غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
لم يعُد للجريح العشريني أيمن داوود أمنية سوى "السفر للعلاج". لا ينقطع اليوم سؤاله عن معبر رفح البري، "شريان الحياة" في قطاع غزة، والمنفذ الوحيد لأكثر من مليوني فلسطيني في الشريط الساحلي الصغير، نحو العالم الخارجي.
منذ أربعة أشهر يرقد أيمن (22 عامًا) على سريرٍ في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، بعد إصابته في غارةٍ جوية إسرائيلية، استهدفت منزلًا مجاورًا لبيته.
الشظايا اخترقت عموده الفقري، وتسببت له بشلل نصفي، ومضاعفات أخرى، استدعت خضوعه لعدة عمليات جراحية.
لم تكن هذه الآثار الوحيدة للحرب على حياة أيمن، فقد فقد والده شهيدًا، وكان منزل أسرته من بين آلاف المنازل المدمرة في مدينة رفح جنوبي القطاع. يقول لـ "نوى": "الحرب أخذت مني الكثير، ولا أريد أن أقضي بقية حياتي مشلولًا (..) ليس لي أمنية أو حلم الآن سوى السفر والعلاج".
تقدم أيمن بطلبٍ للحصول على تحويلةٍ طبيةٍ للعلاج بالخارج بعد نحو أسبوعين من إصابته، ولم يتلق أي اتصال حتى اللحظة.
ويتشاطر أيمن هذه الأمنية مع قائمة طويلة من المرضى وجرحى الحرب، تقدر السلطات الصحية في غزة أعداد من فيها بنحو 35 ألفًا، لا تتوفر لحالاتهم الصحية العلاج في المستشفيات المحلية، التي تعاني من شبه انهيار، نتيجة الاستهداف الممنهج لكوادرها ومقدراتها منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023م.
وتقدم أيمن بطلبٍ للحصول على تحويلةٍ طبيةٍ للعلاج بالخارج بعد نحو أسبوعين من إصابته، ولم يتلق أي اتصال حتى اللحظة، وبعيون يملؤها الرجاء وبلسان يرتجف يقول الشاب الجريح: "أتمنى أن يأتي الرد وأسافر وأتلقى العلاج قبل فوات الأوان".
"كل لحظة تمر تقربنا من الموت"
شبكة نوى، فلسطينيات: "من حقنا تلقي العلاج، يكفي ما خسرناه خلال الحرب من أحباب ومنازل"، تقول المريضة الخمسينية سميرة الشلح، التي تعاني من مشكلة صحية أخبرها الأطباء أن لا علاج لها في مستشفيات القطاع.
سميرة (58 عامًا) نازحة من مدينة رفح، وتقيم مع أسرتها (8 أفراد) في منطقة المواصي غربي خان يونس، جنوبي قطاع غزة، وتعاني من مشكلة في القلب تجعلها غير قادرة على التنفس. تشرح لـ"نوى" وضعها فتقول: "أمكث منذ أكثر من شهرين في مجمع ناصر الطبي، وقد توقف قلبي خلال هذه الفترة ودخلت في غيبوبة، قبل أن ينجح الأطباء في إنعاشي".
وتتساءل بحرقة: "ما الذي يمنع سفر مريض؟ ما الخطر من سفرنا؟ هل ينتظرون موتنا؟"، وقد أبدت امتعاضها الشديد من الأعداد القليلة من الجرحى والمرضى الذين يسمح لهم بالسفر يوميًا عبر معبر رفح البري؛ للعلاج بالخارج، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين "حماس" و"إسرائيل"، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي.
هذا المعبر يمثل بالنسبة لآلاف الجرحى والمرضى في غزة "نافذة نحو الحياة"، تعقب سميرة: "كل يوم بيمر علينا من دون سفر يقربنا من الموت".
كلما مضى المزيد من الوقت، ازداد القلق لدى هديل، التي تخشى أن تفقد ساقها، أو أن تصاب بعجزٍ يلازمها بقية حياتها.
ومنذ نحو عام والجريحة هديل أبو شاب (22 عامًا) تنتظر بفارغ الصبر السماح لها بالسفر من أجل العلاج من جروحٍ خطرة أصيبت بها في ساقها ومنطقة الحوض، جرّاء قذيفة مدفعية إسرائيلية استهدفت منزل أسرتها في بلدة خزاعة، شرقي مدينة خان يونس.
وقعت هذه الحادثة في 7 يناير/كانون الثاني من العام الماضي، وكلما مضى المزيد من الوقت، ازداد القلق لدى هديل، التي تخشى أن تفقد ساقها، أو أن تصاب بعجزٍ يلازمها بقية حياتها؛ لعدم توفر الإمكانيات اللازمة لعلاج مثل حالتها في مستشفيات القطاع.
وتسبّبت القذيفة في تهشيم بليغ للعظام. تقول: "أنا بحاجة ماسة لعمليات جراحية دقيقة لترميم العظام، ولدي تحويلة طبية للعلاج بالخارج، لكنني أترقب لحظة بلحظة أن يأتي دوري للسفر".
"سياسة التنغيص"
ومنذ إعادة فتح معبر رفح البري بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، لم تلتزم دولة الاحتلال بالأعداد المتفق عليها من الجرحى والمرضى الذين هم بحاجة ماسة للسفر من أجل العلاج.
ويقول مدير مستشفى التحرير في مجمع ناصر الدكتور أحمد الفرا لـ "نوى": "ينص الاتفاق على سفر 150 حالة يوميًا، منها 50 خاصة بالمرضى العاديين الذين يعانون أمراضًا مزمنة وخطرة، كالضغط والسكر والقلب والكلى، وتستدعي حالاتهم الصحية تدخلات طبية غير متوفرة في القطاع، و100 حالة من جرحى الحرب من النساء والأطفال والرجال"، مستدركًا بانفعال: "لكن لم يخرج للسفر حتى اللحظة سوى الشق المتعلق بالمرضى، دون التزام من الاحتلال بالعدد المتفق عليه، بل إنه يتعمد يوميًا إعادة حوالي 10% من الحالات المرضية بعد الموافقة على سفرها".
ويشير توثيق وزارة الصحة وهيئات حقوقية، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح سوى لعدد محدود لا يزيد على 50 مريضًا في أحسن الأحوال بالسفر عبر معبر رفح البري، ويمارس ما توصف فلسطينيًا بـ "سياسة التنغيص" عبر رفض المريض أو مرافقه، وفي حالة فريدة رفضت سفر المريض وسمحت لمرافقه بالسفر.
"عدد المرضى ممن سافروا حتى اللحظة قليل جدًا ولا يغطي الحاجة الكبيرة للسفر والعلاج لقائمة طويلة تضم آلاف الجرحى والمرضى".
وبدا ملفتًا وجود أطفال من بين الحالات المرضية، التي رفضت قوات الاحتلال سفرها، وبحسب الدكتور الفرا، فإن هناك حالات توفيت من بينها 100 طفل، أثناء الانتظار على طوابير السفر الطويلة بغية العلاج بالخارج.
ووفقًا له، فإن عدد المرضى ممن سافروا حتى اللحظة قليل جدًا ولا يغطي الحاجة الكبيرة للسفر والعلاج لقائمة طويلة تضم آلاف الجرحى والمرضى.
وتنتهج دولة الاحتلال، بحسب الدكتور الفرا، "معايير مزاجية"، وتتعمد عدم التعاطي مع الأولويات وتصنيفات المرضى من حيث خطورة الحالة والحاجة الملحة للسفر بغية العلاج، والذين تصنفهم وزارة الصحة لأربع فئات بحسب التشخيص الطبي وأولوية السفر، بيد أن دولة الاحتلال تتعمد العبث بالأولويات، وتتجاهل حالات خطرة تحتاج بصورة عاجلة لعمليات إنقاذ حياة، ويختار للسفر حالات أقل خطورة.
                
            
                                                                    





















