غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"حتى حبة الدواء مُنعت من الوصول لمرضى غزة"، يقول محمد عبد الله، النازح من معسكر جباليا شمالي قطاع غزة، إلى مدينة خانيونس جنوبًا. ويتابع: "لقد دفعَنا شح الأدوية إلى اللجوء لوسائل علاجية بديلة، تعتمد على مركبات يدوية وخلطات عشبية ليست دائمًا آمنة، بل يحذر مختصون من استخدامها بدون إشراف طبي".
وأمام حالة الانهيار التي وصل إليها القطاع الصحي، فإن زهاء مليونين و300 ألف فلسطيني في قطاع غزة، لا يتوفر لهم الوصول السهل للخدمات الطبية، حيث خرجت 34 مستشفى وعشرات مراكز الرعاية الأولية عن الخدمة، وما تبقى من مرافق قليلة تترنح على وقع الاستهداف المباشر، وضعف الإمكانيات.
"حتى 30 يونيو/حزيران الماضي، بلغت حالات الجرب والقمل في القطاع أكثر من 100 ألف حالة، بالإضافة إلى 60 ألف حالة أخرى من الطفح الجلدي، و11 ألف حالة من جدري الماء".
ودقّت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر بشأن الانتشار السريع للأمراض المعدية في القطاع، مع تعطّل المرافق الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي. ودعت إلى تعجيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف أنحاء القطاع، بما في ذلك الوقود والمياه والغذاء والمستلزمات الطبية.
ووفقًا للمنظمة فإنه حتى 30 يونيو/حزيران الماضي، بلغت حالات الجرب والقمل في القطاع أكثر من 100 ألف حالة، بالإضافة إلى 60 ألف حالة أخرى من الطفح الجلدي، و11 ألف حالة من جدري الماء.
وغالبية هذه الحالات في أوساط أطفال النازحين في الخيام ومراكز الإيواء، حيث الأسر النازحة تعاني من ويلات الحرب والنزوح و"ضيق الحال"، وعدم القدرة على شراء العلاج، حتى وإن كان متوفرًا في الأسواق.
هبة دواس هي واحدة من هؤلاء الأطفال، وتقيم مع أسرتها (7 أفراد) في خيمة شمال غربي مدينة خان يونس، وتقول: "أجبرت جراء تداعيات الحرب والنزوح المتكرر للتخلي عن عاداتي في النظافة الشخصية اليومية؛ لصعوبة الحصول على المياه، ولعدم توفر الشامبو والصابون باستمرار وارتفاع أسعاره".
كانت صدمة الطفلة كبيرة، عندما أصيبت بالحكة واكتشفت أنها بسبب القمل الذي غزا شعرها واستوطن فروة رأسها، ثم بسبب الجرَب الذي تفشى وتغلغل في أنحاء جسدها الصغير.
ونتيجة ذلك كانت صدمة هذه الطفلة البالغة (11 عامًا) كبيرة، عندما أصيبت بالحكة واكتشفت أنها بسبب القمل الذي غزا شعرها واستوطن فروة رأسها، ثم بسبب الجرَب الذي تفشى وتغلغل في أنحاء جسدها الصغير.
"كنت أتباهى بشعري، وأواظب يوميًا على غسله وتنظيفه، وأستحم باستمرار. بل إنني لم أعاني قبل ذلك من مثل هذه الحكة أو من أية أمراض جلدية أخرى"، تخبرنا.
اندلعت الحرب وامتدت للعام الثاني على التوالي، وتبدلت أحوال هبة وغيرها من أطفال غزة، الذين وجدوا أنفسهم مشردين في الخيام ومراكز الإيواء، التي تفتقر للمياه ولأبسط متطلبات النظافة الشخصية.
ونزحت أسرة هبة لأول مرة من مدينة جباليا شمالي القطاع في الأيام الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وخاضت تجربة النزوح القاسية من مكان إلى آخر على امتداد القطاع، وآخرها عندما نزحت من مدينة رفح على وقع الاجتياح البري الإسرائيلي في مايو/أيار الماضي.
عرض صابر دواس ابنته هبة على الأطباء، ولم تفلح الأدوية التي وصفوها في علاجها، فضلًا عن معاناته في توفيرها باستمرار. يقول: "اصبع المرهم صغير وغير متوفر في المستشفيات والعيادات وحتى في الصيدليات، وإن وجد فسعره مرتفع جدًا".
كان الأب (36 عامًا) يتألم وهو يشاهد ابنته تتلوى من الوجع وتسلبها الحكة النوم، حتى هداه تفكيره إلى عرض حالتها على صديق له، وهو دكتور مختص بالكيمياء ويعمل بمختبر بالولايات المتحدة الأمريكية.
يتابع: "وصف لي صديقي وصفتين من عدة مركبات تخلط مع بعضها البعض، وكانت النتيجة مذهلة وقضت على القمل والجرب تمامًا في غضون 3 أيام فقط".
ليس لصابر تجربة سابقة في هذا المجال، ولكنها "الحاجة وأوجاع ابنتي، التي جعلتني أفكر في أي شيء للتخفيف عنها" حسبما يقول لـ "نوى".
ووفقًا له، فإن الوصفتين أساسهما مادة الكبريت وزيت الزيتون ومركبات أخرى متوفرة في الأسواق، وإن كانت أسعارها مرتفعة أضعافًا عما كانت عليه قبل اندلاع الحرب. يقول: "مثلًا يباع كيلو الكبريت بنحو 400 شيكل فيما لم يكن سعره يزيد على 20 فقط قبلها بوقت قصير".
لا يدعي صابر -الذي يعمل في الأصل نجارًا- العلم والمعرفة بمجال المركبات والمستحضرات العلاجية، ويبرر لجوءه لها بـ "ويلات الحرب والحصار وانتشار الأمراض وقلة العلاج وغلاء أسعاره"، ويكمل: "أردت فقط أن أخفف من آلام ابنتي، وهناك من طلبوا مني الوصفة لأبنائهم الذين يعانون نفس معاناة هبة وأعطيتهم إياها بالمجان".
ورغم معرفتها المتخصصة بالواقع المرير الناجم عن الحرب والحصار وأثره على الصحة العامة، خاصة الأطفال، إلا أن الدكتورة لبنى العزايزة، لا تنصح بتناول أو استخدام أي وصفات بغرض العلاج من دون إشراف طبي مختص.
الدكتورة لبنى صاحبة مبادرة "خيمة طبية"، تقدم خدماتها بالمجان للنازحين وسكان مدينة دير البلح وسط القطاع، وهي من أنصار الطب البديل واستخدام الأعشاب والمركبات الطبيعية للعلاج، والتخفيف قدر الإمكان من تناول الأدوية الكيمائية، لكنها في الوقت نفسه تحذر من اللجوء إلى وصفات عشوائية يكون لها انعكاسات سلبية، على حد تعبيرها.
د.لبنى العزايزة: "الوصفات العشبية الطبيعية إن لم يستفد منها المريض فلن تضره، ولكن هناك مركبات تدخل بها مواد كيميائية، يجب أن يتم تحضيرها بإشراف أطباء ومختصين، لضمان سلامتها وتفادي آثارها الجانبية".
وهذه الطبيبة المختصة بالمواليد والرضاعة الطبيعية، تلجأ إلى إرشاد مريضات ومرضى بمركبات تعتمد على الأعشاب وزيت الزيتون، للتداوي من حالات مرضية ناجمة عن تداعيات الحرب. تقول لـ "نوى": "نحن بحاجة إلى ثقافة مجتمعية صحية حول استخدام الطب البديل بشكل آمن، خاصة المستحضرات متعددة المركبات".
وتضيف: "الوصفات العشبية الطبيعية إن لم يستفد منها المريض فلن تضره، ولكن هناك مركبات تدخل بها مواد كيميائية، يجب أن يتم تحضيرها بإشراف أطباء ومختصين، لضمان سلامتها وتفادي آثارها الجانبية".
                
            
                                                                    





















