شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م11:01 بتوقيت القدس

الحرب سرقت ذراعَي "نيبال".. وأمومتها أيضًا!

18 سبتمبر 2025 - 08:15

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

أن تكوني أمًا تخاف منها طفلتها، أن تكوني عاجزة عن القيام بنفسك قبل أن تقومي بطفلتك، أن تحتاجي إلى من يعاملك كطفلة لا تقوى على مسح دموعها، أن تكوني بلا ذراعين، إذن أنت هنا، تحت الإبادة في غزة.

نيبال الهسي (25 عامًا) فقدت ذراعيها إثر قصف إسرائيلي استهدف خيمتها بينما كانت تحتضن طفلتها "ريتا" التي نجت بأعجوبة. أصيبت الأم بجروح خطيرة انتهت ببتر ذراعيها من أسفل المرفقين، مع تلف بالكبد والساق وحروق متفاوتة تركت ندوبًا عميقة في جسدها.

"تخيلوا أن تكون الأم مصدر أمان أطفالها ثم تصبح محطة خوفهم وفزعهم وربما بكائهم، ماذا عليها أن تفعل؟".

تقول نيبال وهي تبكي: "لتتخيل كل أم أن تطلب منها طفلتها منقوشة زعتر فلا تستطيع أن تصنعها لها. تخيلوا أن تكون الأم مصدر أمان أطفالها ثم تصبح محطة خوفهم وفزعهم وربما بكائهم، ماذا عليها أن تفعل؟".

درست نيبال الترجمة باللغة الإنكليزية في جامعة الأزهر، وكانت تحلم بالعمل بتخصصها، لكن الحرب باغتتها قبل أن تبدأ مسيرتها. تقول: "يديّ الاثنتين بُترتا، كأحلامي تحت الإبادة، أعاني من الحروق وما زلت بحاجة لعمليات جراحية للتعافي وسط إمكانات منهكة بمستشفيات غزة".

أصعب ما تعيشه ليس فقدان ذراعيها فقط، بل أنها لم تتقبل فكرة أن تعجز عن إطعام طفلتها. تحتاج من يساعدها في الأكل والشرب وقضاء حاجتها، فتأثرت صحتها الجسدية والنفسية وصارت تعيش على المهدئات. تضيف بحزن: "زوجي انفصل عني بسبب إصابتي، رغم أنني تخليت عن حياتي الأولى لأجله ولأكون ربة منزل، لكنني اليوم عاجزة عن تدبير نفسي حتى".

لم تتوقف المأساة عند حدود الجسد، بل امتدت إلى حياتها كلها. بعد أن فقدت يديها وأحلامها، خسرت أيضًا منزلها الذي دُمر بالكامل تحت القصف. اليوم تعيش مشردة بلا مأوى، أسيرة عجزها ودموع طفلتها التي لا تملك لها سوى نظرة صامتة. وتشير إلى أنها تعيش في ظروف مأساوية، فلا معيل لها، ولا تستطيع توفير خيمة تحميها، ولا حتى حمامًا يساعدها على القيام بنفسها، في وقت تحولت فيه المراحيض بغزة إلى حلم يطارده كل النازحين.

"من أجل استعادة ولو جزء من حياتي، من أجل أمومتي، أناشد كل الجهات الرسمية ومن يستطيع سماعي في هذا العالم بمساعدتي للسفر للعلاج بالخارج".

في لحظة واحدة، تغيّرت حياتها إلى الأبد. لم تعد قادرة على استيعاب ما حل بها بعد أن كانت أمًا تفيض فرحًا بأمومتها، وربة منزل تحتضن أجمل طفلة في العالم، لتجد نفسها عاجزة عن الحركة وعن أبسط ما تقوم به الأمهات عادة. تقول: "من أجل استعادة ولو جزء من حياتي، من أجل أمومتي، أناشد كل الجهات الرسمية ومن يستطيع سماعي في هذا العالم بمساعدتي للسفر للعلاج بالخارج".

تحتاج نيبال تدخلًا طبيًا عاجلًا لتركيب أطراف صناعية ذكية تعيد لها بعضًا من قدرتها المسلوبة، وتمنحها فرصة كي تستعيد إنسانيتها وأمومتها. فقصة نيبال في غزة ليست استثناء، بل واحدة من آلاف قصص الأمهات اللواتي تُنتزع منهن الأمومة، لا بالموت فقط، بل بعجز فرضته حرب الإبادة الإسرائيلية، سرق منهن أبسط حقوقهن، وكسر قلوب أبنائهن، وتركهم في مواجهة حقيقة مرعبة، لا مجرد كابوس.

كاريكاتـــــير