شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الثلاثاء 04 نوفمبر 2025م14:55 بتوقيت القدس

رغم توافق الفصائل في "بكين"..

رؤية ضبابية لـ"اليوم التالي".. حكومة "الوفاق" على مسافةٍ بعيدة!

محللون وباحثون سياسيون يرونها "الحل الأمثل" رغم قلة فرص تشكيلها
17 مارس 2025 - 05:41

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

ماذا يعني مصطلح حكومة "وفاق وطني"؟ ولماذا دعا إلى تشكيلها إعلان بكّين في يوليو الماضي، بتوافق الفصائل، وقرار الرئيس، وبناءً على القانون الأساسي؟ وهل تتوفر عوامل لتشكيلها حاليًا على أرض فلسطين بين طرفي الانقسام؟

ما الفرق بين حكومة "الوفاق الوطني"، وحكومة "الوحدة الوطنية" لغةً واصطلاحًا؟ وما أهمية تشكيل الأولى كخطوة مبدئية ومؤقتة، فيما يتعلق بإعادة اللحمة الفلسطينية، ووضع رؤية شاملة لـما بات الإعلام يتعارف على تسميته بـ"اليوم التالي" لإعلان انتهاء تبعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟

حال تشكيلها، ماذا سيكون دورها في تعزيز الاعتراف الدولي لقبول إدارة فلسطينية لعملية الإغاثة وإعادة إعمار غزة؟ وكيف ستتعامل في إطار "وحدوي" شامل، يمر بمؤسسات الدولة، ولا ينتهي عند أهلها؟

هذه التساؤلات وغيرها، طرحتها "نوى"، على عددٍ من قادة فصائل العمل الوطني والإسلامي، وأبرزها طرفَي الانقسام الداخلي: حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بالإضافة إلى خبراء ومحللين فلسطينيين، على إثر اتفاق الفصائل الفلسطينية في العاصمة الصينية، على الوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل كافة، في إطار منظمة التحرير، وتشكيل حكومة "وفاق وطني" مؤقتة، على أن تبدأ بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية، والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات المركزية بأسرع وقت، وفقًا لقانون الانتخابات المعتمد.

"الوفاق" و"الوحدة".. وحاجة الفلسطينيين

ويفرّق أستاذ العلوم السياسية د.حسام الدجني بين مصطلحي "حكومة الوفاق" و"حكومة الوحدة"، بقوله: "الأولى تنشأ بسبب حدث طارئ تتعرض له الدولة أو السلطة الحاكمة، ويتم تشكيلها بإرادة دولية وحاجة محلية. بينما حكومة الوحدة الوطنية تتشكل بناء على اتفاق داخلي بين أغلب المكونات الحزبية الفلسطينية، وتقدم للمجتمع الدولي؛ من أجل القبول بها كخيار فلسطيني موحد يعبر عن فسيفساء المشهد الفلسطيني".

"العوامل اللازمة سواءً لإنشاء حكومة "وفاق" أو حكومة "وحدة وطنية"، تتجسد بوجود إرادة وطنية قائمة على احترام الآخر، والشراكة السياسية، وتغليب الصالح الوطني العام على الصالح الحزبي الخاص".

وتكمن أهمية تشكيل حكومة "الوحدة الوطنية"، بأنها تتمتع بوضع اعتباري قوي؛ لأنها تمثل الجميع الفلسطيني، وقادرة على اتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة، ووجودها يعني إنهاء الانقسام وتجسيد الوحدة الوطنية، ووزراؤها يمثلون الفصائل الفلسطينية والنخب الاعتبارية.

ووفقًا للدجني فإن العوامل اللازمة سواءً لإنشاء حكومة "وفاق" أو حكومة "وحدة وطنية"، تتجسد بوجود إرادة وطنية قائمة على احترام الآخر، والشراكة السياسية، وتغليب الصالح الوطني العام على الصالح الحزبي الخاص.

وتكمن أهمية مثل هذه الحكومة، برأي الدجني، أنها تأتي استجابة لمتطلب خارجي مهم لإعمار غزة، وداخلي لحسم الجدل حول هوية من يحكم غزة في وقتٍ بالغ الحساسية.

ويقول: "في تقديري، إن اللحظة الحالية لنا كفلسطينيين تستدعي خلق جسم مستقل، مثل حكومة تكنوقراط مكونة من كفاءات وطنية، تضع على رأس أولوياتها تجاوز معضلة الانقسام والدمار، وهذا يمكن أن يلقى قبولًا دوليًا، ويؤهل للنجاح في جلب المانحين؛ من أجل إعادة بناء غزة بطريقة حضارية، تمكن الغزيين من البقاء والاستمرار، وتجعل من غزة واجهة للدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من حزيران 1967م".

مواقف فصائلية

لكن هل تقبل حركة "فتح" بخيار تشكيل حكومة "وفاق وطني"؟ يجيب الناطق باسم الحركة منذر الحايك، بالقول: "إن الحركة تدعم تولي الحكومة الفلسطينية ولايتها القانونية في قطاع غزة، وتؤكد على الخطة العربية التي تدعم لجنة حكومية تعمل في قطاع غزة وتشكلها الحكومة الفلسطينية".

ويقول الحايك: "المطلوب الآن خروج حماس من المشهد الحكومي كما فعلت حركة فتح، عندما استقالت حكومة الدكتور محمد اشتية، وتولى المستقل محمد مصطفي رئاسة الوزراء، وحينها تستطيع الحكومة الفلسطينية تجنيد المجتمع الدولي والدول المانحة بمساعدة الدول العربية للبدء بالإغاثة والإعمار".

وتشير إجابة الحايك بوضوح إلى رفض حركة "فتح" هذا الخيار، بتشكيل حكومة "وفاق"، مثلما رفضت المقترح المصري بتشكيل لجنة إسناد مجتمعي لإدارة ملف قطاع غزة، وتطرح بدلًا عن ذلك، أن تبسط الحكومة الحالية برئاسة محمد مصطفى سلطتها على القطاع، مثلما هو الحال في الضفة الغربية.

في المقابل، تدعم حركة "حماس" تشكيل حكومة وفاق وطني أو وحدة وطنية، وتعدُّ كل منهما مدخلًا مهمًا لإعادة اللحمة الفلسطينية، وفقًا للقيادي في الحركة، ورئيس دائرة شؤون اللاجئين فيها د.محمد المدهون.

ويقول لـ"نوى": "عدم تشكيل هذه الحكومة، وبقاء الواقع الفلسطيني على هذا الحال من الانقسام، يشكل تهديدًا على المشروع السياسي بحده الأدنى والمتوافق عليه، بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967م".

وبحسب المدهون، "فإن نجاح تشكيل مثل هذه الحكومة يحتاج إلى إرادة سياسية لدى الرئيس محمود عباس وحركة فتح، والقبول بالآخر والشراكة الوطنية"، معقبًا بالقول: "يبدو أنها غير متوفرة حاليًا".

"الإرادة غير متوفرة لدى الرئيس، وهناك عوامل خارجية تمنع تشكيل حكومة وفاق، ترتبط بالرؤية الإسرائيلية، وعدم منح أي أفق لتحقيق دولة فلسطينية مستقلة".

ويزيد: "علاوة على عدم توفر الإرادة السياسية لدى الرئيس الفلسطيني، فهناك أيضًا عوامل خارجية ضاغطة باتجاه عدم تشكيل حكومة وطنية فلسطينية توافقية"، مبينًا أنها (العوامل الخارجية)، مرتبطة بالرؤية الإسرائيلية وعدم منح أي أفق لدولة فلسطينية مستقلة.

ويؤمن المدهون بأن العوامل قليلة لنجاح خيار تشكيل هذه الحكومة، وأبرزها الدعم الشعبي، وتنازل "حماس" عن رؤيتها وبرنامجها السياسي التنظيمي الخاص لصالح برنامج وطني توافقي، ملفتًا إلى أنها بحاجة إلى حاضنة عربية تدعم هذا الخيار.

وبرأي المدهون، فإن من شأن هذه الحكومة أن تقطع الطريق على مخططات التهجير، وفصل الضفة الغربية عن القطاع، وأن تقدّم للعالم والمجتمع الدولي رؤية فلسطينية لليوم التالي، خاصة مع ازدياد حجم التعاطف والاعتراف الدوليين بالحقوق الفلسطينية بعد المحرقة الإسرائيلية في القطاع، وستسهل من عمليتي الإغاثة والاعمار.

بدوره، يقول القيادي في حركة حماس بالخارج محمود مرداوي: "وافقنا على مقترح الأشقاء المصريين بتشكيل لجنة إدارية للقطاع كمرحلة انتقالية، وذلك تقديرًا منا لمصلحة الشعب الفلسطيني واللحظة التي يمر بها، وفتح المجال لمحبي وداعمي الشعب الفلسطيني لتقديم المساعدة ودعم حقوقه الوطنية بالحرية والاستقلال".

الجبهة الشعبية: نطالب دائمًا بحكومة وفاق وطني فلسطينية، تقدم المهام الوطنية على أي اعتبارات أخرى، وعلى رأسها مواجهة الاحتلال".

وعن موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي الفصيل الأكبر الثاني في منظمة التحرير بعد حركة "فتح"، يقول عضو المكتب السياسي للجبهة عمر مراد: "رغم أن الجبهة لم تشارك بأي حكومة فلسطينية منذ ثلاثين عامًا وحتى الآن، إلا أنها ارتباطًا برؤيتها السياسية، وموقفها الرافض لكل الالتزامات المفروضة على السلطة والمنظمة، تطالب دائمًا بحكومة وفاق وطني فلسطينية، تقدم المهام الوطنية على أي اعتبارات أخرى، وعلى رأسها مواجهة الاحتلال".

وتتطلب تداعيات حرب الإبادة على غزة -والحديث لمراد- حشد إمكانيات الشعب الفلسطيني وطاقاته في إطار منظمة التحرير، على أساس تعزيز الثبات والصمود، ومقاومة مشاريع التصفية والاقتلاع والتهجير.

وفي هذا السياق يضيف: "طالبنا بتشكيل حكومة وفاق وطني، وفق ما خلص إليه اجتماع الحوار الوطني قبل عام في بكين، الذي أكد أن اليوم التالي يجب أن يكون فلسطينيًا"، مستدركًا: "لكن يا للأسف، القيادة الرسمية والمتنفذة في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية عطلت ذلك ارتباطًا بتقييمهم السلبي لعملية طوفان الأقصى، على اعتبار أنها مغامرة أضرت بالشعب الفلسطيني، والسبب حسب تعبيرهم بالكارثة التي حلت بقطاع غزة".

وإلى أن يتم التوافق، يقول مراد "لابد من العمل على إدارة قطاع غزة من خلال لجنة إسناد مجتمعي، مكونة من شخصيات متخصصة ومشهود لها بالنزاهة والوطنية، وتوافق أوسع القطاعات والقوى الفاعلة في غزة، وتوفير ما يلزم من دعم وإسناد واعتراف عربي ودولي".

ويضيف: "لا تمانع الجبهة من التشبيك في مهام وعمل اللجنة المجتمعية مع الجهات المناظرة في الحكومة الفلسطينية، وهكذا يكون اليوم التالي يومًا فلسطينيًا يليق بتضحيات شعبنا".

دوافع وعقبات

ويدعم مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) هاني المصري خيار تشكيل حكومة "وفاق وطني" من كفاءات فلسطينية ووفق مرجعية وطنية، استنادًا إلى "إعلان بكين"، الذي ينص على تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية مثلما ورد في اتفاق القاهرة في العام 2011.

وتزداد أهمية تشكيل مثل هذه الحكومة إثر ما حدث في قطاع غزة من إبادة لم تميز بين فلسطيني وآخر، ولا فتح أو حماس، فالكل الفلسطيني مستهدف إسرائيليًا، ويقول المصري: "إن تشكيل حكومة وفاق وطني تقدم رؤية فلسطينية لليوم التالي".

وبدون هذا الخيار، يجزم المصري أن "كل الأطراف الفلسطينية ستكون خاسرة، والاحتلال هو الرابح من استمرار الانقسام والصراع الداخلي الفلسطيني".

وبرأيه فإن هناك أسبابًا داخلية وخارجية تمنع تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، يحددها المصري فيما يصفها بـ "مصالح جماعات الانقسام، أفرادا وشرائح، تتكسب من بقاء هذه الحالة كنفوذ ومراكز ومكاسب، وهم موجودون لدى فتح وحماس".

"الاحتلال يعد الانقسام أهم ثلاثة إنجازات تخصه، إلى جانب إعلان قيام دولة الاحتلال 1948م، وحرب حزيران 1967م".

كما أن الاحتلال الإسرائيلي يعدّ الانقسام الفلسطيني من أهم الإنجازات، ويستحضر المصري هنا رئيس وزراء الاحتلال شمعون بيرس، الذي كان يصنف "الانقسام الفلسطيني" أحد أهم ثلاثة إنجازات إسرائيلية إلى جانب قيام دولة الاحتلال في العام 1948، وحرب حزيران عام 1967.

ويضيف المصري: "هناك أوساط إقليمة ودولية تمارس أدوارًا مختلفة، ولها تدخلات في الشأن الداخلي الفلسطيني، بهدف زيادة حصتها ونفوذها في الساحة الفلسطينية".

"الدعم الشعبي الذي تظهره استطلاعات الرأي، يشير إلى أن نحو 70% إلى 80% من الفلسطينيين يريدون الوحدة، ويرونها ضرورة وطنية ملحة".

ورغم هذه العوامل المعرقلة، يرى المصري أن هناك عوامل ضاغطة باتجاه تشكيل حكومة وفاق وطني، وهي:

- الدعم الشعبي الذي تظهره استطلاعات الرأي وتشير إلى أن نحو 70% إلى 80% من الفلسطينيين يريدون الوحدة، ويرونها ضرورة وطنية ملحة.

- أثبتت تجربة الانقسام المريرة عدم قدرة طرف فلسطيني لوحده على قيادة المشهد الفلسطيني، في ظل إقصاء الآخرين.

"حجم الخطر الكبير العلني الذي يهدد الجميع، وهو أن "إسرائيل" لا تريد فتح أو حماس، ومن شأن تشكيل حكومة وفاق وطني أن يمثل ردًا قويًا عليها، وأن يفشل مخططاتها ومصالحها".

- حجم الخطر الكبير العلني الذي يهدد الجميع، وهو أن "إسرائيل" لا تريد فتح أو حماس، ومن شأن تشكيل حكومة وفاق وطني أن يمثل ردًا قويًا عليها، وأن يفشل مخططاتها ومصالحها.

- حاجة إقليمية ودولية للاستقرار بالمنطقة، في ظل تنافس محموم بين قوى كبرى على تحقيق مصالح ومكاسب دولية، مرتبطة بحقول الغاز والثروات والمنافذ والطرق الدولية.

ويؤمن المصري أن تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني ستحظى بالدعم الدولي، خاصة أنها غير فصائلية، وفي سبيل ذلك يلزمها:

- تبني برنامج وطني واقعي.

- القبول بهدنة طويلة الأمد.

- العمل على قاعدة الشراكة الوطنية.

- الذهاب للانتخابات بالوقت المناسب.

ويفضل المصري خيار حكومة الوفاق على تشكيل أي لجان إدارية من شأنها تعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي، ويقول إن "الفرص ليست كبيرة لتشكيل مثل هذه الحكومة حاليًا، ولكن ليس أمامنا خيارات كثيرة، وهي الخيار الأمثل".

كاريكاتـــــير