شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 03 اكتوبر 2025م11:27 بتوقيت القدس

أهله محاصرون منذ ثلاثة أشهر..

كل ليلةٍ في "الزيتون".. تُقرأ "وصايا الوداع"!

08 ديسمبر 2024 - 10:52

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

مع غروب الشمس تُسرع إيمان نصّار بإسدال ستائر المنزل، وإغلاق ما تبقى من أبواب الغرف المتصدعة، لعلها تحمي عائلتها التي تبيت في المطبخ منذ ثلاثة أشهر تقريبًا ضرب القذائف العشوائي، واقتحامات مسيرات الكواد كابتر المفاجِئة.

تبدأ حلقة الرعب مع انتصاف الليل، وفق ما تروي. القذائف المدفعية تهطل بشكل عشوائي على طول شارع السكة بحي الزيتون، جنوب شرقي مدينة غزة، وأصوات الناجين الذين يطال بيوتهم القصف يملأ سماء المكان بكاءً.

حتى اللحظة، تعيش عائلة نصّار مثل عشرات العائلات هناك، على آخر مقوّمات صمودها. بعض الإجراءات الاحترازية، ولقيماتٍ من الطعام هي آخر من تبقى، "نتركها غالبًا للأطفال الذين عصر الجوع أمعاءهم" تقول.

وتخبرنا: "يتعرض الحي للإبادة منذ أكثر من 100 يوم. ارتقى في حارتنا عشرات الشهداء، ورأينا بأم أعيننا تجريف مساحات واسعة من أشجار الزيتون. سمعنا النيران الرشاشة من طائرات الأباتشي، وصرخات المصابين بطلقات الكواد كابتر".

تحدثت إيمان مطولًا عن دخان القنابل، الذي يغطي ملامح الصورة العامة للحي من أي نافذة، وعن لحظاتٍ كثيرة، ردد فيها أفراد العائلة الشهادتين استعدادًا لموتٍ كان يحدق بهم بينما مربعات سكنية بأكملها تقصف من حولهم خلال عمليات التمشيط اليومي لقوات الاحتلال داخل الحي.

ويعد "الزيتون "من أكبر أحياء البلدة القديمة، والثاني فيها من حيث عدد السكان، حيث يشتهر بكثرة أشجار الزيتون التي تغطي مساحات واسعة فيه.
تتابع: "الليل أشد وحشة في الحصار. القصف يشتد عند الساعة الثالثة صباحًا، ويمتد حتى بزوغ الشمس بلا توقف. ينتابنا جميعًا الهلع، ويبدأ الأطفال بالصراخ والبكاء"، مردفةً بحرقة: "أمسك بأنامل أطفالي الباردة، وأضعها على قلبي حتى يطمئنوا، وأطمئن أنا أنهم على قيد الحياة".
أثناء الحصار واشتداد القصف، لا تفكر إيمان إلا بمرور الوقت "هل سننجو الليلة أم سنكون ضمن قائمة الشهداء الممتدة؟" تقول.

تتدبر العائلة ماءها وطعامها، عندما تبتعد أصوات الكواد كابتر، ويخبو صوت المدفعية. يذهب الوالد إلى السوق من طريقٍ التفافية، ويشتري المعلبات بأسعار فلكية.

تتدبر العائلة ماءها وطعامها، عندما تبتعد أصوات الكواد كابتر، ويخبو صوت المدفعية. يذهب الوالد إلى السوق من طريقٍ التفافية، ويشتري المعلبات بأسعار فلكية. "وجبة واحدة في اليوم تكفي، أما الماء، فننتظر وصول مياه البلدية كل بضعة أيام مرة لتخزين البعض منها" تكمل.

رفضت عائلة إيمان النزوح، بعد تعاقب 5 عمليات برية على الحي، "ففي كل مرة كنا نفعلها كنا نُحاصر ونعيش الأمرين بعيدًا عن بيوتنا. لهذا قررنا أن لا نخرج. أن نموت في بيوتنا لو لزم الأمر" تعقب.

ووفق خطة الاحتلال الإسرائيلي، فإن السيطرة على حي الزيتون، تأتي لتوسيع المنطقة العازلة حول ما يسمى بـ"محور نتساريم"، حيث أعلن الاحتلال عزمه ضم مساحات جديدة من الجهتين الشمالية والجنوبية للمحور، وتحويله لقاعدة عسكرية بطول 8 كيلومترات، وعرض 7 كيلومترات.

ومع دخول الجيش وتعسكره بحارة "وادي العرايس" شرقي الحي، سقطت القذائف وأحرقت الطابق العلوي من منزل ناصر الحاج، بينما كان هو وأفراد أسرته الثمانية في الطابق الأرضي.

يخبرنا: "نجونا بأرواحنا ولم نستطع الخروج ولو بحقيبة الطوارئ".

نزح الرجل بعائلته إلى بيت أقارب له في منطقة "السكة" التي تبعد عن بيته نحو 200 متر، بينما يشغل جل تفكيره طوال الوقت، الطريقة التي تمكنه من توفير متطلبات أطفاله في ظل الحصار.

يقول: "أقاربي قدموا لنا الماء والطعام في البداية، لكن أعان الله كل إنسان على حاله. صمنا طويلًا حتى نخفف عن كاهلهم، ثم قررت المخاطرة بحياتي والتوجه إلى السوق لعلي أجد بعض المعلبات فأشتريها ولو بأي سعر".

أشد اللحظات التي يعيشها المحاصرون في الحي رعبًا، وفق الحاج، هي عندما ترمي "الكواد كابتر" القنابل وتطلق الرصاص بشكل عشوائي على كل هدف متحرك. "أحيانًا تقتل آباء كانوا في طريقهم لتوفير قوت عيالهم، بينما نحن لا نستطيع حتى إسعافهم. كل ما نقدر عليهم مواساتهم بالصوت حتى تبتعد الطائرات، أو يلفظوا أنفاسهم" يكمل.

وينال حي الزيتون، منذ بدء الهجوم البري على قطاع غزة، نصيبًا كبيرًا من الاجتياحات الإسرائيلية، التي خلفت دمارًا هائلًا في المنازل والبنية التحتية، وأدت إلى استشهاد وإصابة المئات، دون مقدرة الطواقم الطبية ورجال الدفاع المدني من الوصول إليهم أو انتشال جثثهم.

الكثير من المناشدات تصل الطواقم بشكل شبه يومي لجرحى وشهداء وعالقين في حي الزيتون، لكن هناك صعوبات كبيرة تمنعنا من الوصول، لا سيما وأن المنطقة تحت سيطرة الاحتلال".

ويؤكد الرائد محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في قطاع غزة، أن الكثير من المناشدات تصل الطواقم بشكل شبه يومي لجرحى وشهداء وعالقين في حي الزيتون"، مستدركًا: "لكن هناك صعوبات كبيرة تمنعنا من الوصول، لا سيما وأن المنطقة تحت سيطرة الاحتلال، والتقدم نحوها يشكل تهديدًا حقيقيًا لحياة المنقذين".

ويتابع: "حين نتأكد من وجود أحياء تحت الأنقاض، يجبرنا الدافع الإنساني على المخاطرة والمجازفة والتحرك على مسؤوليتنا الشخصية، كما حدث مع بعض العائلات المتواجدة في أقصى "شارع كشكو"، حيث استطعنا انتشال البعض، وبقي غيرهم تحت أنقاض المنازل".
وكشف المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني في قطاع غزة، أن من بداية الحرب على قطاع غزة وحتى اللحظة، لم يصل الطواقم أي لتر من الوقود، "بل نشتريه إما من السوق السوداء، أو نحصل عليه بتبرع من المواطنين لطواقم الدفاع المدني؛ للاستمرار في تقديم خدماتها".

كاريكاتـــــير