شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر 2025م05:33 بتوقيت القدس

أمٌ حامل في خيمة ... وأطفال حرمتهم الحرب العلاج

01 ديسمبر 2025 - 10:50

دير البلح- شبكة نوى

"دخلت الحرب وأنا حامل، وها أنا حاملٌ مرة أخرى في خيمة، أعاني من تبعات المجاعة وقلة الأدوية والرعاية الصحية الخاصة بالحوامل".

بهذه الكلمات، بدأت الشابة ناريمان أبو السعود (23 عامًا) حديثها وهي تحتضن طفلتها إقبال (عامان)، بينما يتكوّر في بطنها جنين يوشك أن يرى الحياة بعد ثلاثة شهور.

تعيش ناريمان مع زوجها يوسف وأطفالهما الثلاثة (ماهر 6 سنوات، سيّاف 4 سنوات، وإقبال) في خيمةٍ من شوادر النايلون بأحد مخيمات النزوح شرق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تستذكر بمرارة كيف عاشت تجربة الولادة ثم الحمل أثناء الحرب!

تقول :"يعاني أطفالي ماهر وسيّاف ارتفاعًا في كهرباء الدماغ، انقطعت أدويتهم منذ بداية الحرب، وأنا أعاني من سوء التغذية ولم أتابع أي فحوصات للحمل".

كانت ناريمان تعيش مع زوجها وأطفالها في بيتٍ مستأجرٍ بحي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، حتى اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م، وهي حامل في شهرها الثامن، اضطرت للانتقال لبيت شقيقة زوجها بسبب كثافة القصف قرب مسكنها.

تقول: "خرجت من بيتي لا أحمل شيئًا، حتى ملابس الطفلة القادمة تركتها وكذلك سريرها، ليلة 6 نوفمبر جاءتني آلام المخاض".

كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، والقصف المرعب يهزّ أركان مدينة غزة، حين هرع يوسف إلى الشارع يصرخ بحثًا عن أي وسيلة تنقل زوجته إلى المستشفى، ووسط الظلام الدامس الذي لا يقطعه سوى نيران الصواريخ، عثر على عربة يجرها حصان وافق صاحبها على مساعدتهم.

تكمل ناريمان: "ولدت تحت الرعب، وضعي الصحي كان سيء، دمي (6) وضغطي مرتفع فأنا أعاني من ضغط الحمل، لو كان الوضع طبيعيًا لرافقتني طبيبتي الخاصة، ظروف الحرب عرضّتني للخطر، خاصة مع خوفي على صغاري، اضطررت لمغادرة المستشفى على مسؤوليتي الساعة 7 صباحًا، رغم حاجتي للمتابعة الطبية".

لن تنسى ناريمان الرعب الذي عاشته أثناء المخاض بسبب القصف وتعثّر ولادتها، "كنت بولد وبصرخ من الخوف، يعرفش كيف ولدت، فجأت حكولي مبروك جبتي بنت، وضعي الصحي كان سيء، زودوني بوحدتي دم، ضغطي كان عالي بسبب الخوف والتوتر"، تقول.

يتدخل زوجها موضحًا: "كان ضغطها 170/110 ومنتفخة بشكل واضح، كانت خائفة جدًا"، يضحك بمرارة متابعًا: "كانت تولد وتقول جوعانة، ما كانت ماكلة يومها".

تحتضن ناريمان طفلتها إقبال وتكمل: "حُرمت الرضاعة الطبيعية، اختفى الحليب منّي بسبب الخوف، لجأت للحليب الصناعي، كان مفقودًا وما توفر منه مرتفع الثمن لولا بعض المتبرعين الذين ساعدونا".

بلغ سعر علبة الحليب الواحدة حينها 75 شيكلًا ( 20$)، والبامبرز 300 شيكلًا (80$)، وهو ما يفوق قدرة العائلة التي فقد معيلها يوسف عمله كموزّعٍ للأدوية بسبب الحرب، فضلًا عن كونه مريض بالكلى كان يعتمد في دخله على عمله الذي توقّف.

تغمغم ناريمان: "اضطررت للجوء لبدائل غير صحية لطفلتي، استخدمت الشرايط (قماش يُعاد غسله بعد كل استخدام)، وهو ما سبب مشاكل جلدية للرضيعة".

بعد أسبوع من الولادة، اضطرت إقبال للنزوح وسط البرد القارس، أوصلتهم السيارة إلى أقرب نقطة من حاجز جيش الاحتلال الإسرائيلي جنوب مدينة غزة، وهناك رأت بعينها جثثًا ملقاةً على قارعة الطريق، لم يستطع أحد التدخّل لإكرامها بالدفن.

"أخذ السواق 300 شيكل من شارع الجلاء حتى الحاجز جنوب المدينة (80$)، مشيت وأنا فش فيا حيل أمشي، الحاجز زحمة والناس ممنوع تتلفّت، الجيش بيحّرك مدفع الدبابة عشان يرعبونا، بلعبوا بأعصابنا، شفت سيارة صفراء واقع منها رجل مستشهد، نصه برا السيارة والكلاب بتنهش فيه"، تقول.

تسحب نفسًا عميقًا وتكمل: "كنت أبكي من الخوف، أول مرة بشوف دبابة، شكلها مرعب، يومها الجيش نادى 3 شباب صغار بعمر 15 و16 سنة، أجبرهم يخلعوا ملابسهم إلا من اللباس الداخلي، ورجعوا وسط الطابور ومنعوهم يلبسوا رغم البرد الشديد، ابني كان على كرسي متحرك مع زوج عمته وقعوا على الأرض، ارتعبنا ورفعنا راية بيضا عشان نقول للجيش أنهم وقعوا، لأن أي حركة كانوا يطلقوا النار".

وصلت ناريمان وعائلتها إلى مخيم للنازحين في دير البلح، ساعدهم مبادرون بتوفير خيمةٍ بسيطة بعدما قضوا يومين في العراء، فقدت الكثير من وزنها الذي كان 52 كيلو جرامًا قبل الولادة ليصل إلى 38 كيلو جرامًا فقط.

في الخيام عانت ناريمان سوء تغذيةٍ حادٍ بسبب انقطاع الطعام عنها، فهي تبقى بلا إفطار ولا عشاء حتى يتوفر طعام التكية على وجبة الغداء والذي لا يتعدّى العدس أو المعكرونة أو الأرز أو الفاصولياء، تدهورت صحة زوجها أيضًا ليصبح دمه (5)، نُقل إلى المستشفى لفترة وما زال غير قادر على العمل.

ما زاد قسوة ظروف ناريمان، هو انقطاع أدوية طفليها ماهر وسياف منذ بداية الحرب وإصابتهما بالتشنجات، قبل الحرب كانت تتسلم علاجهما من العيادة بشكلٍ منتظم، لكنه انقطع خلال الحرب.

يتدخل زوجها يوسف :"كان الأطفال يخافوا منهم حين يتعرضوا للتشنج، كان ماهر يسألني وهو يبكي (ليش الأولاد بيخافوا يلعبوا معنا)، كنت أتألم عليهم ولا أعرف كيف أجيبهم، حتى أنا انقطعت أدويتي وانتكست صحتي".

حين اشتدت المجاعة على قطاع غزة، عاشت عائلة ناريمان لأيامٍ بلا طعام، "في مرحلة ما كنت أغلي المياه وأضع فيها السكر لإطعام إقبال، شاهدتها صحفية وقررت مساعدتنا بتوفير علب حليب وفراش"، تقول.

مرّت المجاعة قاسية على العائلة، جميعهم تعرضوا لسوء تغذية حاد، حين بلغت إقبال 6 شهور تم تحويلها إلى مؤسسة لإنقاذ الطفل لسوء حالتها.

تضع ناريمان يدها على بطنها، تتحسس برفقٍ ذلك الجنين الذي يتكوّر وهي تتساءل كيف سيأتي إلى هذه الحياة البائسة، تبدي خوفًا على مصيره وهي التي علمت بحملها صدفة.

توضح :"حين تم قصف بوابة مستشفى الأقصى المجاور لنا، رأيت شلالًا من الدم في المكان، أصبت بالرعب ووقعت أرضًا شعرت كأن شللًا أصابني، اصطحبتني أمي إلى مستشفى لإجراء فحوصات طبية، وهناك وجدوا دمي (7.5)، ضعيف جدًا، وحامل بالشهر الرابع، أخبرني الطبيب أن الحمل جيد، لكنه بالحوض، ويتوجّب عليّ الراحة".

تضحك بسخرية وهي تكمل:"أي راحة، أنا أقضي نهاري في حمل جالونات المياه، والطبخ على النار، حتى الحطب لا أستطيع شراؤه فأطبخ باستخدام الكرتون والقماش والبلاستيك، لدي ضغط مرتفع بسبب الحمل، ومنتفخة بسببه، كنت بحاجة لفيتامين لكن لا أستطيع توفيره".

رغم ما تعاينه ناريمان لكنها ما زالت تتمنى حياة أفضل، "اللي راح برجعش لكن نفسي في بيت يؤويني أنا وأطفالي وزوجي، وناكل لحمة وفراخ وفواكه وخضار، محرومين منه حتى الآن رغم أنه دخل السوق من جديد"، تتنهد بحرقةٍ وتختم :"نفسي نرجع لحياتنا زي ما كانت".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير