غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تتسللُ أشعة الشمس لتداعب وجوه خمسة أطفال يرتكزون على أرجوحةٍ ساكنة، وينظرون ناحية خيام عائلاتهم القريبة. الوجوم سيد المشهد، ووحده "الخوف" من عيونهم ينطق.
المشهد، اختصر واقع الحرب والنزوح في "صورة"، التقطها المصور سهيل نصار، وعرضها برفقة صورٍ أخرى، في معرض "غزة حبيبتي"، الذي جاب أكثر من 15 دولة عربية وأجنبية.
يحكي نصار لـ"نوى"، عن مشاركته في المعرض، فيقول: "الصور تثبت مدى ارتباطنا بأرضنا، ووصولها إلى المعارض العالمية يسهم في إظهار الرواية الفلسطينية وتعرية جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي يرتكبها بحقنا"، ملفتًا إلى أن وصول هذه المعارض لدولٍ شتى، يسهم في تحريك التعاطف وزيادة الضغط لوقف الإبادة الجماعية.
التقط نصّار (29 عامًا) منذ بدء حرب الإبادة، ما يزيد على 5000 صورة، أظهر فيها خليطًا عجيبًا من الموت والحياة معًا. مشاهد للدمار والألم والأمل في نفس الوقت، للبكاء والضحك، وحاول من خلال ذلك لفت انتباه 164 ألف متابع عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام".
بدأ سهيل التصوير كهواية منذ 15 عامًا، "لكن هذه الهواية تحولت إلى أداة فاعلة في التوثيق والمقاومة"، معقبًا: "تعليق الصور على جدران المعارض الدولية، هي رسالة تؤكد أن صاحب الحق في النهاية لا بد أن ينتصر".
في زاويةٍ أخرى من المعرض، تتكلم صورة لغروب الشمس، وتتطاير ذرّات الرمل من أسفل أقدام فتيات كُن يلهين بنط الحبل. بالقرب منها جثمت على صدر الحائط صورة لشابٍ كان يركض بقدم طبيعية وأخرى صناعيّة، محاولًا إدخال الكرة في السلة.
معرض "غزَّة حبيبتي" جمع صورًا لعدد كبير من المصوّرين/ات داخل قطاع غزة، الذين وثّقوا بعدساتهم/ـن الحياة قبل وأثناء حرب الإبادة، وسلط الضوء على القصص الإنسانية والحياة اليومية التي لا يراها العالم بحقيقتها، بالإضافة لعرض صور وقصص الضحايا الشهداء.
ويقول المصور الفلسطيني محمد بدارنة، المشرف على منظمتَي "يُرى" و Untold Palestine (فلسطين غير المحكية)، المختصتان بالسرد القصصي المرئي من أجل التغيير الاجتماعي، والمنظمتان للمعرض: "يهدف المعرض لترسيخ الصورة و رواية السردية الفلسطينية بحقيقتها، حيث هناك القليل من المساحات ودور العرض المتوفرة لعرض أعمال المصورين الفلسطينيين كنسخ مطبوعة في فضاءات حقيقية وليس فقط افتراضيًا عبر السوشال ميديا"، مضيفًا: "من خلال هذه المعارض، نتيح مجال اللقاء الحقيقي بين أعمال المصورين والجمهور بتنوع شرائحه (..) نؤمن بأن الصور يجب أن تعيش وتنتقل بشكل حقيقي ليراها الناس بعيدًا عن الشاشات المضيئة".
وتتنوع الصور المشاركة في معرض "غزَّة حبيبتي"، بين صور لأطفال يبتسمون ويلهون ويمارسون هواياتهم ، وشباب يمارسون الرياضة بين فكي الحصار، بالإضافة لصورٍ تحاكي زرقة البحر وغروب الشمس، ناهيكم عن صور البيوت المدمرة، والخيام الملونة، وسوافي الرمل، والقطط الناجية من حرب الإبادة.
ويتابع المصور بدارنة: "نركز في تجربتنا على الجوانب الملهمة والتجارب الإنسانية المليئة بالأمل، وهذا ليس للتغطية على صور المآسي والأخبار التي تنقل الواقع، إنما لتبيان الوجه الآخر للإنسان الفلسطيني"، مكملًا: "نحن نؤمن بأننا نقاوم أصلًا لكي نحظى بعالم مليء بالأمل والحرية كباقي الشعوب، ونريد أيضًا أن يتضامن معنا العالم، من خلال صور الحياة والمبادرة والإنتاج، وليس فقط عبر صور الدم والجثث".
وجاب معرض "غزة حبيبتي" بصوره، العديد من دول العالم: القاهرة، وعمان، والكويت، وإيطاليا، وألمانيا، وبرشلونة، وفيلادلفيا، وأمستردام، وسيقام خلال الفترة القادمة، بالولايات المتحدة الأمريكية، وسويسرا، ومارسيليا.
""هذا المعرض ليس مجرد صور تم التقاطها، إنما هي شهادات حيّة نابضة من غزَّة التي تتحدى الموت على مدار الساعة".
ويضيف بدارنة -الذي قيّم المعرض- : "هذا المعرض ليس مجرد صور تم التقاطها، إنما هي شهادات حيّة نابضة من غزَّة التي تتحدى الموت على مدار الساعة، بقصص وصور تضيع وسط العناوين الإخبارية العاجلة على شاشات التلفزة".
ويواجه الفريق صعوبة في التنقل، حيث ليس كل المصورين/ات أو طواقم المعرض تستطيع التنقل بحرية، "بالإضافة إلى بعض التحديات المتعلقة بتمويل العروض".
يستدرك بدارنة: "لكننا نعتمد على أنفسنا، حيث نموّل المصورين من بيع الصور، وكذلك من إنتاجاتنا المتعلقة بغزة (..) هذا المعرض هو معرض تشاركي لكننا نواجه تحديات كبيرة، على رأسها وجود بعض الدول التي لا تتوافق سياستها مع إقامة أي معارض عن فلسطين، مثلًا ألمانيا، والآن أمريكا التي باتت تشكل تحديًا كبيرًا".
"الاحتلال الإسرائيلي قتل مصورة فريقنا، الشهيدة فاطمة حسونة التي كانت جزءًا من عائلتنا، وتحدياتنا، وأحلامنا، لكنه لم يقتل عينها وصورها الخالدة التي جابت وتجوب معنا المعارض".
ويؤكد بدارنة، أن المصورين بغزَّة يعملون في ظروف صعبة للغاية، "الاحتلال الإسرائيلي قتل مصورة فريقنا، الشهيدة فاطمة حسونة التي كانت جزءًا من عائلتنا، وتحدياتنا، وأحلامنا، لكنه لم يقتل عينها وصورها الخالدة التي جابت وتجوب معنا المعارض".
وحضر المعرض الذي أقيم في القاهرة، عدد كبير من أمهات الشهداء الفلسطينيين، الذين وقفوا عند زاوية "صور الشهداء" وبكوا، وعانقوا صور أبنائهم. نظروا إلى غزة في صورة الأطفال الذين يتأرجحون على أحبال الكهرباء المقطوعة، وكأنهم يقرأون أحلامهم التي قتلت في مهدها، نظروا إليها في صورة سيدةٍ تطبخ على نار الحطب، وأمٍ تحتضن الكفن، وعجوزٌ يبكي على شقاء العمر، وآخره.