غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تنام أم فادي أبو مصطفى وتستيقظ، ولا يشغل بالها شيء أكثر من التفكير في أن موسم الحج إلى بيت الله الحرام في الديار الحجازية المقدسة اقترب، وهي الرحلة الدينية التي لطالما حلمت بها على مدار سنوات طويلة، وحرمت منها الموسم الماضي بسبب الحرب الإسرائيلية، التي لا تزال مستعرة في قطاع غزة للعام الثاني على التوالي.
كانت صدمة أم فادي (60 عامًا) العام الماضي قاسية، باستشهاد زوجها أحمد أبو مصطفى جراء غارة جوية إسرائيلية في مدينة خان يونس جنوبيّ القطاع، وتصفه في حديثها لـ "نوى" بأنه "شريك العمر، وشريك الحلم بأداء فريضة الحج أيضًا".
"اصطفى الله أبو فادي شهيدًا، لكنني أدعو أن يكتب له أجر فريضة الحج التي كان يحلم بأدائها منذ سنوات".
لسنوات طويلة كان الزوجان يدخران المال من أجل الحج، لكن القدر كان له كلمته، ولم يحالفهما الحظ بالقرعة السنوية التي تجريها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية من أجل اختيار قوائم الحجاج وفق الأعداد التي تحددها المملكة العربية السعودية، إلا العام الماضي، بينما كان القطاع يتعرض لحرب إسرائيلية ضارية وغير مسبوقة اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023م، ولا تزال مستمرة.
"اصطفى الله أبو فادي شهيدًا، لكنني أدعو أن يكتب له أجر فريضة الحج التي كان يحلم بأدائها منذ سنوات"، تضيف أم فادي، التي باتت تتكفل بأسرة كبيرة مكونة من 10 أفراد، أصغر من فيها توأمان، في الرابعة عشرة.
وقبيل اندلاع الحرب كان الزوجان في زيارة للعاصمة المصرية القاهرة لرؤية نجلهما محمود المغترب في أوروبا منذ سنوات طويلة، وتخبرنا والدموع في عينيها: "كان أبو فادي سعيدًا للغاية برؤية محمود"، وبعد هذه الزيارة كان ينتظر بلهفة موعد السفر لأداء فريضة الحج، "لكن القدر أراد له سفرًا آخر إلى جنات النعيم".
"والله أشعر أنني اختنق في هذه الخيمة. كان يفترض أن أكون مع زوجي رحمه الله في رحاب الكعبة وإلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الله لم يقدّر لنا ذلك العام الماضي".
وفيما استشهد أبو فادي من دون أن يحقق حلمه بأداء فريضة الحج، فإن أم فادي لم تحج العام الماضي جراء احتلال معبر رفح البري وهو المنفذ الوحيد لأكثر من مليونين و200 ألف فلسطيني، يعيشون في القطاع الساحلي الصغير، على العالم الخارجي.
وتخشى أم فادي عدم الحج للعام الثاني على التوالي، حيث لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تتتمركز في معبر رفح، وتحتل الشريط الحدودي بين القطاع ومصر، المعروف باسم (محور فلادلفيا)، وتفرض قيودًا مشدّدة على السفر.
وفي داخل خيمتها التي تقيم بها مع أسرتها في منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس، تعيش أم فادي أسيرة الأحزان والذكريات، وتقول "إن وقع الحرب كان شديدًا وقاسيًا، حيث فقدت زوجي، وأصيب أحد أبنائي، وتعرض منزلي لدمار كبير، وحتى فريضة الحج حُرمت منها، مثل باقي الناس الغلابا في غزة".
وبعد لحظات صمت وقد تعلق نظرها بسقف الخيمة الصغيرة، تابعت بينما القهر والحزن يعتصران قلبها: "والله أشعر أنني اختنق في هذه الخيمة. كان يفترض أن أكون مع زوجي رحمه الله هناك في رحاب الكعبة وإلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الله لم يقدّر لنا ذلك العام الماضي، وأرجو الله أن يفتح المعبر وأحج هذا العام وأهدي زوجي الشهيد عمرة".
وأمام مبنى المكتبة التابع لبلدية خان يونس، تظاهر قبل عدة أسابيع، عدد من أصحاب شركات الحج والعمرة، وحجاج من أمثال أم فادي ممن حالفهم الحظ في الفوز بالقرعة العام الماضي، لكن تداعيات الحرب والحصار وقفت أمام أحلامهم بأداء فريضة الحج.

بملابس الإحرام، شارك صلاح جبر في هذه التظاهرة الاحتجاحية، وقد تشارك ورفاقه في إطلاق صرخات ومناشدات للسعودية ومصر بممارسة الضغوط، من أجل ضمان فتح معبر رفح وضمان سفرهم وإنقاذ موسم الحج.
يقول جبر لـ "نوى": " بسبب اندلاع الحرب، حرمنا الموسم الماضي من أداء فريضة الحج، التي انتظرناها منذ سنوات طويلة، والآن أيضًا يريدون حرماننا من هذه الفريضة".
ويضيف بحسرة: "حتى الآن لا يوجد أي أمل بالسماح لحجاج قطاع غزة بالسفر".
ويواجه موسم الحج خطر الإلغاء للعام الثاني على التوالي، نتيجة استئناف الحرب واستمرار إغلاق الاحتلال لمعبر رفح وتشديد الحصار على القطاع، وهو ما يحرم آلاف الفلسطينيين من أداء هذه الفريضة التي ينتظرونها بفارغ الصبر، يؤكد رئيس جمعية أصحاب شركات الحج والعمرة في قطاع غزة محمد الأسطل.
"هذا الحرمان الجائر يتسبب في إحباط كبير لدى المسجلين للحج، خاصة كبار السن الذين انتظروا لعقود طويلة حتى تتحقق أمنيتهم في زيارة بيت الله الحرام".
ويقول الأسطل لـ "نوى": "للعام الثاني على التوالي، تحرم دولة الاحتلال مواطني قطاع غزة من حقهم المشروع في أداء أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو فريضة الحج، وهذا الحرمان الجائر يتسبب في إحباط كبير لدى المسجلين للحج، خاصة كبار السن الذين انتظروا لعقود طويلة حتى تتحقق أمنيتهم في زيارة بيت الله الحرام".
وبسبب الحرب الدموية، يقدر الأسطل أن أكثر من 200 حاج وحاجة من المسجلين في قرعة الحج للعام 2023م، استشهدوا أو توفوا، قبل أن يتمكنوا من أداء الفريضة، بعدما ظلوا يحلمون بهذه اللحظة لسنوات طويلة.
ويقدر عدد حجاج قطاع غزة سنويًا بـ 2500 حاج وحاجة، ويطالب الأسطل المملكة العربية السعودية بزيادة حصة القطاع، ورفع عدد الحجاج إلى 7500، تعويضًا عن النقص الحاد خلال السنوات الماضية، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية، وممارسة الضغوط مع باقي الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم على دولة الاحتلال كي لا تفشل موسم الحج للعام الثاني.
                
            
                                                                    
                                            




















