غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"العودة للأرض بمثابة عودة الروح للجسد"، هكذا عبرت المزارعة العشرينية غيداء قديح، عن ارتباطها بمشروعها الزراعي التشاركي، برفقة صديقتيها نادين أبو روك وأسيل النجار، وزميلهن خليل أبو زينة، الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ الشهر الثالث للحرب.
بدأ الأصدقاء الأربعة مشروعهم الزراعي في العام 2020م، بعد رحلة تطوع مع بلدية خزاعة شرقي مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، وهيئات محلية أخرى. تخبرنا غيداء: "لسنا من خريجي الكليات الزراعية، لكننا ننتمي لعائلات امتهنت الزراعة جيلًا من بعد جيل".
غيداء (28 عامًا)، حاصلة على شهادة في تخصص التجارة باللغة الإنجليزية- فرع محاسبة، ونادين متخصصة في العلوم المالية والمحاسبة، وأسيل شهادتها الجامعية في التعليم الأساسي، وخليل متخصص في علم الاجتماع، واجتمعوا أربعتهم على حب الأرض والزراعة.
بدأت رحلتهم في عالم الزراعة باستئجار ثلاثة دونمات، ثم توسعوا باستئجار خمسة أخرى؛ لإنشاء دفيئات زراعية، انصب تركيزهم عليها قبيل اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، للعام 2023.
كان اجتهادهم ملحوظًا، وقد أثمر نشاطهم بأن لفت الانتباه إليهم، فتواصلت معهم مؤسسة دولية عبر جمعية الإغاثة الزراعية الفلسطينية وقدمت لهم منحة. تقول غيداء: "بفضلها استأجرنا 7 دونمات في بلدة الفخاري جنوب شرقي مدينة خان يونس، وأقمنا عليها مشروعًا من قسمين: الأول دفيئات زراعية على مساحة دونمين، وثلاثة دونمات ونصف تركناها أرضًا زراعية مكشوفة، أما باقي المساحة، فخصصناها للمخازن ولثلاجات حفظ الإنتاج.
بدأت الحياة تفتح ذراعيها للأصدقاء الأربعة حتى اندلعت الحرب، ولم يكونوا قد استفادوا بعد من مشروعهم الجديد. تضيف: "كنت برفقة نادين وأسيل في مهمة عمل بمصر عندما بدأت الحرب. كان وقعها عليَّ بوجه الخصوص عصيبًا، لا سيما وأنني تركت ابنتي فرح رضيعة لم تكمل من العمر شهرها السابع".

مرت الأيام ثقيلة على غيداء وهي تتوق للعودة إلى غزة، حتى حانت أول فرصة إبان الهدنة المؤقتة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2023م فعادت.
تضيف: "كنت أتمنى أن تحملني الريح إلى غزة لاحتضن ابنتي وأسرتي وأعود لأرضي".
عادت غيداء لأسرتها، ولكن العودة إلى أرضها في بلدتي خزاعة والفخاري كان مستحيلًا، فكل من كان يقترب من تلك المناطق المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي كان يغامر بحياته.
عايشت الشابة لشهور طويلة تجربة النزوح والتشرد، حتى حان الوقت وتمكنت من العودة إلى معشوقتها وهوايتها المفضلة، وتقول: "كانت الفرحة منقوصة، فمشروعنا الشخصي في خزاعة مدمر كليًا، ومشروعنا في الفخاري تعرض لأضرار جسيمة بفعل الاحتلال واللصوص".
"العودة للزراعة فرحة ممزوجة بكثير من المخاوف والتحديات، فلا أحد يضمن أن لا تعود الحرب من جديد".
يبعد مشروع خزاعة عن "السياج الأمني" نحو 500 متر، وهذه البلدة هي واحدة من أكثر المناطق في شرقي قطاع غزة، التي يعمل سكانها بالزراعة، وقد تعرضت للتدمير والتجريف، وعاثت فيها قوات الاحتلال فسادًا وحولتها إلى دمار، إبّان عمليتها العسكرية البرية واجتياح مدينة خان يونس في ديسمبر/كانون الأول من العام 2023م، الذي استمر لنحو أربعة شهور.
وتقدر نادين قيمة خسائر هذا المشروع بنحو 100 ألف دولار، جراء تدمير 3 دونمات مزروعة بالخضار، و3 دونمات من الدفيئات الزراعية، علاوة على أجهزة ومعدات ومخزن، "ويضاف لهذه الخسائر حوالي 100 ألف دولار أخرى، جراء ما لحق بمشروع الفخاري من تدمير وسرقات" تعقب.
وتقول نادين لـ "نوى": "العودة للزراعة فرحة ممزوجة بكثير من المخاوف والتحديات، فلا أحد يضمن أن لا تعود الحرب من جديد"، مضيفةً: "نعمل في المجهول، ولكن لا بد للحياة أن تستمر رغم المخاطر".
تكابد نادين وغيداء مشقة كبيرة لتجاوز الكثير من التحديات من أجل إحياء الأرض من جديد، في ظل أزمات مركبة ومعقدة، وشح في الأسمدة والأدوية والمبيدات.
وفيما لا تزال أسيل عالقة في مصر، وخليل أسير لدى الاحتلال، تكابد نادين وغيداء مشقة كبيرة لتجاوز الكثير من التحديات من أجل إحياء الأرض من جديد، في ظل أزمات مركبة ومعقدة، حيث التكلفة العالية لتوفير الكهرباء في ظل انقطاع دائم للكهرباء منذ اندلاع الحرب، وشح في الأسمدة والأدوية والمبيدات.
وبحسب نادين فإن "أسعار هذه المواد تفوق 10 أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب".
وبسبب عدم توفر المياه العذبة اللازمة لتنوع المحاصيل الزراعية، فإن زراعة الصديقتين غيداء ونادين تقتصر حاليًا على أنواع محددة من الخضار، والأشتال المتوفرة في السوق المحلية، حيث تفرض دولة الاحتلال قيودًا على دخول غالبية السلع والمدخلات الزراعية والمواد الخام والآليات، الأمر الذي يعوق استئناف الحياة الزراعية والصناعية في القطاع المدمر.
                
            
                                                                    
                                            




















