شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 23 ابريل 2024م15:29 بتوقيت القدس

رداءة المسكن والصحة والتعليم

زمن "كورونا".. نساء "المَسافر" ورواياتُ قهرٍ وفُقدان/ صور + فيديو

15 ديسمبر 2020 - 14:41

الخليل/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"زوجي يعمل في ورشةٍ داخل الخط الأخضر، وأعيش قلق إصابته بالفايروس أو نقله للعائلة في كل وقت، لا سيما في ظل عدم وجود مركز صحي، أو مكانٍ مخصصٍ للحجر هنا"، بهذه الكلمات لخّصت الفلسطينية فارسة محمد من خربة "الركيز" بمنطقة "مَسافر يطّا" جنوب محافظة الخليل، مخاوفها من انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) في وسط حيِّها وعائلتها.

فارسة (٥٦ عامًا) كما كل نساء الخربة التي لا يزيد عدد سكانها عن 30 فلسطينيًا، عاشت ولا تزال، تجربةً صعبةً بسبب بُعد مسكنها عن مركز المحافظة، وقلة الخدمات الصحية، بالتزامن مع الاعتداءات الإسرائيلية اليومية.

وخربة "الركيز" واحدة من 22 تجمعًا سكانيًا تشكّل منطقة "مسافر يطا" الواقعة أقصى جنوب الضفة الغربية، وتحاذي الخط الفاصل بين أراضي فلسطين المحتلة عام 1967م، والمحتلة عام 1948م، عشرة منها تقع بمحاذاة تجمع مستوطنات، يجعلُها عرضة لاعتداءات المستوطنين.

عائلة "فارسة" نفسها، هدمت جرافات الاحتلال مسكنها للمرة الثانية نهاية أيلول/سبتمبر الفائت، فلجأت للعيش في مغارة أو ما يطلق عليها محليًا اسم "طور"، وهو تجويفٌ صخري اعتاد القدماء على الاحتماء به شتاءً.

تعلّق: "عدنا ألف سنة للوراء نعيش في مغارة مع الأفاعي والزواحف والفئران".

جارتها ريمان مسك، التي انشغلت في إعداد الشاي، هُدم منزلها أيضًا، تقول: "نعد الشاي والطعام على مواقد الحطب بعد أن هدمت الجرافات المنازل على ما فيها من محتويات".

ولم تكن منازل سكان المنطقة، ومن بينها منزل "ريمان"، سوى "بركسات" من الحديد يكسوها النايلون ومسقوفة بالصفيح "الزينكو"، ولكنها بالنسبة لها أفضل من العيش في "الطور" مع خوفها الدائم على طفلها الوحيد "يامن" ابن السبعة أعوام، الذي أنقذته قبل أيام من أفعى كانت تحوم حول فراشه.

ومع انتشار فايروس "كورونا"، يزيد قلق الأم على طفلها الذي يتنقل كباقي طلبة الخربة، بحافلة إلى أقرب مدرسة من التجمع في بلدة الكرمل، التي تبعد ساعة كاملة.

وعن طرق الوقاية من "كورونا"، والإجراءات التي اتخذتها لحماية عائلتها قالت ريمان: "كان علينا عدم المخاطرة بالاختلاط مع أحد خارج التجمع، حتى في المناسبات وفترة الأعياد لم نخرج من هنا".

ويقع أقرب مركز صحي لـ "الركيز"، في خربة "التوانه"، حيث يتواجد طبيب مرة أسبوعيًا، ويُلقى على عاتقه علاج المرضى من 22 خربة مجتمعة.

وتفتقر هذه الخِرب إلى مراكز نسوية أو نشاطات خاصة بالنساء، تضيف: "تتلخص حياتنا بالاعتناء بالأطفال، ومساعدة الرجال في العناية بالمواشي، لا شيء غير ذلك".

الجحيم في عروس المسافر

وليس بعيدًا عن خربة "الركيز"، كانت خربة "خلة الضبع" التي يطلق عليها السكان اسم "عروس المسافر" لجمال جغرافيّتها وارتفاعها على قمة جبل يشرف على المنطقة بالكامل، ولكن واقع الحال في الخربة يختلف بالكامل عن التسمية.

وتقع كل أراضي "خلة الضبع"، التي يسكنها 75 فلسطينيًا، ضمن المنطقة المصنفة (ج)، حسب اتفاق "أوسلو"، أي تحت السيطرة الإسرائيلية بالكامل.

ولأهمية موقعها المطل على أراضي "المَسافر"، يحارب الاحتلال أي تواجد فلسطيني فيها، ويسعى للسيطرة عليها ضمن ما يعرف بمستوطنات "تلال الخليل".

عند وصولنا هناك كانت ابنتا خلة الضبع ليلى وزينب دبابسة، أمام بيوتهن التي بنيت من الطوب المسقوف بالصفيح، وحولهما بُنيت حمامات ومطابخ منفصلة. سألنا عن أوضاعهن، فقالتا: "نحن منسيّاتٌ هنا"، واتفقن على ذلك، فلا بنية تحتية، ولا مراكز نسوية، ولا رعاية صحية للنساء والأمهات خاصة".

وبحسب ليلى دبابسة، فإن التجمع يفتقر للخدمات الصحية بالكامل، وفي حال مرض أحدهم تحتاج العائلة لتأمين سيارة للوصول إلى أقرب بلدة تتوفر فيها مواصلات إلى مدينة "يطا"، وإن لم يتوفر العلاج هناك تكون الوجهة لمدينة الخليل، ما يعني ساعتين من السفر، والمزيد من التكلفة المالية.

تقول ممازحة: "أي مريض يحتاج إلى علاجٍ عاجل، يموت قبل أن يصل إلى الطبيب"، تقاطعها زينب بالحديث عن إحدى السيدات، التي كانت أنجبت طفلها في السيارة خلال نقلها إلى مركز الولادة في "يطّا"، وإصابة طفلها بجرثومةٍ ثم وفاته على إثر ذلك.

في جانبٍ آخر من التجمع، تسكن "أنوار علي" التي أنهت الثانوية العامة، ولم تتمكن من إكمال دراستها الجامعية بسبب ظروف التنقل الصعبة، وتزداد هذه الصعوبة في حال نصب جنود الاحتلال حاجزًا على الطريق.

ولجأت أنوار (28 عامًا) إلى تعلّم التطريز في مركز تدريب بـ"يطا"، وطيلة فترة الدورة التدريبية التي استغرقت شهرين، كانت والدتها ترافقها مشيًا على الأقدام عند غياب مركبةٍ تُقلُّها، وخوفًا من اعتداءات المستوطنين. وحتى هذا التنقل الحذر والشحيح، توقف تقريبًا منذ انتشار وباء "كورونا".

الولادة في زمن "كورونا"

مع بداية الجائحة، كانت جليلة العمور (38 عامًا) من خربة "التوانة"، في الشهر السابع من الحمل، وفي ظل الحديث الدائم عن الفايروس وانتشاره، أصابها الخوف والقلق، وخاصةً مع زيادة حالات الإصابة بمدينة الخليل وبلدة يطا الأقرب على تجمعها.

في شهرها التاسع، وبسبب حالة الخوف الشديد، أصيبت العمور بتسمم حمل، وعانت من ارتفاع ضغط الدم، ما اضطرها للإنجاب بعملية قيصرية في شهر آيار/ مايو.

وصلت جليلة إلى المستشفى، وفي ظل انتشار "كورونا" وتخصيص جزء كبير منه لعلاج الإصابات، كان قسم الولادة مكتظًا، قالت: "كل سيدتين على سريرٍ واحد، ومَن تلِد تغادر المستشفى مباشرةً، حتى من أنجبن قيصريًا، فأنجبَت وعادت إلى خربتها دون أن تطمئن على طفلها الذي تبين فيما بعد إصابته بالتهاب وتسمم في الدم".

استمرت جليلة بعلاج طفلها الذي سمته "صابر" 20 يومًا، متنقلةً من بين المشافي الحكومية، والعيادات الخاصة، وسط قلق كبير من الإصابة بالفايروس أو نقله لأطفالها الخمسة الآخرين.

وبحسب جليلة، فإن وجود مركز صحي في المنطقة وطبيب مقيم، أو على الأقل  سيارة إسعاف تنقل من يحتاج إلى المستشفيات، كان سيغنيها وعشرات النساء عن كل هذه المعاناة لهن ولعائلاتهن.

 

كاريكاتـــــير