شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م11:01 بتوقيت القدس

"السرطان" يجمع صديقتَين في القدس بعد فراق عقدين!

12 سبتمبر 2023 - 13:04

غزة :

"في تلك اللحظة أحببتُ مَرَضي"، هي عبارة غريبة ومستبعدة من امرأةٍ مصابةٍ بالسرطان، لكن اللحظة التي تحدثت عنها إيمان سليم تغلبت بها على الألم، ليس فقط آلام المرض، وإنما آلام الفراق عن صديقةٍ باعدَت بينهما الأيام لنحو 20 عامًا، حتى كان اللقاء هناك في القدس.

عندما أصيبَت إيمان سليم (47 عامًا) بالمرض، لم تكن تعلم أن القدر يخبئ لها فرحةً ستملأ قلبها، بلقاءٍ طال انتظاره مع صديقة الطفولة رولا رسمي الحاج حسن، وهن صديقتا طفولة ولدتا ونشأتا معًا في ليبيا، قبل أن تنتقل إيمان مع أسرتها إلى غزة، وتنتقل رولا مع أسرتها إلى الضفة الغربية، بعد تأسيس السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي.

منذ عودتها إلى غزة في العام 1994م لم تغادرها إيمان، وتقول لـ "نوى": "كنت أشتهي السفر للسياحة وليس للعلاج"، فقد اكتشفتُ في العام 2019م إصابتها بسرطان الثدي، وخضَعت لعملية استئصالٍ جزئي وعلاج كيماوي في غزة، قبل مرحلة العلاج الإشعاعي في مستشفى المطلع بمدينة القدس المحتلة، حيث كانت المرة الأولى التي تغادر فيها غزة منذ عودتها من ليبيا.

عشرون يومًا، كانت إيمان خلالها وحيدة وأسيرة أوجاعها في مستشفى المطلع، بعدما رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منح التصريح لمرافق لها، فكان اللقاء بصديقتها رولا -بحسب وصفها- "دواء الروح وحاجتي له لا تقل عن حاجتي للعلاج الكيماوي".

تقطن رولا في محافظة طولكرم بالضفة الغربية منذ عودتها برفقة أسرتها من ليبيا، ولنحو عقدين من الزمان كان التواصل بينهما عبر الرسائل الورقية التي لا يعرفها كثيرون من جيل اليوم، قبل أن تتطور إلى مكالمات الفيديو، التي كان يغلب عليها الحديث عن ذكريات الماضي، وأمنيات لقاء مستبعد بفعل قيود الاحتلال.

عند باب العامود بالقدس المحتلة كان اللقاء الموعود والمحفور في ذاكرتَي إيمان ورولا بتفاصيله وبكثير من الدموع والأحضان، وعلى طريقة الأفلام السينمائية لم يكن يفصل بينهما سوى عشرة أمتار، ويتواصلن عبر الهاتف النقال: أين أنت؟ ماذا تلبسين؟، فقد كان أثر السنين عليهن أكبر من أن تزيله مكالمات الفيديو، والذاكرة لا تزال متوقفة عند سنوات الطفولة والشباب الأولى في "سرت" الليبية، تقول إيمان.

قبيل لحظة اللقاء كانت إيمان وحيدة مع أوجاعها عندما تلقت اتصالًا من رولا: "أنا بالقدس"، وتقول: "خرجت من غرفتي أجري بلا وعي، أين أنت بالضبط؟، وساقاي تسابق الريح للوصول إلى باب العامود".

كان لقاء مليئًا بالذكريات والدموع، هكذا وصفته إيمان، وأضافت: "هذا هو اللقاء المستحيل الذي لم أكن أتوقع حدوثه في أحلامي.. ويحدث في القدس".. توجهت الصديقتان معًا إلى المسجد الأقصى المبارك، من دون أن تتوقف الأحضان بينهما. وتضيف إيمان: "كلما نظرتُ لرولا أطلب منها أن تحضنني.. لم أصدق أننا التقينا من جديد".

في لحظة ما تقول إيمان: "أحببتُ مرضي الذي كان سببًا في هذا اللقاء، ولولاه لما كنتُ زرت القدس أبدًا، ولما التقيت بصديقة عمري.. هذه هي الحياة في غزة، الكثير من التناقضات، التي يجعل الاحتلال من أبسط أمورها أشياء استثنائية".

وتعيش إيمان حياة أسرية معقدة، فهي "المريضة والممرضة" في بيتها -بحسب وصفها- ورغم مرضها بالسرطان فإنها تتكفل برعاية زوجها، الذي أصيب مطلع العام الجاري بجلطة دماغية تسببت في شلله وعدم قدرته على تدبر أبسط احتياجاته الإنسانية اليومية، فضلًا عن تكفُّلها بتربية وتعليم ابنتيها راما (22 عامًا) ودانا (20 عامًا).

وتعتمد إيمان، وهي ربة منزل لم تتوفر لها فرصة عمل بشهادتها في إدارة الأعمال، في تدبر شؤونها على راتبٍ تقاعدي لزوجها الذي كان مهندسًا زراعيًا في السلطة الفلسطينية، وتقول: "راتب زوجي التقاعدي 2000 شيكل، ولا يكفي لاحتياجاتنا الأساسية".

ولهذا كله، كانت إيمان بحاجة ماسة لشيء ما يجعلها تتغلب على آلامها ولا تستسلم لليأس، بحسب رولا، وتقول لـ "نوى": "كان لقاؤنا مهمًا جدًا كي لا تقع إيمان فريسةً لليأس وتستسلم للمرض.. وكذلك أنا كنتُ بحاجة لهذا اللقاء الذي يُنعش الذاكرة ويعيدنا إلى الزمن الجميل وأيام الطفولة والشباب".

رولا (48 عامًا) لا تؤمن باليأس والاستسلام مهما كان وقع الحدث مؤلمًا، وقد مرّت في حياتها بكثيرٍ من هذه الأحداث، تذكر منها إصابة واحدة من بناتها بمرضٍ نادر، وانفصالها عن زوجها، واضطرارها لتأسيس مشروعها الخاص الصغير كي تتمكن من التكفل بمصاريف أبنائها الستة (ولدان و4 بنات).

وتقول: "إن وجود الأصدقاء والأحباب يزيد من عوامل الصمود في وجه الأمراض والمصائب، وهو ما حدث مع إيمان فقد تغيرت حالتها النفسية نحو الأفضل، وبرغبة جديدة بالحياة، وقضينا ساعات النهار معًا. صلّينا في المسجد الأقصى المبارك، وتجولنا في البلدة القديمة بالقدس، واسترجعنا ذكريات الطفولة وأيامنا الحلوة في ليبيا، وسنوات طويلة من الجيرة حيث كنا في نسكن في منزلين متلاصقين يفصل بينهما سور".

"في لحظة من اللحظات ونحن سوياً، نظرت إليها وشعرت وكأن الزمن توقف عند الطفولة، وكأننا لم نفترق ولم تمر كل هذه السنين بما أحدثته علينا من تغييرات جسدية ونفسية"، والحديث لرولا، وواصلت: "الحياة عبارة عن حلبة مصارعة، ولا بقاء فيها للضعفاء، ويجب علينا أن نواجه ما نمر به من تحديات بكل قوة وعزم، وأن نتمسك بالأمل".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير