شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الثلاثاء 04 نوفمبر 2025م09:52 بتوقيت القدس

مدرسة خيام أُعيد تشييدها مرارًا..

"أحلام غزّة".. "العلمُ" حقٌ لا يلغيه "نزوح"!

05 مايو 2025 - 13:23

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

لها من اسمها نصيب، إذ تؤمن الثلاثينية أحلام عبد العاطي أن "الأحلام ممكنة"، مهما كان الواقع من حولها مترديًا، وتقول لـ "نوى": "ليس من عادتي البكاء على الأطلال، وفي كل مرة نسقط بها يجب أن نخلق أسبابًا للنهوض من جديد".

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول للعام 2023م، كانت أحلام (35 عامًا) قادرة على تحويل ما تؤمن به من مجرد أفكار إلى "كائنات تمشي على الأرض"، بحرصها على زراعة الأمل في نفسها ومَن حولها.

كان لهذه الحرب أثرها الكبير على حياة "أحلام"، حيث نالت نصيبًا وافرًا منها، وفي أيامها الأولى أصيبت بشظية تسببت في سقوط أسنانها، وتعرض منزلها ومرسمها بما يحتويه من لوحات فنية في مدينة غزة للتدمير الكلي، ونزحت مجبرة زهاء 25 مرة من منزلها في حي الزيتون، متنقلة مع أسرتها (9 أفراد) من مكان إلى آخر في المدينة، قبل النزوح جنوبًا، حتى محطتها الحالية في خيمة قريبة من مجمع ناصر الطبي غربي مدينة خان يونس.

"هذه حرب مجنونة لم يسلم منها أحد"، تقول أحلام، وهي تستعرض شريطًا من المعاناة والخسائر البشرية والمادية التي لحقت بها، وتبقى "آلام الفقد" هي الأقسى بالنسبة لهذه المرأة التي فقدت أقارب وأصدقاء، وأصيبت شقيقتها بحروق في كامل جسدها، قبل أن يسقط والدها المريض بآلام بالظهر ويصاب بشلل كلي.

في أغسطس/آب الماضي، وفي لحظة مباغتة تقدمت دبابات الاحتلال نحو منطقة الشاكوش القريبة من شاطئ البحر بين مدينتي رفح وخان يونس، واضطرت أحلام للنزوح مجددًا، وتركت وراءها مدرسة من الخيام "فريسة لأنياب الاحتلال وآلياته".

دُمرت مدرسة أحلام التي كانت توفر أنشطة تعليمية وترفيهية مجانية لنحو 1300 طالب وطالبة، غير أنها لم تستسلم، وفي كل مرة كانت قادرة على البناء والاستمرار، وبعدما أعادت بناء خيمتها الأسرية، نجحت في إقامة 7 خيام متجاورة لتطلق مدرستها من جديد.

"شريحة الطلبة هي الأكثر احتياجًا لمدرسة غير تقليدية، تمزج بين التعليم والأنشطة الترفيهية غير المنهجية، التي تساعدهم على التفريغ النفسي وتنمية وتعزيز قدراتهم".

تحمل أحلام شهادتين جامعيتين في الشريعة، وآداب اللغة العربية، وهي صاحبة موهبة فنية في الرسم. تقول إنها ساعدتها كثيرًا في أن يكون لها "بصمة إيجابية" خلال الحرب، ووجدت أن شريحة الطلبة من الأكثر احتياجًا لمدرسة غير تقليدية، تمزج بين التعليم والأنشطة الترفيهية غير المنهجية، التي تساعدهم على التفريغ النفسي وتنمية وتعزيز قدراتهم، في ظل الويلات التي يعايشونها يوميًا، وانقطاعهم الطويل عن مدارسهم، التي لم تسلم غالبيتها من التدمير، وتحولت كثير منها لمراكز إيواء.

قبل اندلاع الحرب كانت أحلام عضوًا في هيئاتٍ ومراكز فنية، ولها تجربة غنية مع الأطفال والمرضى، خاصة مريضات السرطان، عبر توظيف الفن في أنشطة للتحفيز والدعم والتفريغ النفسي، ما ساعدها على تحقيق نجاحات تفتخر بها خلال الحرب، أحدها مع الطفل عبد الرحمن (6 أعوام)، وهو الناجي الوحيد من مجزرة إسرائيلية أودت بحياة جميع أفراد أسرته. تقول أحلام: "عندما جاءني عبد الرحمن لأول مرة إلى المدرسة، كان منطويًا، لا يتحدث ولا يخالط الناس، وليس لديه رغبة في فعل أي شيء، وتفرغت له تمامًا كمعلمة خاصة، حتى نجحت في إعادة روح الحياة له، وبات قادرًا على الانخراط مع أقرانه في اللعب والتعليم، حتى أنه كثيرًا ما يتقدم عليهم ويأخذ بزمام المبادرة".

تقدم المدرسة التي أطلقت عليها أحلام اسم "روضة ومدرسة أحلام غزة النموذجية" خدماتها لنحو 500 طالب وطالبة من الروضة حتى الثانوية العامة (التوجيهي)، وألحقت بها مركزًا لتحفيظ القرآن الكريم.

تفسر أحلام انخفاض أعداد الملتحقين بالمدرسة بخشية الأهالي على أبنائهم إثر استئناف الحرب بصورتها الحالية الأكثر وحشية منذ 18 مارس/آذار الماضي

وتفسر انخفاض أعداد الملتحقين بالمدرسة بخشية الأهالي على أبنائهم إثر استئناف الحرب بصورتها الحالية الأكثر وحشية منذ 18 مارس/آذار الماضي، وتقول: "البعض من أهالي الطلبة يواضبون على التواصل معنا بالمدرسة من خلال تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي، ويفضلون أن يبقى أطفالهم إلى جوارهم ويراجعون لهم دروسهم في خيامهم، ويتقدمون للامتحانات عن بعد".

ولم تنسها مهامها كمديرة ومشرفة على هذه المدرسة دورها كأم ترعى أسرة كبيرة، وأنها مسؤولة عن والدها "المقعد"، وفوق كل ذلك تجد لديها مساحة من الوقت لبث الأمل وتعزيز صمود جيرانها، رافضة بشدة كل حديث عن الهجرة. ورغم أنها تشبه الحياة في غزة بالنكبة، إلا أنها تقول بثبات: "ما في أحلى من غزة، وليرحل عنا الاحتلال ونحن نعمرها بأيدينا".

وتفرغ أحلام تأثرها بالأحداث والتطورات من حولها، وتسكبه حبرًا على أوراق تمكنت من انتشالها من تحت الركام، وتحوله إلى لوحات فنية، كان آخرها لوحة تجسد جريمة استهداف خيمة في مخيم الصحافيين الملاصق لمجمع ناصر الطبي، وذلك المشهد المؤلم الذي بدا فيه الشهيد الصحفي أحمد منصور يحترق وسط النيران ولا يحرك ساكنًا.

لم تجد أحلام فرشاة للرسم، فكانت أصابعها هي الفرشاة، وتقول: "سكبت الألوان على لوحة، وشكلتها بأصابعي، حتى ظهرت على هذا النحو من العشوائية (..) عشوائية المشهد الذي نعيشه، وسط صمت العالم على هذه الجرائم المروعة، حتى بتنا نموت، قتلًا وحرقًا وجوعًا".

كاريكاتـــــير