجب خلقها لتجاوز ذلك.

هذه الحالة لم تكن خاصةً بي وحدي أنا "الصحافية عزيزة نوفل"، معدة هذا التقرير، بل كانت عامةً طالت جميع الإعلاميات بتفاوت، حسب ظروف عملهن وحياتهن الخاصة، حتى وصل الأمر لخسارة العشرات عملهن بالكامل، أو العمل في ظروف صعبة للغاية للحفاظ  عليه.

تأثير مباشر

الإعلامية "أماني سراحنة" خاضت، وما زالت، تجربةً صعبةً في العمل تحت وطأة كورونا، فسراحنة، تعمل ناطقةً إعلامية في مؤسسة تُعنى بقضايا الأسرى، الملف الذي يحتاج إلى متابعة يومية، وإعداد تقارير دائمة، وتصديرها لوسائل الإعلام.

وتعاني سراحنة (33 عامًا) من مرضٍ مزمنٍ أضعف مناعتها، وقبل انتشار "كورونا" في فلسطين بشكله الحالي، أصيبت بوعكة صحية صعبة جدًا، عانت خلالها من مضاعفاتٍ تتشابه مع أعراض الفايروس، وهو ما خلق حالةً من الرعب لدى عائلتها، التي عاشت تجربةً سابقة بفقدان شقيقتها بعد إصابتها بإنفلونزا الخنازير عام 2009م.

هذا التخوف يلازم سراحنة وعائلتها حاليًا، وهو ما يجعلها تتعامل بحذرٍ أكبر، وبالتزام بيتها في حال ظهور أي أعراض مرضية عادية، وكل ذلك يجعل تجربتها في العمل الإعلامي "قاسية" كما تصف لـ "نوى".

وتقول: "الصحفية ملزمة بالقيام بعملها رغم المرض، لأنه في حالة الانقطاع، يصعب عليها المتابعة اليومية فيما بعد".

وحتى مع عملها المكتبي، تتخذ سراحنة إجراءات وقاية مشددة، فهي تعمل في غرفة منفصلة عن زملائها، ولا تسمح بالزيارات، وتراعي عدم مخالطة  أحد إلا بالحد الأدنى.

وإن تعددت صور تأثير الجائحة على الإعلاميات، فإن تبعاتها كانت كبيرة على معظمهن، وفق ما أظهرت نتائج استطلاعٍ إلكتروني، أعدته مؤسسة "فلسطينيات"، شمل  78 إعلامية فلسطينية، حول التأثير الاجتماعي والاقتصادي، تم إنجازه على فترتين: الأولى في أغسطس/آب الفائت، والثانية في أكتوبر/ تشرين أول.

وأظهرت النتائج أنه خلال الإغلاق الأول خلال آذار/مارس 2020م، اضطرت 44% من الصحفيات الفلسطينيات للعمل من بيوتهن بشكل دائم لمدة شهر على الأقل، بينما أكدت 33% منهن أنهن عمِلنَ لأكثر من ست ساعات يوميًا، فيما قالت 63% من الصحفيات: "إن جائحة كورونا فرضت ساعات عمل أكثر من المعتاد".

ونتيجةً لضغط العمل من البيت، فإن نحو 68% تعرضن لضغوطٍ نفسية بسبب زيادة أعباء العمل من البيت –تبعًا لنتائج الاستطلاع- بينما أثرت هذه الضغوط على علاقة 55% من الصحفيات بأفراد العائلة، أو أدت إلى الانقطاع عن الأصدقاء والمقربين.

وأظهر الاستطلاع تراجع الدخل الشهري لـ 60% من الصحفيات الفلسطينيات، أو انخفاض مكافآتهن المالية بمستويات مختلفة، ناهيك عن أن نحو 35% منهن، أُبلغن بوقف عملهن بشكل دائم، فيما تراجع دخل 56% من المستطلَعات آراءهن، بسبب "إجراءات إدارية من مؤسساتهن"، أو "ضعف ميزانية المؤسسة"، وفي المقابل تراجع دخل 28% منهن بسبب الإغلاق، وعدم القدرة على الحركة والتنقل.

الصحافية جيهان عوض، التي تعمل مراسلةً حرة لصالح قناة "الجزيرة مباشر"، لها تجربة مختلفة، فبحكم عملها التلفزيوني، كانت تخرج يوميًا للعمل، وفي بداية الجائحة، كانت الوحيدة من بين أفراد عائلتها المكونة من والدتها وأشقائها وأطفالهم، التي تعمل خارج المنزل، وما زاد العبء المُلقى على عاتقها، تغطيتها لقضايا تتعلق بالكامل بالوباء، مثل مختبرات الفحص، وبؤر انتشار الفيروس.

وفي حال عودتها إلى البيت، تحاول عدم مخالطة أحدٍ من قريب، ولا حتى الاقتراب من والدتها المسنة، رغم اتخاذها كافة إجراءات الوقاية الذاتية، إذ تقوم بتعقيم كل ما تلمسه بمضخة التعقيم التي اشترتها على حسابها الشخصي.

تقول عوض لـ"نوى": "كنت أتعامل على أنني مصابة، ومن شدة التزامي بالتباعد بيني وبين أفراد عائلتي، ظنوا أنني مصابة بالفعل، ولا أريد إخبارهم".

التدخلات الرسمية والنقابية

وسط كل هذه التحديات التي لا تزال مستمرة، يبرز السؤال عن دور المؤسسات الإعلامية المحلية في دعم الإعلاميات وتقديم التدخلات المادية والمعنوية، والتدريبات التي تمكنهن من التعامل مع هذه التحديات، في حين استطاعت العديد منهن، وبحكم علاقاتهن الشخصية، الاستفادة من بعض برامج المنح الدولية التي خُصّصَت لدعم الصحافيات.

هذا الغياب تقرأه المستشارة الإعلامية لبنى الأشقر، في سياق محدودية التدخلات الحكومية الرسمية، التي تراعي ظروف المرأة عمومًا في ظل الجائحة، لا سيما فئة الإعلاميات التي غابت قضاياهن عن الهم العام.

تقول: "خلال الفترة الأولى من الجائحة، غابت الحلول المقدمة للإعلاميات اللواتي اضطررن للخروج لعملهن الميداني، في ظل إغلاق الحضانات والمدارس"، بل إن ما زاد الأمر سوءًا (والحديث لها) عدم متابعة نقابة الصحافيين، التي كان يفترض بها تشكيل لجنة طوارئ داخل النقابة، لحل كل المشاكل التي تعترض الإعلاميات، وتقديم الدعم النفسي والمادي لهن.

لكن ذلك ترافَقَ -حسب الأشقر- مع عدم مطالبة الإعلاميات أنفسهن بهذه التدخلات، خشيةَ خسارة مصدر رزقهن من جهة، وعدم رغبتهن بالظهور بمظهر "غير القادرات"، مقارنةً بزملائهن الرجال، رغم الأعباء المضاعفة التي فرضت عليهن مهنيًا وماديًا وأسريًا أيضًا.

كاريكاتـــــير