شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 29 ابريل 2024م21:00 بتوقيت القدس

من ذوات الإعاقة الحركية..

بَقَرَتَا "حمدة" قتلهما صاروخ.. وألف حلمٍ احترق

02 مارس 2024 - 15:14

شبكة نوى، فلسطينيات: غزة/أمل الوادية:

"بقرتان. كانتا في حالة مخاض، ورأيتهما بأم عيني تموتان برفقة كافة الأغنام التي كنتُ أرعاها بالقرب من بيتي" تقول السبعينية حمدة، وتغيب في دوامة الذكرى باكيةً إلى حيثُ تركَت بيتها تحت القصف نحو رحلةٍ من النزوح انتهت في رفح.

من بيتها في القرية البدوية بمدينة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، بدأت الحكاية، حكاية رزقٍ قطعَته "إسرائيل" بمنتهى العنجهية حين قررت تهجير سكان المنطقة بلمح البصر إلى حيث لا وجهة لهم! تحت نيران القصف وقذائف المدفعية تركوا بيوتهم وأمنياتهم وأمانهم خلفهم ومضوا في طريق التيه لا يعرفون للعودة وقتًا ولا طريقة.

تقول: "كنت أصحو وأنام وأفكر في البقرتين، أنتظر موعد ولادتهما لأبيع الحليب وأسدد بسعره ما علي من ديون، لكنني لم أتخيل أبدًا أن يغدو حلمي هذا رمادًا بين ليلةٍ وضحاها".

وتضيف: "كنتُ أشتري لهما العلف بالدَين، في آخر مرة اشتريت بمبلغ 700 شيقل ولم أسدد. عندما أعود سأبحث عن البائع لأسددها له بكل تأكيد".

تبكي حمدة وتتساءل: "بهون عليكي يموتوا البقرتين؟"، ثم لا تلبث تجيب: "راحوا لكن والله ما هانوا عليا".

على عربة يجرها حمار نزحت السبعينية حمدة (وهي من ذوات الاحتياجات الخاصة) من بيتها، منذ اللحظة الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، إلى منطقة العزبة في بيت حانون. "لقد ظننتُ أنها أكثر أمانًا، ولم أتوقع أن يصلها القصف، لكن القصف طال جميع المناطق ولم تبق منطقة آمنة" تزيد.

اضطُرت المُقعدة حمدة للنزوح مجددًا عبر العربة إلى منطقة الهوجا في معسكر جباليا شمالي قطاع غزة، واستأجرت شقة لا تتوفر فيها أقل مقومات الحياة حتى الماء! ليكتب القدر لها النزوحَ ثالثةً إلى مدرسة اتخذتها العائلات كمركز للإيواء في بيت لاهيا.

تتابع: "هناك بدأت فصول معاناةٍ جديدة، الحمامات معدومة النظافة، وغير ملائمة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ولم يكن لدي كرسي متحرك أتنقل به بسهولة، لذلك اضطررت لوضع دلو أقضي حاجتي بداخله في الصف، ناهيكم عن الشح الكبير في المياه".

ورغم الازدحام السكّاني الكبير داخل المدرسة، استطاعت حمدة أن تتخذ في الطابق الأرضي صفًا يؤويها وعائلتها، نظرًا لعدم قدرتها على الصعود والنزول على الدرج، في ظل عدم وجود درج مخصص لذوي/ات الاحتياجات الخاصة.

اشتد القصف الإسرائيلي في محيط المدرسة، فألقت طائرات الاحتلال مناشير تطالب الموجودين فيها بالنزوح إلى المناطق التي ادُّعيَ أنها آمنة جنوبي قطاع غزة، مما أجبرها وعائلتها للخروج لعيش فصول أخرى من المعاناة التي لم تنتهِ بعد.

إلى إحدى المدارس في مدينة رفح وصلت المقعدة حمدة، تقول: "لم يكن هناك مكانًا فارغًا داخل المدرسة. النازحون هناك من كل المناطق، ولم يكن أمامي خيار سوى أن أنصب خيمة في ساحة المدرسة".

وعن النوم داخل الخيمة، تصف حمدة الوضع بالقول: "الفرشة التي أنام عليها رقيقة جدًا ولا تصلح لسبعينية تعاني من إعاقة مثلي. الحصيرة تكاد تتمزق من شدة اهترائها، والصراصير تجري تحت أقدامنا من كل حدب وصوب، في الليل والنهار".

وفي الشتاء معاناة أخرى -وفق حمدة- فنايلون الخيمة يتطاير من شدة الرياح، والمياه تُغرق الفراش. تضطر للاستيقاظ طوال الليل للاحتماء في ممر المدرسة حتى ينتهي المطر، ثم تعود فتبدأ ببناء الخيمة من جديد.

طوال أشهر النزوح الخمسة، لم تطبخ حمدة قط، فجُلُّ اعتمادها في الطعام على المعلبات التي تمنحها إياها إدارة المدرسة، وفي حين عدم تواجدها تضطر لإرسال أحد أحفادها لتجمّع "التكيات" التي يشرف عليها أهل الخير، فيعود حاملًا بين يديه الطعام المتوفر هناك.

وقعت حمدة خلال نزوحها فريسةً للتلوث، نظرًا لتواجد خيمتها أمام مراحيض المدرسة. تقول: "أصابني التهاب شديد في الرئة والأحبال الصوتية، وانخفضت دقات قلبي، فنقلوني لمستشفى أبو يوسف النجار، وهناك مكثت أسبوعًا، لكن التعب يعود بين الحين والآخر بسبب تواجدي في مكان يفتقر إلى أدنى مقومات النظافة الصحية".

وعن أكثر المواقف التي تأثرت بها، تقول: "حين نزحت خرجت بدون شيء لكن بقي خاتمي بأصبعي، فاضطررت لبيعه حتى أستطيع شراء ملابس تقيني من برد الشتاء".

لم تكُف السبعينية حمدة عن الدعاء والتضرع لربها حتى تعود لمنزلها، "أو حتى إلى ركامه" لا فرق. تنام وتصحو وهي تتساءل: "شو صار.. اتفقوا؟ في هدنة؟"، ثم ما تلبث بعد الإجابة بالنفي إلا أن ترفع كفيها إلى السماء وتقول: "ان شاء الله اليوم بنرجع، وبترجع غزة آمنة".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير