شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م11:00 بتوقيت القدس

عُمّالٌ صنعتهُم "الحرب".. أطفالٌ مع وقف التنفيذ!

22 يناير 2024 - 16:24

شبكة نوى، فلسطينيات: غزة-نوى/فلسطينيات

تقضي الطفلة فرح البحابصة ساعات النهار تنادي على بضع حبات من الحلوى الشعبية التي تصنعها أمها لتبيعها، وبثمنها الزهيد تساعد في توفير بعض احتياجات أسرتها النازحة في مركز إيواء داخل مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

ونزحت أسرة فرح من منزلها بعدما حوّلته صواريخ الاحتلال إلى كومةٍ من الركام، ولجأت بأفرادها العشرة إلى مركز الإيواء في أول أيام الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتقول فرح (12 عامًا) لـ"نوى": "والدي عاطلٌ عن العمل، وأسرتنا كبيرة، والمساعدات لا تكفينا، وكانت هذه الحلويات فكرة أمي، تصنعها بنفسها، وأنا أبيعها للنازحين خاصة الأطفال داخل المدرسة".

ورغم مشاق العمل بالنسبة لطفلةٍ بعمرها تقضي طوال النهار من أجل جمع مبلغٍ بسيط، إلا أن فرح لا تبدي امتعاضًا من هذا العمل. وبوعيٍ يفوق سنوات عمرها، تقول: "الوضع صعب بسبب الحرب والحصار ولازم أساعد عيلتي".

ومع ابتسامةٍ ارتسمت على وجهها، أكملت: "حلمي عندما أكبر أن أفتح محل حلويات وأصبح مشهورة"، لكن هذا الحلم يبقى معلقًا بمصيرها كطفلةٍ فقدت منزلها، وفقد الآلاف من أقرانها الأطفال أرواحهم، وقد خطفتها حمم النيران المنبعثة من صواريخ وقذائف أُطلقت جوًا وبرًا وبحرًا.

وليس بعيدًا بكثيرٍ عن فرح، وقبيل بزوغ أول خيوط النهار، يرافق الشقيقان أنس (12 عامًا)، ومحمود (10 أعوام) والدهما أيمن ريحان (36 عامًا) نحو بسطة صغيرة أقامها باستخدام لوح خشبي قديم، بالقرب من مركز إيواء بمدرسة تابعة لـ"أونروا"، تقيم به الأسرة المكونة من 5 أفراد، ولا تكفيها المساعدات الضئيلة.

يساعد أنس ومحمود والدهما أيمن في إعداد "خبر الصاج"، وتجهيزه على موقد بدائيٍ يعمل على نار الحطب، للتغلب على أزمةٍ حادة في غاز الطهي الذي تمنع قوات الاحتلال دخوله غزة منذ أول أيام الحرب.

يقول الابن الأكبر لـ "نوى": "أعمل مع أبي لتوفير احتياجات أهلي (..) أكل المدرسة ما بيكفينا".

ولم يسبق لأيمن العمل في هذه المهنة، لكنه وجد فيها مصدرًا للرزق، في ظل حاجة الناس لخبزٍ جاهز، جراء النقص الشديد في الدقيق، وارتفاع أسعار المتوفر منه في السوق السوداء لنحو 12 ضعفًا، وعدم قدرة غالبيةٍ تعاني من الفقر الشديد على شرائه.

وتبدأ عملية إعداد الخبز بالعجن والتقطيع والتكوير، وتنتقل إلى نجليه أنس ومحمود اللذان يتولّيان فرد قطعة العجين لدوائر متوسطة الحجم، ومن ثم إنضاجها على الموقد، قبل عرضها للبيع على المارة، الذين تزدحم بهم شوارع مدينة رفح.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 700 ألف نازح لجأوا إلى هذه المدينة التي كان يقطنها أقل من 300 ألف قبل اندلاع الحرب، ويقول محمود الذي يحلم بدراسة الطب عندما يكبر: "المدرسة للتعليم مش للسكن (..) الحياة صعبة، ازدحام شديد وأمراض، وما في مياه للشرب والنظافة، والأكل قليل وكله معلبات لا نعرف إذا كويسة أو لا".

وعلى مقربةٍ من أسرة ريحان النازحة من جباليا شمالي القطاع، ينادي الطفل أحمد أبو عاصي (14 عامًا) المارة؛ مروجًا لمخبوزاتٍ صنعتها أسرته النازحة من حي الزيتون بمدينة غزة.

وتقيم أسرته المكونة من 25 فردًا في منزلٍ مستأجر، ويقول لـ "نوى: "جدي صاحب الفكرة، اشترى كيسًا من الدقيق، والنساء يجهزن المعجنات (المخبوزات) في المنزل، وآخذها يوميًا لبيعها في السوق من الصباح حتى المساء، كي نشتري بثمنها الخضار وأشياء أخرى ضرورية.

ويُبدي أحمد رضىً عما يحصّله يوميًا من بيع المخبوزات، ويوضح أنه يبيع يوميًا كل الكمية التي تُعدّها أسرته "البلد ما فيها حاجة، والناس بتاكل كل شيء بسبب الحرب والحصار" يقول.

وتفرض "إسرائيل" قيودًا شديدة على شاحنات المساعدات التي ترد للقطاع من خلال معبر رفح البري مع مصر، تحول دون تدفقها بوتيرة أسرع وبكميات كافية، في الوقت الذي تواصل فيه إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، وتمنع توريد السلع والبضائع التجارية للقطاع الساحلي الصغير.

وفي سياق هذا الواقع المتردّي، كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن أن أكثر من 71% من عينة دراسة أجراها في قطاع غزة، أفادت بأنها تعاني من مستويات حادة من الجوع، في ظل استخدام إسرائيل التجويع سلاحًا لمعاقبة المدنيين الفلسطينيين.

 وذكر المرصد أنه أجرى دراسة تحليلية شملت عينة مكونة من 1200 شخص في غزة؛ للوقوف على آثار الأزمة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية، وقد أظهرت نتائجها أن 98%؜ من المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم يعانون من عدم كفاية استهلاك الغذاء، بينما أفاد نحو 64% منهم؜ بأنهم يتناولون الحشائش والثمار والطعام غير الناضج والمواد منتهية الصلاحية لسد الجوع.

ورصدت الدراسة أن معدل الحصول على المياه، بما في ذلك مياه الشرب ومياه الاستحمام والتنظيف، يبلغ 1.5 لتر للشخص الواحد يوميًا في قطاع غزة، أي أقل بمقدار 15 لترًا من متطلبات المياه الأساسية لمستوى البقاء على قيد الحياة وفقًا لمعايير (اسفير) الدولية.

وتناولت الدراسة تداعيات سوء التغذية وعدم توفر مياه صالحة للشرب، إذ قال 66% من عينة الدراسة؜ إنهم يعانون أو عانوا خلال الشهر الحالي من حالات الأمراض المعوية والإسهال والطفح الجلدي.

ونقل المرصد الأورومتوسطي شهادات لأطباء عن ارتفاع في معدل الوفيات بالسكتات القلبية والإغماء في مناطق مدينة غزة وشمالها، التي تشهد تدهورًا أشد بالأزمة الإنسانية ومعدلات الجوع.

ومنذ بدء هجومها العسكري غير المسبوق على غزة، فرضت "إسرائيل" إغلاقًا شاملًا على القطاع، ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية عن أكثر من 2.3 مليون شخص هم إجمالي سكان القطاع.

ولاحقًا، اتخذت حرب التجويع الإسرائيلية منحنيات في غاية الخطورة، بما في ذلك قطع كافة الإمدادات الغذائية وقصف وتدمير المخابز والمصانع والمتاجر الغذائية ومحطات وخزانات المياه.

وعلى وقع الضغوط الدولية، قيّدت "إسرائيل" إدخال إمدادات إنسانية من مصر إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري، واقتصرت على معدل 100 شاحنة يوميًّا، وهي معدلات لا تقارن مع متوسط حمولة 500 شاحنة كانت تدخل لتلبية الاحتياجات الإنسانية إلى القطاع قبل السابع من أكتوبر الماضي.

ورغم السماح بدخول الكمية المحدودة من المساعدات الغذائية، فإنه لم يتم تسليم أي واردات غذائية تجارية، ما يجعل سكان قطاع غزة في حاجة ماسة إلى الغذاء في ظل فرض نهج العقاب الجماعي عليهم.

وأعاد "الأورومتوسطي" التذكير بأن القانون الإنساني الدولي يحظر بشكلٍ صارم استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب.

وباعتبار "إسرائيل" القوة المحتلة في غزة، فإنها ملزمة وفقًا للقانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان القطاع، وحمايتهم.

وينص "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" على أن تجويع المدنيين عمدًا "بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية" يرتقي إلى جريمة حرب.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير