شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 26 سبتمبر 2025م22:53 بتوقيت القدس

أجورهن لا تكفي احتياجات عائلة ليوم واحد..

معلمات رياض الأطفال.. قلوب مثقلة وجيوب فارغة!

25 سبتمبر 2025 - 15:27

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تحت أشعة الشمس الحارقة، تمشي نعمة الكرد كل صباح بخطوات مثقلة، تشق طريقها نحو روضة الأطفال التي تعمل بها منذ أشهر قليلة. لا تغطي الأربعمئة شيقل التي تتقاضاها شهريًا حتى أبسط احتياجات عائلتها المكوّنة من خمسة أفراد. تنهكها المسافة الطويلة، ساعة كاملة سيرًا على الأقدام، حتى تصل مرهقة بلا طاقة تذكر لتقف أمام مجموعة من الصغار المتعطشين للعلم بعد عامين من الانقطاع.

تقول نعمة بصوت تختلط فيه المرارة بالعجز: "راتبي الشهري 400 شيقل فقط، لا يكفي لجلب احتياجات عائلتي ليوم واحد، خاصة أطفالي. يوميًا أمشي قرابة الساعة لأصل منهكة لا طاقة لي لبذل المجهود بتعليم الأطفال".

طلبت مرارًا من مديرة الروضة أن ترفع الرواتب قليلًا، فجاءها الجواب قاطعًا: "الروضات خاصة وليست حكومية، لا يوجد دعم".

كانت تمنحهم ساعتين من وقتها كل يوم، تُدرّسهم وتروي عطشهم للمعرفة، بينما هي غارقة في هواجس بيتها الفقير. طلبت مرارًا من مديرة الروضة أن ترفع الرواتب قليلًا، فجاءها الجواب قاطعًا: "الروضات خاصة وليست حكومية، لا يوجد دعم، وإن لم يعجبك يمكنك ترك العمل". ومع ذلك، بقيت نعمة، لأن لا خيار آخر سوى التمسك بالقليل. حلمها الوحيد أن تضع الحرب أوزارها، وتستعيد غزة حياتها، ليجد زوجها فرصة عمل، وتجد هي رزقًا أكرم من هذا.

في النصيرات، كانت زميلتها ديما خلة تخوض صراعًا مشابهًا. تعمل داخل خيمة تحولت إلى روضة للأطفال، براتب لا يتجاوز 450 شيقل، بالكاد يكفي لشراء دواء والدتها المريضة. تقول ديما: "مضطرة جدًا لهذا العمل على الرغم من أن الراتب لا يكفي لفرد واحد لمدة أسبوع، لكن وافقت لشراء علاج والدتي التي عانت الأمرين في هذه الحرب".

كلما رأت الفرحة في عيون الصغار، كانت تنسى للحظات ثقل الهموم التي تحاصرها. "الأطفال متعطشون للتعليم والترفيه، ونحن نحاول أن نخفف عنهم الخوف ونساعدهم على نسيان الحرب مؤقتًا"، تضيف. لكنّ المجهود الذي تبذله مع هؤلاء الأطفال، خاصة في مراحلهم الأولى، يفوق طاقتها، فهي تضطر إلى ابتكار أنشطة ترفيهية أسبوعية لا تستطيع تكاليفها المحدودة تغطيتها. "رواتبنا لا تنصفنا، إنه ظلم كبير، لكن ما باليد حيلة"، تقولها ديما وهي تتشبث بأمل ضئيل في العثور على وظيفة أكثر إنصافًا.

"أزمة أجور معلمات رياض الأطفال ليست وليدة الحرب، بل قديمة متجددة (..) إلى متى سنبقى نعمل دون حماية أو قوانين ودون انضمامنا إلى جهات حكومية تحمي حقوقنا؟".

أما آية شحادة، فقد دفعتها الحرب إلى أحضان هذه المهنة من جديد. منذ أن استشهد زوجها في الثامن من أكتوبر 2023، وجدت نفسها مسؤولة وحيدة عن إعالة أطفالها الثلاثة. بحثت عن مشاريع كثيرة لكنها اصطدمت بحاجتها إلى رأس مال لم تملكه. "بالصدفة رأيت إعلانًا عن رياض الأطفال، وأنا خريجة تربية وتعليم. تقدمت، وقبلوني براتب 450 شيقل"، تروي آية.

تخبرنا أنها في البداية صُدمت من ضعف الراتب، لكنها وافقت من أجل أولادها. تعتبر أن أزمة أجور معلمات رياض الأطفال ليست وليدة الحرب، بل قديمة متجددة، تساءلت بمرارة: "إلى متى سنبقى نعمل دون حماية أو قوانين ودون انضمامنا إلى جهات حكومية تحمي حقوقنا؟".

على الجانب الآخر من الصورة، تعترف ليما البلعاوي، صاحبة إحدى رياض الأطفال في شمال غزة، بضعف الرواتب، "فرياض الأطفال خاصة وغير ممولة، ورسوم الالتحاق لا تتجاوز الثلاثين شيقلًا للطفل".

وتقول: "إيجار المكان وحده 500 دولار شهريًا، غير المستلزمات من طاولات وكراسٍ. لذلك أحرص على اختيار معلمات يقطنّ بالقرب من المكان كي لا يضيع راتبهن على المواصلات".

ليما نفسها لا تُنكر حجم الصعوبات. الأطفال يأتون إليها بنفسيات مدمرة بعد سنوات من الحرمان من الوسائل التعليمية والترفيهية. لكن ما بين أعباء المصاريف ودموع المعلمات المنهكات، تبقى رواتبهن الهزيلة مرآة تعكس واقعًا اقتصاديًا متهاويًا، ونسوةً يواصلن رغم الظلم، إيمانًا بدورهن في زرع أولى بذور التعليم في أرض يلفها الدمار.

كاريكاتـــــير