شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الثلاثاء 04 نوفمبر 2025م14:50 بتوقيت القدس

يصنع منها "ضياء" سلالًا للغسيل والتسوق..

خيطان "البلاستيك" مصدرٌ للرزق تحت "الإبادة"!

15 ديسمبر 2024 - 15:07

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

أدركَ العشريني ضياء الدين أحمد موهبته في صناعة المشغولات اليدوية سنٍ مبكرة، لكنه لم يتخيل أن هذه الموهبة ستتحول إلى مهنة في زمن الحرب والحصار. يقول لـ"نوى": "لقد عصفت بنا في غزة الكوارث والأزمات، وكل ما نمتلكه الآن عقولنا وأيدينا".

ضياء شاب في العشرين من عمره، وهو أحد خمسة أشقاء في أسرة نزحت من منطقة أبراج الندى، القريبة من بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، نحو مدينة دير البلح وسط القطاع، وقد استقر بها الحال في خيمة منذ نحو عام، بعد ثلاث تجارب نزوح.

قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، كان ضياء (21 عامًا) طالبًا جامعيًا في السنة الثالثة، يدرس تخصص تكنولوجيا المعلومات في جامعة فلسطين بمدينة غزة، وكآلاف الطلبة في المدارس والجامعات انقطع عن التعليم، ووجد نفسه مضطرًا للبيع على بسطةٍ في سوق دير البلح، من أجل مساعدة أسرته النازحة.

ما لبث بعد فترةٍ قصيرةٍ أن فقد ضياء عمله، الذي لم يعتد مثله من قبل، "ذلك بسبب القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، من خلال معبر كرم أبو سالم، المنفذ الوحيد في جنوبي القطاع، الذي يخضع للسيطرة الإسرائيلية المُطلقة" يقول ضياء، موضحًا أنه نتيجة لذلك ارتفعت الأسعار بصورة غير مسبوقة، وشحت السلع والبضائع بأصنافها المختلفة، ولم يعد هناك جدوى من العمل كبائعٍ في السوق.

خلال فترة عمله في السوق، كان يجمع الخيوط البلاستيكية المستخدمة في تثبيت السلع والبضائع في "المشاطيح"، لتسهيل عمليات النقل والشحن، دون أن يعرف أنها ستحمل أهمية كبيرة ذات يوم.

يزيد: "هنا حضرت الموهبة وكان لها قيمتها"، فخلال فترة عمله في السوق، كان يجمع الخيوط البلاستيكية المستخدمة في تثبيت السلع والبضائع في "المشاطيح"، وهي عبارة عن قواعد خشبية لتسهيل عمليات النقل والشحن والتفريغ، ولم يكن يعلم أنه سيكون لها أهمية كبيرة ذات يوم.

يخبرنا: "كنت أجمعها من السوق والنية أننا قد نحتاجها في ربط شيء ما، أو لتثبيت الخيمة، أو لشيء من هذا القبيل، ولم أفكر مطلقًا في أنها ستكون مصدر رزق لي ولأسرتي".

وفي لحظة تأمل لضياء بينما كان في خيمته بـ "مخيم النخيل" للنازحين القريب من البحر، أمسك بهذه الخيوط، "وأخذتُ في تجديلها، وأول ما صنعته منها كان سلة للسوق لاستخدامنا الشخصي كأسرة" يضيف.

"لماذا سلة وليس أي شيء آخر؟" سألته "نوى" فأجاب بتلقائية شديدة: "لأن الحاجة أم الاختراع، ولأن الإنسان ابن بيئته، والحرب مست بكل تفاصيل حياتنا، ولدينا أزمة حتى في أكياس النايلون المعتادة المستخدمة في التسوق، وكنا نعاني في حمل أي شيء نشتريه من السوق".

"البعض يتصل بي ليس فقط من أجل صناعة سلال للتسوق، وإنما يطلبون مني صناعة أشياء أخرى لاستخدمات منزلية أخرى، وكذلك كهدايا".

"كانت تجربة ناجحة" يعبر ضياء، ويتابع: "من هذه السلة كانت انطلاقتي بالعمل، فقد كانت سلة متينة وعملية وتغني عن الأكياس البلاستيكية، وكل من شاهدها أبدى إعجابه بها، وواحدًا تلو الآخر، بدأوا يطلبون مثلها مني، فأنشأت صفحة على منصات التواصل الاجتماعي للترويج والتسويق، لم تلبث أن انتشرت بشكل واسع بين نازحي المخيمات".

يكمل: "البعض يتصل بي ليس فقط من أجل صناعة سلال للتسوق، وإنما يطلبون مني صناعة أشياء أخرى لاستخدمات منزلية أخرى، وكذلك كهدايا".

ولا يبالغ ضياء في أسعار مشغولاته اليدوية، ويكتفي بالقليل بحسب حديثه، قائلًا: "الأسعار تتراوح بين 10 و70 شيكلًا، وتعتمد على الحجم والجهد المبذول في كل قطعة".

ويضيف: "كل الناس وضعها صعب، ولازم نسند بعضنا البعض لغاية ما تنتهي الأزمة".

ولأنها الحرب التي مست كل تفاصيل الغزيين بحسب وصف ضياء، فإن طريقه ممارسة الموهبة لم يكن سهلًا، إذ لم يجد صنارة للنسيج، ومسطرة طويلة، واضطر إلى صناعة الصنارة يدويًا باستخدام ملعقة طعام، مستعينًا بقطعٍ خشبية مستوية وطويلة، بدلًا عن المسطرة، وحدد أبعادها ومقاسات السنتمترات عليها بنفسه.

وينصح الشاب أقرانه من الشباب بعدم الركون لليأس، واستثمار مواهبهم وطاقاتهم فيما هو مفيد، حتى تتوقف الحرب ونزيف الدم، ويعود الطالب منهم إلى مقاعد الدراسة، ويعود العامل إلى عمله.

وكانت أم وسيم الكحلوت (42 عامًا) من أوائل زبائن ضياء، حيث صنع لها سلة للتسوق شبيهة تمامًا بتلك التي صنعها لوالدته.

تقول: "عندما جربت السلة وجدتها متينة وعملية جدًا، تشجعت على أن أطلب منه صناعة مثلها، وأخرى للغسيل أيضًا".

ينصح الشاب أقرانه بعدم الركون لليأس، واستثمار مواهبهم وطاقاتهم فيما هو مفيد، حتى تتوقف الحرب، ويعود الطالب منهم إلى مقاعد الدراسة، ويعود العامل إلى عمله.

كذلك الحال مع خالد عثمان (33 عامًا) النازح مع أسرته في خيمة مجاورة لخيمة ضياء، إذ قال: "اشتريتُ سلّات صغيرة لبناتي ففرحن بها كثيرًا، وكذلك سلة أخرى كبيرة للتسوق"، مضيفًا: "الشغل مرتب كثير والسعر مناسب، فهذه السلال تدوم طويلًا، أما أكياس النايلون فأسعارها كبيرة، وتستخدم لمرة واحدة فقط".

وفتكت الحرب بالغالبية من الغزيين، وأفقدتهم مصادر دخلهم ورزقهم، وحتى مدخراتهم، وبات زهاء مليونين و300 ألف فلسطيني في القطاع الصغير يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية الشحيحة، التي تسمح دولة الاحتلال بدخولها، وتنجو من أيدي عصابات اللصوص، بحسب هيئات محلية ودولية.

كاريكاتـــــير