شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025م11:01 بتوقيت القدس

الدكتور مصعب ناصر

"خبير دولي".. والسر "دعوة أم"

22 اعسطس 2023 - 10:58

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"الله يحبب فيك خلقه"، دعوة أمٍ لازمت مصعب ناصر منذ ولادته عام 1975م في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، وهي -كما يرى- سر نجاحه. صداها كان يتردد في أذنيه أينما ارتحل خلال ربع قرنٍ ويزيد، حتى استقر به المقام خبيرًا لدى كبريات شركات البترول في الولايات المتحدة الأميركية.

في زيارته الأخيرة إلى غزة، قبل نحو أسبوع، كان منزل العائلة في بلدة بيت حانون محطته الأولى. لقد حرص على أن تكون أولى لياليه في أحضان والدته التي لم يُنسها الزمن دعوتها تلك، فهمست بها في أذنه مرارًا عندما رأته بعد فراقٍ طويل. تقول الحاجة فاطمة لـ "نوى": "طول عمره مصعب ولد مطيع وبار، ولا يزال رغم السنين حريصًا على الاطمئنان علي يوميًا بعد صلاة الفجر".

في السنوات الأولى من حقبة تسعينات القرن الماضي، وحيث كانت الانتفاضة في أوجها، لم يستطع مصعب إكمال دراسته في علوم الحاسوب في جامعة القدس أبو ديس بالضفة الغربية، بسبب الإغلاقات والقيود الإسرائيلية، فقرر الالتحقاق بتخصص الفيزياء بالجامعة الإسلامية بغزة، وكان متميزًا بين زملائه، وحصل بعد التخرج على منحة دراسية للماجستير في إيطاليا من المركز العالمي للفيزياء النظرية، من بين آلاف الطلبة الذين تقدموا لها من حول العالم، ليقع عليه الاختيار أخيرًا بعد التصفيات النهائية من بين عشرة منهم.

في لقائه مع "نوى"، بدأ بسرد الحكاية فقال: "حصلتُ على الماجستير في سنة واحدة بتخصص فيزياء الطاقة العالية، ومباشرة توجهتُ للنرويج في منحةٍ دراسيةٍ للدكتوراة بتخصص علم فيزياء الفلك".

بعد الدكتواره، عمل في شركة "شل" للبترول في هولندا، "وكان هذا تحولًا كبيرًا في مسيرتي العلمية والعملية" يضيف، حيث قضى في هذه الشركة التي تعدُّ واحدةً من كبريات الشركات في مجال البترول، 4 سنوات، صار بعدها خبيرها الخاص في مجال البترول، لترسله بعدها الشركة إلى الولايات المتحدة كخبيرٍ للعمل في حقوق البترول بخليج المكسيك".

قضى سنواتٍ في "شل"، انتقل بعدها للعمل في شركة دنماركية لخمسة أعوام تنقل خلالها في أماكن كثيرة، ومنها إلى شركة أميركية للعمل في حقول بترول في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وبفضل التقنية التي انتهجها الدكتور مصعب في حفر الآبار، استطاعت الشركة الوصول لكميات من البترول لم يُكتشف مثلها حول العالم خلال السنوات العشر الماضية.

الدكتور مصعب حاليًا، هو واحدٌ من 5 خبراء حول العالم في مجال التكنولوجيا التي ينتهجها للكشف عن البترول، حيث أصبح له اسم كبير للعمل في مشاريع كبرى بمئات ملايين الدولارات، وحصل على جوائز علمية عدة، ويدير حاليًا شركته الخاصة للاستشارات العلمية، التي يقدمها لشركات بترول عالمية.

خلال هذه المسيرة الطويلة حقق الدكتور مصعب من المال والشهرة ما يطمح له كثيرون، لكنه يقول: "المال والشهرة ليست غايتي وهمي، فالله سبحانه وتعالى أكرم علي بكليهما من خلال عملي في مجال البترول. كل ما يهمني هو رضى الله، ومقابلته بعمل صالح ينفع الإنسانية ويدخلني الجنة".

وانطلاقًا من إيمانه بأن "وقت الإنسان على هذه الارض قصير وثمين جدًا"، سخّر مساحةً كبيرةً من وقته للعمل التطوعي في مؤسسة "فجر سينتفيك" الإنسانية، التي يتقلد فيها منصب الرئيس التنفيذي، برفقة مؤسسها وصديقه جراح العظام الأميركي من أصل فلسطيني الدكتور خالد صالح.

زيارته الأخيرة إلى غزة، كانت عبارة عن مهمة طبية إنسانية يصفها الدكتور مصعب بأنها "الأكبر على مستوى العالم"، حيث نجح الفريق الطبي للمؤسسة برئاسة الدكتور صالح، بإجراء 153 عملية نوعية في غضون 5 أيام فقط.

بانضمام الدكتور مصعب للمؤسسة في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، نجح في إحداث نقلة نوعية في عملها، ومن رأس مال لا يزيد على 60 ألف دولار، ارتفع ليصل إلى 8 ملايين دولار في 8 شهور فقط، حيث تمكن في فترة بسيطة من جمع 400 ألف دولار، بالإضافة إلى 4 ملايين أخرى، ثمنًا للأجهزة والمعدات الطبية التي أدخلتها المؤسسة إلى غزة.

وما كان الدكتور مصعب ليحقق هذه النجاحات إلا بنجاحه داخل أسرته، وبالتشجيع الكبير الذي يتلقاه من زوجته التي يقول فيها وعنها: "زوجتي هي حياتي، وهي من تشجعني على الاستمرار في عمل الخير (..) منذ شهر أبريل الماضي أسافر كل نهاية أسبوع، وأحيانًا أقضي أسابيع كاملة بعيدًا عن بيتي وأولادي، لكن زوجتي صابرة ومحتسبة".

وللدكتور مصعب ثلاثة أولاد وبنتين، الأكبر اسمه إلياس ويدرس في كلية الطب في ولاية تكساس، ويوسف الذي يدرس في جامعة "هيوستن"، وطارق في السنة الأخيرة من الثانوية، بالإضافة إلى ابنتيه مريم وميرال.

ولمريم (8 أعوام) حكايتها الخاصة، إذ يصفها والدها بـ "مريم الخير"، فقد كان مرضها النادر الذي تعاني منه بمثابة باب خير ولج منه إلى أعماله الخيرية والإنسانية.

يعكف الدكتور مصعب حاليًا مع صديقه الدكتور خالد صالح، على تأسيس "جمعية مريم الخيرية" لتلقي التبرعات، التي ستخصص للمنح الدراسية الطبية، ويقول: "كانت مريم سببًا في كل الخير الذي وصل للمرضى في غزة، وللخير الذي أصابني كذلك في هذه المهمة الإنسانية".

وكوصفة نجاح للشباب الفلسطيني، حثهم الدكتور مصعب على التوكل على الله كمفتاحٍ أساسي، والعمل بشكل جاد، وعدم اعتماد التخصصية في العلوم، "فليس بالضرورة أن يعمل الإنسان فيما درسه، وشخصيًا كانت دراستي في فيزياء الفلك، لكن عملي تركز على فيزياء الجيولوجيا. استثمار الوقت شيء أساسي ومهم في الحياة" يعلق.

كما حث الشباب على عدم الأنانية، "فالعمل لا يتم من خلال شخص واحد، وإنما بتكامل العقول والأفكار، يمكن إنجاز عمل مميز، وهذا أساس في فن الإدارة" يختم مبتسمًا.

كاريكاتـــــير